الدرس 61 الدعوة إلى الله

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 30 جمادى الأولى 1442هـ | عدد الزيارات: 536 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

فقد دلَّت الأدلةُ من الكتاب والسنة على وجوب الدعوةِ إلى الله عز وجل وأنها من الفرائض، والأدلةُ في ذلك كثيرة منها قولُه سبحانه " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " آل عمران 104 ، ومنها قوله جل وعلا " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " النحل 125 ، ومنها قوله عز وجل " وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين " القصص 87 ، ومنها قوله سبحانه " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " يوسف 108 .
فيبين سبحانه أن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى الله ، وهم أهل البصائر والواجب كما هو معلوم هو اتِّباعُه والسيرُ على منهاجه عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليومَ الآخر وذكر الله كثيرا " الأحزاب 21 .
وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة ، فإن كل قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة وإلى النشاط فيها ، فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجبُ ، وصارت الدعوة في حق الباقين سنةً مؤكدةً وعملاً صالحاً جليلاً .

وإذا لم يقم أهل الإقليم أو أهل القطر المعين بالدعوة على التمام صار الإثم عاماً وصار الواجب على الجميع وعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث الدعاة وأرسل الكتب إلى الناس وإلى الملوك والرؤساء ودعاهم إلى الله عز وجل .
في وقتنا الحاضر يسر الله عز وجل أمر الدعوة أكثر ، بطرق لم تحصل لمن قبلنا فأمور الدعوة اليوم متيسرة أكثر وذلك بواسطة طرق كثيرة ، وإقامة الحُجة على الناس اليوم ممكنةٌ بطرق متنوعة مثلاً عن طريق الإذاعة والتلفزة والصحافة ، وهناك طرق شتى ، فالواجب على أهل العلم والإيمان أن يقوموا بهذا الواجب وأن يتكاتفوا فيه وأن يبلغوا رسالات الله إلى عباد الله ولا يخشون في الله لومة لائم ، ولا يحابون في ذلك كبيراً ولا صغيراً ولا غنياً ولا فقيراً بل يبلغون أمر الله إلى عباد الله كما أنزل الله وكما شرع الله ، وقد يكون ذلك فرضَ عينٍ إذا كنت في مكان ليس فيه من يؤدي ذلك سواك ، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه يكون فرضَ عين ويكون فرضَ كفاية ، فإذا كنت في مكان ليس فيه من يقوى على هذا الأمر ويبلغ أمرَ الله سواك فالواجب عليك أنت أن تقوم بذلك ، فأما إذا وُجد من يقوم بالدعوة والتبليغ والأمر والنهي غيرُك فإنه يكون حينئذ في حقك سنةً وإذا بادرت إليه وحرصت عليه كنت بذلك منافساً في الخيرات وسابقاً إلى الطاعات ومما احْتُج به على أنها فرض كفاية قوله جل وعلا " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير " آل عمران 104 .

ومعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام دعا إلى الله وقام بأمر الله في مكة حسب طاقته وقام الصحابة كذلك رضي الله عنهم وأرضاهم بذلك حسب طاقتهم ثم لما هاجروا قاموا بالدعوة أكثر وأبلغ ، ولما انتشروا في البلاد بعد وفاته عليه الصلاة والسلام قاموا بذلك أيضاً رضي الله عنهم وأرضاهم ، كل على قدر طاقته وعلى قدر علمه ، فعند قلة الدعاة وكثرة المنكرات وغلبة الجهل ، كحالنا اليوم ، تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته وإذا كان في محل محدود كقرية ومدينة ونحو ذلك ووجد فيها من تولى هذا الأمر وقام به وبلغ أمرَ الله كفى وصار التبليغ في حق غيره سنة لأنه قد أقيمت الحجة على يد غيره ونفذ أمر الله على من سواه ، ولكن بالنسبة إلى بقية أرض الله وإلى بقية الناس يجب على العلماء حسب طاقاتهم وعلى ولاة الأمر حسب طاقتهم أن يبلغوا أمر الله بكل ما يستطيعون ، وهذا فرض عين عليهم على حسب الطاقة والقدرة ، وباللغات الحيَّة التي ينطق بها الناس يجب أن يبلغوا أمر الله بتلك اللغات حتى يصل دين الله إلى كل أحد باللغة التي يعرفها ، باللغة العربية وبغيرها فإن الأمر الآن ممكنٌ وميسور بالطرق التي تَقدَّم بيانُها ، كما أنه يجب على الخطباء في الاحتفالات وفي الجمع وغير ذلك أن يبلغوا ما استطاعوا من أمر الله عز وجل ، وأن ينشروا دين الله حسب طاقاتهم ، وحسب علمهم ، ونظراً إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد وإنكار رب العباد وإنكار الرسالات وإنكار الآخرة ، وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان ، وغيرِ ذلك من الدعوات المضللة ، نظراً إلى هذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضاً عاماً وواجباً على جميع العلماء وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام ، وأن لا يتقاعسوا عن ذلك أو يتكلوا على زيد أو عمرٍو فإن الحاجة بل الضرورة ماسة اليوم إلى التعاون والاشتراك والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل ذلك لأن أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة ، للصد عن سبيل الله والتشكيك في دينه ، ودعوة الناس إلى ما يخرجهم من دين الله عز وجل ، فوجب على أهل الإسلام أن يقابلوا هذا النشاطَ الملحدَ بنشاط إسلامي وبدعوة إسلامية على شتى المستويات ، وبجميع الوسائل والطرق الممكنة ، وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة إلى سبيله .
* مما لا شك فيه أن أخطر ما تواجهه المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر هو ما يسمى بالغزو الثقافي بأسلحته المتنوعة من كتب وإذاعات وصحف ومجلات وغير ذلك من الأسلحة الأخرى ، ذلك أن الاستعمار في العصر الحديث قد غيَّر من أساليبه القديمة لما أدركه من فشلها وعدم فعاليتها ومحاربة الشعوب واستماتتها في الدفاع عن دينها وأوطانها ومقدراتها وتراثها حيث إن الأخذ بالقوة وعن طريق العنف والإرهاب مما تأباه الطباع وتنفر منه النفوس لا سيما في الأوقات الحاضرة بعد أن انتشر الوعيُ بين الناس واتصل الناس بعضُهم ببعض وأصبحت هناك هيئاتٌ كثيرة تدافع عن حقوق الشعوب وترفض الاستعمار عن طريق القوة وتطالب بحق تقرير المصير لكل شعب وأنَّ لأهل كل قطر حقهم الطبيعي في سيادتهم على أرضهم واستثمار مواردهم وتسيير دفة الحكم في أوطانهم حسب ميولهم ورغباتهم في الحياة وحسب ما تدين به تلك الشعوب من معتقدات ومذاهب وأساليب مختلفة للحكم مما اضطر معه إلى الخروج عن هذه الأقطار بعد قتال عنيف وصدامات مسلحة وحروب كثيرة دامية .
ولكن الاستعمار قبل أن يخرج من هذه الأقطار فكر في عدة وسائل واتخذ كثيراً من المخططات بعد دراسة واعية وتفكير طويل وتصور كامل لأبعاد هذه المخططات ومدى فعاليتها وتأثيرها والطرق التي ينبغي أن تتخذ للوصول إلى الغاية التي يريد وأهدافه تتلخص في إيجاد مناهج دراسية على صلة ضعيفة بالدين ، مبالغة في الدهاء والمكر والتلبيس ركز فيها على خدمة أهدافه ونشر ثقافته وترسيخ الإعجاب بما حققه في مجال الصناعات المختلفة والمكاسب المادية في نفوس أغلب الناس حتى إذا ما تشربت بها قلوبهم وأعجبوا بمظاهر بريقها ولمعانها وعظيم ما حققته وأنجزته من المكاسب الدنيوية والاختراعات العجيبة ، لا سيما في صفوف الطلاب والمتعلمين الذين لا يزالون في سن المراهقة والشباب .

اختارت جماعة منهم ممن انطلى عليهم سحرُ هذه الحضارة إكمالَ تعليمهم في الخارج في الجامعات الأوروبية والأمريكية وغيرها حيث يواجهون هناك بسلسلة من الشبهات والشهوات على أيدي المستشرقين والملحدين بشكل منظم وخطط مدروسة ، وأساليب ملتوية في غاية المكر والدهاء ، وحيث يواجهون الحياة الغربية بما فيها من تفسخ وتبذل وخلاعة وتفكك ومجون وإباحية ، وهذه الأسلحة وما يصاحبها من إغراء وتشجيع ، وعدم وازع من دين أو سلطة قلَّ من ينجو من شباكها ويسلم من شرورها وهؤلاء بعد إكمال دراستهم وعودتهم إلى بلادهم ممن يطمئن إليهم المستعمر بعد رحيله ويضع الأمانة الخسيسة في أيديهم لينفذوها بكل دقة ، بل بوسائل وأساليب أشد عنفاً وقسوة من تلك التي سلكها المستعمر ، كما وقع ذلك فعلاً في كثير من البلاد التي ابتليت بالاستعمار أو كانت على صلة وثيقة به.
أما الطريق إلى السلامة من هذا الخطر والبعد عن مساوئه وأضراره فيتلخص في إنشاء الجامعات والكليات والمعاهد المختلفة بكافة اختصاصاتها للحد من الابتعاث إلى الخارج ، وتدريس العلوم بكافة أنواعها مع العناية بالمواد الدينية والثقافية الإسلامية في جميع الجامعات والكليات والمعاهد حرصاً على سلامة عقيدة الطلبة ، وصيانة أخلاقهم وخوفاً على مستقبلهم ، وحتى يساهموا في بناء مجتمعهم على نور من تعاليم الشريعة الإسلامية وحسب حاجات ومتطلبات هذه الأمة المسلمة ، والواجب التضييق من نطاق الابتعاث إلى الخارج وحصره في علوم معينة لا تتوافر في الداخل .
إن الخروج بالعالم الإسلامي من الدوَّامة التي هو فيها من مختلف المذاهب والتيارات العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ، إنما يتحقق بالتزامهم بالإسلام ، وتحكيمهم شريعة الله في كل شيء ، وبذلك تلتئم الصفوف وتتوحد القلوب ، وهذا هو الدواء الناجع للعالم الإسلامي ، بل للعالم كله ، مما هو فيه من اضطراب واختلاف وقلق وفساد وإفساد كما قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " محمد 7 ، وقال عز وجل " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " الحج 40 ، 41 ، وقال سبحانه " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا " النور 55 ، وقال سبحانه " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " آل عمران 103 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
ولكن ما دام أن القادة إلا من شاء الله منهم يطلبون الهدى والتوجيه من غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويحكمون غير شريعته ، ويتحاكمون إلى ما وضعه أعداؤهم لهم ، فإنهم لن يجدوا طريقاً للخروج مما هم فيه من التخلف والتناحر فيما بينهم ، واحتقار أعدائهم لهم ، وعدم إعطائهم حقوقهم " وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون " آل عمران 117 .
إن الطريق الأمثل ليسلك الشباب الطريق الصحيح في التفقه في دينه والدعوة إليه هو أن يستقيم على المنهج القويم بالتفقه في الدين ودراسته ، وأن يُعنى بالقرآن الكريم والسنة المطهرة وأنصحُه بصحبة الأخيار والزملاء الطيبين من العلماء المعروفين بالاستقامة حتى يستفيد منهم ومن أخلاقهم .
كما أنصحه بالمبادرة بالزواج ، وأن يحرص على الزوجة الصالحة لقوله صلى الله عليه وسلم " يا معشرَ الشبابِ مَنِ اسْتطَاعَ منكم الباءَةَ فليتزوجْ فإنَّه أغضُّ للبصرِ وأحصنُ للفرجِ ومنْ لَمْ يستطعْ فعليه بالصوم فإنَّهُ له وُجَاءٌ " ، رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود .
الناس اليوم في أشد الحاجة للدعوة ، وعندهم قبول لها بسبب كثرة الدعاة إلى الباطل وبسبب انهيار المذهب الشيوعي وبسبب هذه الصحوة العظيمة بين المسلمين ، فالناس الآن في إقبال على الدخول في الإسلام والتفقه في الإسلام حسب ما بلغنا في سائر الأقطار .

ونصيحتي للعلماء والقائمين بالدعوة أن ينتهزوا هذه الفرصةَ وأن يبذلوا ما في وسعهم في الدعوة إلى الله وتعليم الناس ما خلقوا له من عبادة الله وطاعته مشافهة وكتابة وغير ذلك بما يستطيعه العالم من خطب الجمعة والخطب الأخرى في الاجتماعات المناسبة ، وعن طريق التأليف ، ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ، فالعالمُ أو الداعي إلى الله جل وعلا ينبغي له أن ينتهز الفرصة في تبليغ الدعوة بكل وسيلة شرعية ، وهي كثيرة ، والحمد لله ، فلا ينبغي التقاعس عن البلاغ والدعوة والتعليم ، والناس الآن متقبلون لما يقال لهم من خير وشر فينبغي لأهل العلم بالله ورسوله أن ينتهزوا الفرصة ويوجهوا الناس للخير والهدى على أساس متين من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وأن يحرص كل واحد من الدعاة على أن يكون قد عرف ما يدعو إليه عن طريق الكتاب والسنة ، وقد فَقِهَ في ذلك حتى لا يدعوَ على جهل ، بل يجب أن تكون دعوته على بصيرة ، قال تعالى " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة " يوسف 108 ، فمن أهم الشروط أن يكون العالم أو الداعي إلى الله على بصيرة فيما يدعو إليه ، وفيما يحذر منه ، والواجب الحذر من التساهل في ذلك لأن الإنسان قد يتساهل في هذا ويدعو إلى باطل أو ينهي عن حق ، فالواجب التثبت في الأمور وأن تكون الدعوة على علم وهدى وبصيرة في جميع الأحوال .
الأسلوب الأمثل للدعوة مثل ما بينه الله عز وجل واضح في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، يقول سبحانه وتعالى " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " النحل 125 ، ويقول تعالى " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " آل عمران 159 ، ويقول عز وجل في قصة موسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون " فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى " طه 44 ، فالداعي إلى الله يتحرى الأسلوب الحسن والحكمة في ذلك وهي العلم بما قاله الله وورد في الحديث النبوي الشريف ، ثم الموعظة الحسنة والكلمات الطيبة التي تحرك القلوب وتذكرها بالآخرة والموت ، وبالجنة والنار حتى تَقْبَلَ القلوبُ الدعوة وتُقْبِلَ عليها وتُصغِي إلى ما يقوله الداعي .

وكذلك إذا كان هناك شبهة يتقدم بها المدعو عالجها بالتي هي أحسن وأزالها لا بالشدة والعنف ولكن بالتي هي أحسن ، فيذكر الشبهة ويزيحها بالأدلة ، ولا يمل ولا يضعف ولا يغضب غضباً ينفر الداعي بل يتحرى الأسلوب المناسب والبيان المناسب والأدلة المناسبة ، ويتحمل ما قد يثير غضبه لعله يؤدي موعظته بطمأنينة ورفق لعل الله يسهل قبولها من المدعو .
لا شك أن بعض أهل العلم قد يتساهل في أمر التعاون مع وسائل الإعلام إما لمشاغل دنيوية تشغله ، وإما لضعف في العلم ، وإما أمراض تمنعه أو أشياء أخرى يراها وقد أخطأ فيها كأن يرى أنه ليس أهلاً لذلك أو يرى أن غيره قد قام بالواجب وكفاه إلى غير هذا من الأعذار.

ونصيحتي لطالب العلم أن لا يتقاعس عن الدعوة ويقول هذا لغيري ، بل يدعو إلى الله على حسب طاقته وعلى حسب علمه ولا يدخل نفسَه في ما لا يستطيع ، بل يدعو إلى الله حسب ما لديه من علم ، ويجتهد في أن يقول بالأدلة وألا يقولَ على الله بغير علم ولا يحقر نفسه ما دام عنده علم وفقه في الدين .
فالواجب عليه أن يشارك في الخير من جميع الطرق في وسائل الإعلام وفي غيرها ، فإن كل الناس إن تواكلوا ، بمعنى كل واحد يقول هذه لغيري ، تعطلت الدعوة وقلَّ الداعون إلى الله وبقي الجهلة على جهلهم وبقيت الشرور على حالها ، وهذا غلط عظيم ، بل يجب على أهل العلم أن يشاركوا في الدعوة إلى الله أينما كانوا في المجتمعات الأرضية والجوية ، وفي القطارات والسيارات ، وفي المراكب البحرية ، فكلما حصلت فرصة انتهزها طالب العلم في الدعوة والتوجيه ، فكلما شارك في الدعوة فهو على خير عظيم قال تعالى " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " فصلت 33 .

فالله سبحانه يقول : ليس هناك قول أحسن من هذا ، والاستفهام هنا للنفي ، أي لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى الله ، وهذه فائدة عظيمة ومنقبة كبيرة للدعاة إلى الله عز وجل ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله " ، رواه مسلم عن أبي مسعود عقبة بن عمرو ، وقال عليه الصلاة والسلام " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا " رواه مسلم عن أبي هريرة ، وقال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر " فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ "رواه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي ، فلا ينبغي للعالم أن يزهد في هذا الخير أو يتقاعس عنه احتجاجاً بأن فلاناً قد قام بهذا ، بل يجب على أهل العلم أن يشاركوا وأن يبذلوا وسعهم في الدعوة إلى الله أينما كانوا ، والعالم كله بحاجة إلى الدعوة مسلمه وكافره ، فالمسلم يزداد علماً والكافر لعل الله يهديه فيدخل في الإسلام .
الواجب على أصحاب الصحف أن يتقوا الله وأن يحذروا ما يضر الناس سواء كانت الصحف يومية أو أسبوعية أو شهرية ، وهكذا المؤلفون يجب أن يتقوا الله في مؤلفاتهم ، فلا يكتبوا ولا ينشروا بين الناس إلا ما ينفعهم ويدعوهم إلى الخير ويحذرهم عن الشر ، أما نشر صور النساء على الغلاف أو في داخل المجلات أو الصحف فهذا منكر عظيم وشر كبير يدعو إلى الفساد والباطل ، وهكذا نشر الدعوات العلمانية المضللة أو التي تدعوا إلى بعض المعاصي كالزنا أو السفور أو التبرج أو تدعو إلى الخمر أو تدعو إلى ما حرم الله ، فكل هذا منكر عظيم ، ويجب على أصحاب الصحف أن يحذروا ذلك ومتى كتبوا هذه الأشياء كان عليهم مثل آثام من تأثر بها ، فعلى صاحب الصحيفة الذي نشر هذا المقال السيئ سواء كان رئيس التحرير أو من أمره بذلك عليهم مثل آثام من ضل بهذه الأشياء وتأثر بها ، كما أن من نشر الخير ودعا إليه يكون له مثل أجور من تأثر بذلك .
ومن هذا المنطلق يجب على وسائل الإعلام التي يتولاها المسلمون أن ينزهوها عن ما حرم الله ، وأن يحذروا البث الذي يضر المجتمع حيث يجب أن تكون هذه الوسائل مركزة على ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم وأن يحذروا أن تكون عوامل هدم وأسباب إفساد لما يبث فيها ، وكل واحد من المسئولين الإعلاميين مسئول عن هذا الشيء على حسب قدرته ، ويجب على الدعاة أن يطرقوا هذا المجال فيما يكتبون وفيما ينشرون ويحذروا من ما حرم الله عز وجل ، وهذا واجبهم في خطبهم وفي اجتماعاتهم مع الناس ، فكل المجالس مجالس دعوة أينما كان فهو في دعوة سواء في بيته أو في زياراته لإخوانه ، أو في مجتمعه مع أي أحد ، فالواجب عليه أن يستغل هذه الوسائل - وسائل الإعلام - وينشر فيها الخير ولا يحتجب عنها .
الداعية الناجح هو الذي يعتني بالدليل ويصبر على الأذى ويبذل وسعه في الدعوة إلى الله مهما تنوعت الإغراءات ، ولا يضعف من أذى أصابه أو من أجل كلمات يسمعها ، بل يجب أن يصبر ويبذل وسعه في الدعوة من جميع الوسائل ولكن مع العناية بالدليل والأسلوب الحسن حتى تكون الدعوة على أساس متين يرضاه الله ورسوله والمؤمنون ، وليحذر من التساهل حتى لا يقول على الله بغير علم ، فيجب أن تكون لديه العناية الكاملة بالأدلة الشرعية وأن يتحمل في سبيل ذلك المشقة في كونه يدعو إلى الله عن طريق وسائل الإعلام أو عن طريق التعليم ، فهذا هو الداعية الناجح والمستحق للثناء الجميل ومنازل عالية عند الله إذا كان ذلك عن إخلاص لله.

وبالله التوفيق

29 - 5 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر