الدرس 137 أجر الصابرين في الدنيا والآخرة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 2 ربيع الثاني 1443هـ | عدد الزيارات: 423 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعدُ:

إن الله خلق الخلق ليعبدوه وحدَه لا شريك له وأمرهم بذلك فقال تعالى " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " الذاريات 56 ، وقال تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " البقرة 21 ، وهذه العبادة التي خُلقوا لها وأُمروا بها هي أن يطيعوا أوامره وينتهوا عن نواهيه ويكثروا من ذكره ، وأساس هذه العبادة هو توحيده سبحانه بدعائه وخوفه ورجائه والإخلاص له في جميع العبادة من صلاة وصوم وغير ذلك .

وقد وعدهم الله الخير الكثير والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة ، وعدهم في الآخرة بالجنة والكرامة قال تعالى " فَٱصْبِرْ ۖ إِنَّ ٱلْعَٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ " هود 49 ، وقال سبحانه " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " البقرة 155 - 157 ، وقال تعالى " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ " الزمر 10 ، وقال عز وجل " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" النحل 97 ، وقال صلى الله عليه وسلم " ما أُعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر " (أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري) ، وقال صلى الله عليه وسلم " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراءَ صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " (ورد الحديث في صحيح مسلم عن صهيب بن سنان الرومي ، وقد جاء بهذا اللفظ" عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له.")، فالصابر له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة أو له الجنة والكرامة في الآخرة إذا صبر على تقوى الله سبحانه وطاعته وصبر على ما ابتُلي به من شظف العيش والفاقة والفقر والمرض ونحو ذلك ، قال الله سبحانه " لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " البقرة 177 ، وقال تعالى في حق المؤمنين مع عدوهم " وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ " آل عمران 120 .

* لا يجوز الاستعانة بالسحرة في شيء من الأمور بل الواجب قتلهم والقضاء عليهم من جهة الدولة إذا ثبت عليهم تعاطي السحر من طريق المحاكم الشرعية ونوصيكِ بتقوى الله سبحانه وسؤاله الشفاء والعافية من كل سوء والتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات صباحاً ومساءً وأن تقولي صباحاً ومساءً بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات ، وأن تقرئي آية الكرسي عند النوم ، وبعد كل صلاة فريضة بعد الأذكار الشرعية ، وأن تقرئي (قل هو الله أحد و قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس ) ثلاث مرات بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب وعند النوم ، وبذلك تسلمين إن شاء الله من كل سوء ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بذلك.

* لَعْنُ المسلم بغير حق من كبائر الذنوب ومن المعاصي الظاهرة ، وإذا كان اللعن للوالدين صار الإثمُ أكبرَ وأعظمَ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لعن المؤمن كقتله " متفق على صحته (ورد الحديث باللفظ السابق في الأددب المفرد وصححه لغيره الألباني ، وجاء في صحيح البخاري عن ثابت بن الضحاك بهذا اللفظ: "ومَن لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهو كَقَتْلِهِ") ، وقال عليه الصلاة والسلام " إنَّ اللَّعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة " رواه مسلم في صحيحه ، وقال عليه الصلاة والسلام " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " متفق عليه ، وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقول الزور ، أو قال : وشهادة الزور " متفق على صحته ،(ورد الحديث في صحيح البخاري عن أبي بكر نفيع بن الحرث بهذا اللفظ:" أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ؟ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ. [وفي رواية]: وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فقالَ: ألَا وقَوْلُ الزُّورِ، فَما زالَ يُكَرِّرُها حتَّى قُلْنا: لَيْتَهُ سَكَتَ. ")، ولا شك أن لعن الوالدين من أقبح العقوق ، فالواجب على المسلمين عموماً وعلى الأولاد خصوصاً مع والديهم الحذرُ من هذه الجريمة وتطهير ألسنتهم منها حذراً من غضب الله وعقابه ، وحرصاً على بقاء المودة والأخوة بين المسلم وإخوانه وبين الولد ووالديه .

* الحشرات إذا حصل منها الأذى تُقتل لكن بغير النار من أنواع المبيدات ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " خمس من الدواب كلهن فواسق يُقتلن في الحل والحرم : الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور "(الحديث صححه شعيب الأرنؤوط بهذا اللفظ:"خَمسٌ مِن الدَّوابِّ كُلُّهنَّ فاسِقٌ، يُقتَلْنَ في الحَرَمِ: الغُرابُ، والحيَّةُ، والعَقرَبُ، والكَلبُ العَقورُ، والحِدَأةُ،" وفي كِتابِ يَعقوبَ في مَوضِعٍ آخَرَ مكانَ الحَيَّةِ: " الفَأْرةُ ") وجاء في الحديث الآخر الصحيح ذكر الحية .

وهذا الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على شرعية قتل هذه الأشياء المذكورة وما في معناها من المؤذيات كالنمل والصراصير والبعوض والذباب والسباع دفعاً لأذاها ، أما إذا كان النمل لا يؤذي فإنه لا يُقتل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد ، وذلك إذا لم يؤذِ شيء منها ، أما إذا حصل منه أذى فإنه يلحق بالخمس المذكورة في الحديث .

* ليس من الصبر على البلاء عدم إنكار المنكر فالواجب عند وجود البلاء بالمنكرات هو إنكارها باليد أو باللسان أو بالقلب حسب الطاقة ، لقول الله سبحانه " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ التوبة 71 ، فعلى المسلمين عند الابتلاء بالمنكرات سواء كان ذلك في البيت أو في الطريق أو في غيرها الإنكار ولا يجوز التساهل في ذلك ، أما الأحاديث الواردة في الصبر على البلاء فهي كثيرة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم " أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل "(رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وجاء بهذا اللفظ"أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل") ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " رواه الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب بن سنان رضي الله عنه ، وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم " وَوَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* ٱالَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " البقرة 155 - 157
وبعض الناس يظن أن هذا الذي يصاب بالأمراض ونحوها مغضوب عليه وليس الأمر كذلك فإنه قد يُبتلى بالمرض والمصائب مَنْ هو مِن أعز الناس عند الله وأحبهم إليه كالأنبياء والرسل وغيرهم من الصالحين كما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم " أشد الناس بلاءً الأنبياء " الحديث ، وكما حصل لنبينا صلى الله عليه وسلم في مكة وفي يوم أحد وغزوة الأحزاب وعند موته صلى الله عليه وسلم وكما حصل لنبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام ، ولنبي الله يونس عليه الصلاة والسلام ، وذلك ليرفع شأنهم ويعظم أجورهم وليكونوا أسوة صالحة للمبتلين بعدهم .

وقد يُبتلى الإنسان بالسراء كالمال العظيم والنساء والأولاد وغير ذلك فلا ينبغي أن يظن أنه بذلك يكون محبوباً عند الله إذا لم يكن مستقيماً على طاعته ، فقد يكون مَنْ حصل له ذلك محبوباً ، وقد يكون مبغوضاً ، والأحوال تختلف والمحبة عند الله ليست بالجاه والأولاد والمال والمناصب وإنما تكون المحبة عند الله بالعمل الصالح والتقوى لله والإنابة إليه والقيام بحقه وكل مَنْ كان أكمل تقوى كان أحب إلى الله .
وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب "(الحديث ضعفه الألباني في : ضعيف الترغيب، وضعيف الجامع) ، وإنما يعطي الإيمان والدين مَن أحب فمَن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، ومَن ابتلى بالكفر والمعاصي فهذا دليل على أنه مبغوض عند الله على حسب حاله ، وأيضاً قد يكون الابتلاء استدراجاً فقد يُبتلى بالنعم يُستدرج بها حتى يقع في الشر وفيما هو أسوأ من حاله الأولى قال تعالى " سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ " الأعراف 182 ، 183 ،ويقول جل وعلا "أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ *نسارعُ لهُم في الخيراتِ بل لَّا يشعرون " المؤمنون 55 ، 56 .

والله ولي التوفيق

2 - 4 - 1443هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر