الدرس 201ج 5 اعتقاد أن الخليل محمداً ليس ببشر

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 28 ربيع الثاني 1446هـ | عدد الزيارات: 53 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد ؛

من مات وهو يعتقد أن محمداً ليس ببشر أو يعتقد أنه يعلم الغيب فهذا اعتقاد كفري يعتبر صاحبُه كافرا كفراً أكبر ، وهكذا إذا كان يدعوه ويستغيث به أو ينذر له أو لغيره من الأنبياء والصالحين أو الجن أو الملائكة أو الأصنام ، لأن هذا من جنس عمل المشركين الأولين كأبي جهل وأشباهِهِ ، وهو شرك أكبر ، ويسمي بعضُ الناس هذا النوع من الشرك توسلاً، وهو شرك أكبر.

وهناك نوع ثان من التوسل ليس من الشرك بل هو من البدع ووسائل الشرك ، وهو التوسل بجاه الأنبياء والصالحين أو بحق الأنبياء والصالحين أو بذواتهم ، فالواجب الحذر من النوعين جميعاً .
ومن مات على النوع الأول لا يُغسَّل ولا يُصلى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين ، ولا يُدعى له ولا يتصدق عنه لقول الله عز وجل " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم " التوبة 113 ، وأما التوسل بأسماء الله وصفاته وتوحيده والإيمان به فهو توسل مشروع ومن أسباب الإجابة ، لقول الله عز وجل " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " الأعراف 180 ، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع من يدعو ويقول : اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فقال " لقد سأل الله باسمه الذي إذا سُئل به أعطى وإذا دُعي به أجاب " .(قلت : رواه أبو داود عن بريدة بن الحُصَيْب الأسلمي، وصححه الألباني بهذا اللفظ "اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ أنِّي أشْهدُ أنَّكَ أنتَ اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ الأحدُ الصَّمدُ الَّذي لم يلِدْ ولم يولَدْ ولم يَكن لَهُ كفوًا أحدٌ فقالَ : لقد سألتَ اللَّهَ بالاسمِ الَّذي إذا سُئلَ بِهِ أعطى وإذا دُعِيَ بِهِ أجابَ ")

وهكذا التوسل بالأعمال الصالحة من بر الوالدين وأداء الأمانة والعفة عما حرم الله ونحو ذلك ، كما ورد ذلك في حديث أصحاب الغار المخرج في الصحيحين ، وهم ثلاثة ، آواهم المبيت والمطر إلى غار فلما دخلوا فيه انحدرت عليهم صخرة من أعلى جبل فسدت الغار عليهم فلم يستطيعوا الخروج . فقالوا فيما بينهم إنه لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم ، فتوجهوا إلى الله سبحانه فسألوه ببعض أعمالهم الطيبة فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً وإني ذات ليلة نأى بي طلب الشجر فلما رحت عليهما بغبوقهما وجدتهما نائمين فلم أوقظهما وكرهت أن أسقي قبلهما أهلاً ومالاً ، فلم أزل على ذلك حتى طلع الفجر فاستيقظا وشربا غبوقهما ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه .
أما الثاني فتوسل بعفته عن الزنا حيث كانت له ابنة عم يحبها كثيراً وأرادها في نفسها فأبت عليه ثم ألمت بها حاجة شديدة فجاءت إليه تطلب منه المساعدة فأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسها فوافقت على هذا من أجل حاجتها فأعطاها مائة دينار وعشرين دينار فلما جلس بين رجليها قالت له : يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فخاف من الله حينئذ ، وقام عنها وترك لها الذهب خوفاً من الله عز وجل ، فقال : اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه .

ثم قال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيت كل واحد أجرته إلا واحداً ترك أجرته فنميتها له حتى بلغت إبلاً وبقراً وغنماً ورقيقاً ، فجاء يطلب أجرته فقلت له كل هذا من أجرتك يعني الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال يا عبد الله اتق الله ولا تستهزئ بي ، فقلت له : إني لا أستهزئ بك إنه كله مالك فساقه كله ، اللهم إن كنت تعلم إني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا جميعاً يمشون. ،( قلت : هذه القصةُ قد رويت في البُخاريّ ومسلم من حديث عبد الله بن عُمر بن الخطَّاب - رضِي الله عنْهُما. )
وهذا يدل على أن التوسل بالأعمال الصالحة الطيبة أمر مشروع ، وأن الله جل وعلا يفرج به الكربات كما جرى لهؤلاء الثلاثة ، أما التوسل بجاه فلان وبحق فلان أو بذات فلان فهذا غير مشروع ، بل هو من البدع كما تقدم.

التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فيه تفصيل ، فإن كان ذلك باتباعه ومحبته وطاعة أوامره وترك نواهيه والإخلاص لله في العبادة فهذا هو الإسلام وهو دين الله الذي بعث به أنبياءه ، وهو الواجب على كل مكلف ، وهو الوسيلة للسعادة في الدنيا والآخرة ، أما التوسل بدعائه والاستغاثة به وطلبه النصر على الأعداء والشفاء للمرضى فهذا هو الشرك الأكبر ، وهو دين أبي جهل وأشباهه من عبدة الأوثان ، وهكذا فعل ذلك مع غيره من الأنبياء والأولياء أو الجن أو الملائكة أو الأشجار أو الأحجار أو الأصنام .

وهناك نوع ثالث يسمى التوسل وهو التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بحقه أو بذاته مثل أن يقول الإنسان : أسألك يا الله بنبيك أو جاه نبيك أو حق نبيك أو جاه الأنبياء أو حق الأنبياء أو جاه الأولياء والصالحين وأمثال ذلك فهذا بدعة ومن وسائل الشرك ولا يجوز فعله معه ولا مع غيره لأن الله سبحانه وتعالى لم يشرع ذلك والعبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما دلَّ عليه الشرع المطهر ، وأما توسل الأعمى به في حياته فهو توسل به صلى الله عليه وسلم ليدعو له ويشفع له إلى الله في إعادة بصره إليه ، وليس توسلاً بالذات أو الجاه أو الحق كما يعلم ذلك من سياق الحديث وكما أوضح ذلك علماء السنة في شرح الحديث .

(قلت : لفظ الحديث "روى عثمانُ بن حُنيف رضي الله عنه أنَّ رجلاً ضريرَ البصر أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ادعُ الله أن يعافيني ، قال صلى الله عليه وسلم:ن شئتَ دعوتُ، وإن شئت صبرتَ ؛ فهو خيرٌ لك". قال: فادعُهْ، قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه؛ ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيك محمد نبيِّ الرحمةِ ، إنِّي توجهتُ بكَ إلى ربي في حاجتي هذه لتُقْضَى لي ، اللهم فشفِّعه فِيَّ". صحيح الجامع للألباني، )
وقد بسط الكلام في ذلك شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في كتبه الكثيرة المفيدة ، ومنها كتابه المسمى (القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة) ،وهو كتاب مفيد جدير بالاطلاع عليه والاستفادة منه .
وهذا الحكم جائز مع غيره صلى الله عليه وسلم من الأداء كأن تقول لأخيك أو أبيك أو من تظن فيه الخير : ادع الله لي أن يشفيني من مرضي أو يرد علي بصري أو يرزقني الذرية الصالحة أو نحو ذلك بإجماع أهل العلم

* من المعلوم بالأدلة من الكتاب والسنة أن التقرب بالذبح لغير الله من الأولياء أو الجن أو الأصنام أو غيرِ ذلك من المخلوقات شرك بالله ومن أعمال الجاهلية والمشركين ، قال الله عز وجل " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " الأنعام 162 ، 163 ، والنسك هو " الذبح " ، بيَّن سبحانه في هذه الآية أن الذبح لغير الله شرك بالله كالصلاة لغير الله ، قال تعالى " إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر " الكوثر 1 ، 2 ، أمر الله سبحانه نبيه في هذه السورة الكريمة أن يصلي لربه وينحر له خلافاً لأهل الشرك الذين يسجدون لغير الله ويذبحون لغيره ، وقال تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " الإسراء 23 ، وقال سبحانه وتعالى: " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " البينة 5 ، والذبح من العبادة فيجب إخلاصه لله وحده .

وفي صحيح مسلم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَعَنَ اللَّهُ مَن ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ".

وأما قول القائل : أسأل الله بحق أوليائه أو بجاه أوليائه أو بحق النبي أو بجاه النبي ، فهذا ليس من الشرك ولكنه بدعة عند جمهور أهل العلم ومن وسائل الشرك ، لأن الدعاء عبادة وكيفيته من الأمور التوقيفية ولم يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم ما يدل على شرعية أو إباحة التوسل بحق أو جاه أحد من الخلق فلا يجوز لمسلم أن يحدث توسلاً لم يشرعه الله سبحانه لقوله تعالى " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله " الشورى 21 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته ، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري في صحيحه جازماً بها " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " ، ومعنى قولِه: فهو رد ، أي مردود على صاحبه لا يقبل ، فالواجب ، على أهل الإسلام التقيد بما شرعه الله والحذر مما أحدثه الناس من البدع.

أما التوسل المشروع فهو التوسل بأسماء الله وصفاته وبتوحيده وبالأعمال الصالحات ومنها الإيمان بالله ورسوله ومحبة الله ورسوله ونحو ذلك من أعمال البر والخير والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله سبحانه " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " الأعراف 180

والله ولي التوفيق

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس244 ج 5 حكم نقل حجارة مسجد إلى البيت والتبرك بها - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس243 ج 5 الطريقة التيجانية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 242 ج 5 زيارة المسجد النبوي سُنَّة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 241 ج5  المؤمن والخوف من الموت - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس240 ج 5 التوبة  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 239 ج 5 فضل حفظ القرآن - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي