ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس (9) الجزء الأول: الرد على  شبهاتٍ خمس حولَ القرآن

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 27 ذو القعدة 1443هـ | عدد الزيارات: 308 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما، وبعد

عرض الشبهات الخمس والردُّ عليها:

الأولى: القول بتناقض القرآن، وقد مثّلَوا لذلك بقوله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} (التوبة 51) وقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد 11)

الثانية: إنكارُ قصةِ عصا موسى، وقصةِ أهل الكهف، والتصريحُ بأنهما من الأساطير.

الثالثة: أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم كان إنسانا بسيطا يسافر كثيرا عبر الصحراء العربية ويستمع إلى الخرافات البسيطة السائدة في ذلك الوقت، وقد نقل الخرافات إلى القرآن، مثال ذلك عصا موسى، وقصة أهل الكهف.

الرابعة: إنكار إعطاء المرأة نصف ما يعطى الذكر في الميراث، والزعم أن ذلك ليس من المنطق، وأنه نقص يجب البدار إلى إزالته؛ لأنه لا يناسب تطور المجتمع، وينبغي للحكام أن يطوروا الأحكام حسب تطور المجتمع.

الخامسة: إنكار تعدد النساء وحجره ذلك على بعض الناس؛ لأنه لا يناسب تطور المجتمع.

ونحن - إن شاء الله - نبين بطلان ما ذكر في هذه الأمورالخمسة، ونكشف الشبه بالأدلة القاطعة، وإن كان الأمر في ذلك واضحا، بحمد الله

فنقول: القول بأن القرآن متناقض، فهذا من أقبح المنكرات، ومن الكفر الصريح لأنه تنقص للقرآن، وسب له، وإنما أتى من زعم ذلك من جهة فساد فهمه، ونقص علمه، كما قال الشاعر:

وكم من عائب قولا صحيحا … وآفته من الفَهم السقيمِ

وقد أجمع كلُّ من لديه علم وإنصاف وبصيرة باللغة العربية من علماء الإسلام وخصومه، أن كتاب الله في غاية من الإحكام والإتقان، وأنه خير كتاب وأفضل كتاب، وأنه لم ينزل كتاب أفضل منه، لما اشتمل عليه من العلوم النافعة والأحكام العادلة، والأخبار الصادقة، والشرائع القويمة، والأسلوب البليغ المقنع، كما قال الله سبحانه: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا} (الأنعام 115) ، إذا علم هذا فالجمع بين الآيتين المذكورتين وما في معناهما هو أن الله سبحانه قد قدر مقادير الخلائق، وعلم ما هم عاملون، وقدر أرزاقهم وآجالهم، وكتب ذلك كله لديه، كما قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} الآية، وقال سبحانه: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (الحج 70) وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاوة ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَن أعْطَى واتَّقَى وصَدَّقَ بالحُسْنَى} الآيَةَ،" (الليل 5)، الحديث في صحيح البخاري باختلاف يسير "كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في جَنَازَةٍ، فأخَذَ شيئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ به الأرْضَ، فَقالَ: ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلَّا وقدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، ومَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أفلا نَتَّكِلُ علَى كِتَابِنَا، ونَدَعُ العَمَلَ؟ قالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له، أمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ السَّعَادَةِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، وأَمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ الشَّقَاءِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَن أعْطَى واتَّقَى وصَدَّقَ بالحُسْنَى} الآيَةَ ")

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ. » والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفي هذه الآيات والأحاديث الدلالة على أن الله سبحانه قد قدر الأشياء وعلمها وكتبها، وأن الإيمان بذلك أصل من أصول الإيمان الستة التي يجب على كل مسلم الإيمان بها، ويدخل في ذلك أنه سبحانه، خلق الأشياء كلها، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، كما قال عز وجل: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (الزمر 62)

فعلمه سبحانه، محيط بكل شيء، وقدرته شاملة لكل شيء،

وبما ذكرنا من هذه الآيات يتضح معنى قوله سبحانه: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} وقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .

فالآية الأولى دلت على أن جميع ما يصيب العباد، مما يحبون ويكرهون، كله مكتوب عليهم، ودلت الثانية على أن الله سبحانه قد رتب على أعمال العباد وما يقع منهم من الأسباب، مسبباتها وموجباتها، فالمؤمن عند المصيبة، يفزع إلى القدر فيطمئن قلبه، وترتاح نفسه به، لإيمانه بأن الله سبحانه قد قدر كل شيء، وأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، ويحارب الهموم والغموم والأوهام، ويصبر ويحتسب رجاء ما وعد الله به الصابرين، أما إذا ضيعوا أمره وتابعوا الأهواء واختلفوا بينهم، فإن الله سبحانه يغير ما بهم، من عز واجتماع كلمة، ويسلط عليهم الأعداء، ويصيبهم بأنواع العقوبات من القتل والخوف ونقص الأموال والأنفس والثمرات وغير ذلك جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد، وهذا هو معنى قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ، والمعنى: أنه سبحانه لا يغير ما بالعباد، من عز ورغد عيش واتحاد كلمة وغير ذلك من صنوف النعم، إلا إذا غيروا ما بأنفسهم من طاعته والاستقامة على دينه، والأخذ بالأسباب النافعة، وإعداد المستطاع من القوة، والقيام بالجهاد، فإذا فعلوا ذلك غير الله ما بهم، فصاروا بعد العزة أذلة، وبعد الاجتماع والاتحاد متفرقين ومختلفين، وبعد رغد العيش وأمن السبل إلى فقر وحاجة واختلال أمن، إلى غير ذلك من أنواع العقوبات .

وأما الثانية والثالثة من الأمور المنكرة التي وقعت في الكلام المذكور، فهما:

الزعم أن قصة موسى، وقصة أهل الكهف من الأساطير، ومن الخرافات التي نقلها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى القرآن، وشبهته - فيما افتراه من هذا الزعم الباطل - هي أن هاتين القصتين لا يقبلهما العقل؛ لكون العصا جمادا لا تقبل الحياة، ولأن نوم أهل الكهف طويل جدا، وهذه الشبهة باطلة من وجوه:

الوجه الأول: أن العقل لا مجال له في هذا المقام، وإنما الواجب على جميع العقلاء التصديق بما أخبر الله به ورسوله واتباعُه، وعدم التكذيب بشيء منه، وليس لأحد أن يحكم عقله في الإيمان ببعض المنزل وإنكار بعضه لقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} (النساء 136) الآية.

الوجه الثاني: أن الله سبحانه لا أصدق منه، وهو العالم بكل ما كان وما سيكون، وكتابه هو أحسن الحديث، وأحسن القصص، وقد ضمن حفظه وأخبر أنه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} (فصلت 42) وقال سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} (الزمر 23) الآية، ومعنى قوله متشابها في هذه الآية: يشبه بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا، وقال جل وعلا: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} (يوسف 3) الآية، وقال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر 9)

الوجه الثالث: أن وظيفة العقول هي التدبر للمنزل، والتعقل لما دل عليه من المعنى بقصد الاستفادة والعمل والاتباع. كما قال الله سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص 29) أما تحكيمها في الإيمان ببعض المنزل ورد بعضه فهو خروج بها عن وظيفتها، وتجاوز لحدودها، وعدوان من فاعل ذلك .

الوجه الرابع: أن العقول الصحيحة الصريحة لا تخالف المنقول الصحيح ولا تضاده لأن الرسل صلى الله عليهم وسلم لا يأتون بما تحيله العقول الصحيحة، ولكن قد يأتون بما تحار فيه العقول لقصورها وضعف إدراكها، فيجب عليها أن تسلم للصادق الحكيم العليم بكل شيء، خبره وحكمه، وأن تخضع لذلك وتؤمن به. وقصة عصا موسى، وقصة أهل الكهف ليستا مما تحيله العقول؛ لأن قدرة الله سبحانه، عظيمة وشاملة، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس 82) وقال سبحانه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} (الكهف 45) ولما سبق من الآيات الكثيرات، في هذا المعنى وقد جعل الله هذه العصا معجزة باهرة لرسوله وكليمه موسى صلى الله عليه وسلم، وأيده بها على عدوه فرعون ليقيم الحجة عليه وعلى قومه، فكانت من الآيات العظيمة التي خرق الله بها العادة من أجل تأييد الحق، وإبطال ما جاء به السحرة من السحر العظيم، الذي سحروا به أعين الناس واسترهبوهم.

وقد ثبت بالنقل المعصوم والمشاهد المعلوم، ما هو من جنس قصة عصا موسى أو أعجب منها، فأما النقل المعصوم فهو ما ذكره الله سبحانه في قصة آدم والجان، وأن الله عز وجل خلق آدم من الطين، من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، ثم نفخ في آدم من روحه، والطين جماد كالعصا، ولما نفخ الله فيه الروح صار إنسانا عاقلا، سميعا بصيرا، وهكذا النار جماد محرق، وقد خلق الله منها الجان، وجعله حيا سميعا بصيرا، فالذي قدر على ذلك هو الذي جعل في عصا موسى الحياة، حتى صارت بذلك حية تسعى، ولقفت ما ألقاه السحرة من العصي والحبال، وربك على كل شيء قدير، أما الشاهد المعلوم فجميع بني آدم كلهم مخلوقون من ماء مهين، كما قال الله عز وجل في سورة السجدة {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (السجدة 6) {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} (السجدة 7) {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} (السجدة 8) وهذا الماء هو النطفة المكنونة من ماء الرجل وماء المرأة، ثم تكون بعد ذلك علقة، ثم مضغة وهي في أطوارها الثلاثة جماد، ثم ينفخ الله فيها الروح فتكون بعد ذلك خلقا آخر حيا ذا سمع وبصر وعقل، ففي خلق آدم وذريته آيات بينات على قدرة الخالق سبحانه، وأنه على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وأنه سبحانه لا يعجزه شيء، ومن المشاهد المعلوم - أيضا - البيضة، فإنها مخلوق جماد، ثم يجعل الله في ذلك الجماد الذي في داخلها - بالأسباب التي قدرها وعلمها عباده - طائرًا حيًا سميعًا بصيرًا، والشواهد من مخلوقاته عز وجل على قدرته العظيمة وحكمته وعلمه الشامل كثيرة لا تحصى، وبما ذكرنا يتضح - لطالب الحق - بطلان هذه الشبهة التي شبه بها القائل في الكلام المنسوب إليه، ويعلم ذلك أنها من أبطل الباطل نقلا وعقلا، ومن الدلائل القطعية على بطلانها أن الله سبحانه قد خلق السماوات والأرض، وخلق جميع المخلوقات الجامدة والمتحركة بقدرته العظيمة وذلك أعظم وأكبر من جعل عصا موسى حية تسعى،

وأما قصة أهل الكهف فليس فيها بحمد الله ما تحيله العقول، بل أمرها أسهل وأيسر من قصة العصا، والله سبحانه قد أرانا شاهدا لها في أنفسنا، وذلك بما منَّ به على العباد من النوم الذي قدره عليهم، وجعله رحمة لهم، لما يترتب عليه من إجمامهم من التعب، واستعادة قواهم بعد الكلال والمشقة وضعف القوى وجعل ذلك من آياته الدالة على قدرته العظيمة، وكمال إحسانه ولطفه بعباده، وجعله دليلا على الحياة بعد الموت، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (الأنعام 60) والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقد أوضح فيها سبحانه أن النوم وفاة ونعمة ورحمة، وآية باهرة على قدرته العظيمة، فالذي قدر على ذلك وجعل ذلك نعمة عامة، ورحمة لجميع عباده، في ليلهم ونهارهم، عند الحاجة اليه، وجعله دليلا على البعث والنشور والحياة بعد الموت، هو الذي قدر على أهل الكهف النومة الطويلة، لحكم كثيرة، وأسرار عظيمة، وقد بين بعضها في كتابه العزيز حيث قال سبحانه في سورة الكهف: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} (الكهف 9) {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} (الكهف 10) {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} (الكهف 11) إلى قوله سبحانه: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا} (الكهف 16)

وقد بين الله سبحانه في سورة البقرة إحياء الموتى، في الدنيا قبل الآخرة في خمسة مواضع ليقيم الحجة على المنكرين للبعث والنشور، ويوضح لهم سبحانه أنه القادر على إحياء الموتى في الدنيا والآخرة.

الموضع الأول: قوله سبحانه: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة 55)

الموضع الثاني: قوله سبحانه: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} (البقرة72) {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (البقرة73) الموضع الثالث: قوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} (البقرة 243)

الموضع الرابع: قوله سبحانه: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} (البقرة 259)

الموضع الخامس: قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة 260)

وأما الرابعة والخامسة فهما: الاعتراض على إعطاء الأنثى في الميراث نصف ما للذكر، والاعتراض على تعدد النساء،

لا شك أن هذا من أبطل الباطل، وفيه تشبه باليهود والنصارى في تلاعبهم بشرائع أنبيائهم، وافترائهم على الله سبحانه ما لم يشرعه، ونسبتهم إلى أحكامه - سبحانه - ما ليس منها، ومقتضى ما ذكره هذا الرجل أن الله سبحانه لم يعلم ما تنتهي إليه الشعوب في آخر الزمان، وما ستصل إليه مجتمعاتهم من التطور، فلهذا دعا الحكام إلى أن يبادروا لتطوير الأحكام، ومن المعلوم - بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة وإجماع الأمة - أن الله سبحانه يعلم ما كان وما سيكون، ويعلم أحوال عباده في ماضيهم وفي حاضرهم وقت التنزيل، وفيما سيصلون إليه في المستقبل، كما قال عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (الطلاق 12)

كما أن من المعلوم - أيضا - بالنص والإجماع أن الله سبحانه حكيم عليم، وأنه الرحمن الرحيم لا يظلم ولا يجور، بل هو الحكيم العليم بأحوال عباده واللطيف بهم، وقد شرع لهم من الأحكام ما فيه صلاحهم ورحمتهم وإقامة العدل بينهم، في المواريث وغيرها، فهو سبحانه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وهو العالم بأحوال عباده وما يصلحهم في آخر الزمان، كما أنه العالم سبحانه بما يصلحهم في وقت التشريع، ومن زعم خلاف ذلك فقد اتهم الله في حكمته وعلمه.

ولو أراد سبحانه أن يقوم الحكام أو العلماء بتطوير الأحكام في وقت من الأوقات، لبين ذلك لعباده في كتابه أو على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام. فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن ما شرعه من الأحكام يجب الأخذ به والسير عليه، والحكم به في وقت التشريع وفيما يأتي من الزمان إلى قيام الساعة، كيف وقد بين الله في كتابه أن الواجب اتباع ما أنزل، والاستمساك به، والحكم بين الناس بذلك، والحذر من الخروج عنه، فقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (الأعراف 3)

والله المستعان، وهو سبحانه ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل .

1443/11/27 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر