الدرس 57 مشروعية الحجاب

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 21 جمادى الأولى 1442هـ | عدد الزيارات: 566 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد ؛

من المعلوم أن الدعوةَ إلى سفور المرأة عن وجهها دعوةٌ باطلةٌ ، ومنكرةٌ شرعاً وعقلاً ، ومناهضةٌ للدين الإسلامي ومعادية له.
والمسلمُ مدعوٌ إلى كل ما من شأنه أن يزيد في حسناته ويقلل من سيئاته سراً وجهراً في كل أقواله وأفعاله وأن يبتعد عن وسائل الفتنة ومزاولة أسبابها وغاياتها ، والعلماء مدعوون إلى نشر الخير وتعليمه بكل مسمياته ، سواء في ذلك العبادات والمعاملات والآداب الشرعية فردية كانت أو جماعية
ودعاةُ السفور المروجون له يدْعون إلى ذلك إما عن جهلٍ وغفلةٍ وعدمٍ معرفةٍ لعواقبِه الوخيمةِ ، وإما عن خُبثِ نيةٍ وسوءِ طوية لا يعبئون بالأخلاق الفاضلة ولا يقيمون لها وزنا ، وقد يكون عن عداوة وبغضاء كما يفعل العملاء والأجراء من الخونة والأعداء فهم يعملون لهذه المفسدة العظيمة والجائحة الخطيرة ليلاً ونهاراً ، سراً وجهاراً ، جماعة وأفراداً ، إنهم يدعون إلى تحرير المرأة من الفضيلة والشرف والحياء والعفة إلى الدناءة والخسة والرذيلة وعدم الحياء ، والواجب الابتعاد عن مواقف الشر ومصائد الشيطان عملاً وقولاً باللسان والجنان.
وعلى المسلم الذي يوجه الناس أن يدعوَهم إلى طريق الهدى والرشاد ويقربهم من مواقف العصمة ويبعدهم عن الفتنة ومواقف التُّهم ليكون بذلك عالماً ربانياً ، فقد رُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لكميل بن زياد في وصيته له " يا كُمَيلُ بنَ زيادٍ، إنَّ هذه القلوبَ أَوْعيةٌ، وخيرَها أَوْعاها للعلمِ، احفَظْ عنِّي ما أقولُ لكَ، الناسُ ثلاثةٌ: عالمٌ رَبَّانيٌّ، ومتعلِّمٌ على سبيلِ نجاةٍ، وهمَجٌ رَعاعٌ أتباعُ كلِّ ناعقٍ، يميلونَ مع كلِّ ريحٍ، لم يستضيئوا بنورِ العلمِ، ولم يَلْجؤوا إلى ركنٍ وثيقٍ " .

قلتُ : هذا الأثر أخرجَه أبو نُعَيْمٍ رحمه الله في الحلْيَـةِ (1/79ـ80) ، ومنْ طريقِه الخطيبُ البغداديُّ رحمَه اللهُ في الفقيه والمتفقِّه (1/182ـ183 ط دار ابن الجوزيِّ) ، منْ رِوايَـةِ :
1- أبي حمزةَ الثُّماليِّ ، وهُو : ضَعيفٌ رافضِيٌّ !
2- عنْ عبدِ الرَّحمٰنِ بْنِ جُندبٍ الفَزارِيِّ ، وهُو : مجهُولٌ .
3- عنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيادٍ النَّخعيِّ ، و(كميل) هذا متَّهمٌ بوضْعِ الأحاديثِ على عليٍّ رضِيَ اللهُ عنهُ ، مغالاةً في حبِّه ! . قال عنه ابن حبان : كان من المفرطين في عليِّ، ممن يروى عنه المعضلات، منكر الحديث جدا، تتقى روايته، ولا يحتج به .
فهذا إسنادٌ ذاهبٌ تالِفٌ كما ترونَ ، والأثرُ أشبه أن يكونَ موضُوعًا ؛ فلا تصِحُّ نِسبَتُه إلى علي رَضِيَ اللهُ عنه ، وإن تساهلَ فيه بعضُ العُلماءِ اكتفاءً بالشُّهرةِ ، وأنها تغني عنْ إسنادِه ! انظُرْ : جامعَ بيانِ العِلْمِ لابْنِ عبدِ البَرِّ رحمه اللهُ (2/166ط ابن الجوزيِّ).

والدعوة إلى السفور ورفض الحجاب دعوة لا تعود على المسلمين بخير ، بل تعود عليهم بالشر والفجور، فالحكمة والخير للمسلمين جميعاً في الحجاب لا السفور ، وبما أن أصل الحجاب عبادة لأمر الإسلام ونهيه عن ضده في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو أيضاً وقاية لأنه يساعد على غض البصر الذي أمر الله سبحانه وتعالى بغضه ويساعد على قطع أطماع الفسقة الذين في قلوبهم مرض ، ويبعد المرأة عن مخالطة الرجال ومداخلتهم كما أنه يساعد على ستر العورات التي تثير في النفوس كوامن الشهوات .

والتبرج ليس تحرراً من الحجاب فقط بل هو والعياذ بالله تحرر من الالتزام بشرع الله وخروج على تعاليمه ودعوة للرذيلة ، والحكمة الأساسية في حجاب المرأة هي درءُ الفتنة ، فإن مباشرة أسباب الفتنة ودواعيها وكل وسيلة توقع فيها من المحرمات الشرعية ومعلوم أن تغطية المرأة لوجهها ومفاتنها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح .

فمن أدلة الحجاب وتحريم السفور من الكتاب قوله سبحانه وتعالى "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " النور 31 .
فجاء في هذه الآية الكريمة ما يدل على وجوب الحجاب وتحريم السفور في موضعين منها :

الأول : قوله تعالى " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " ، وهذا يدل على النهي عن جميع الإبداء لشيء من الزينة إلا ما استثني وهو ملابسها الظاهرة وما خرج دون قصد ويدل على ذلك التأكيد منه سبحانه وتعالى بتكريره النهي عن إبداء الزينة في نفس الآية .

والثاني : قوله تعالى " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " ، فهو صريح في إدناء الخمار من الرأس إلى الصدر ، لأن الوجه من الرأس الذي يجب تخميره عقلاً وشرعاً وعرفاً ولا يوجد أي دليل يدل على إخراج الوجه من مسمى الرأس في لغة العرب ، كما لم يأت نص على إخراجه أو استثنائه بمنطوق القرآن والسنة ولا بمفهومهما واستثناء بعضهم له وزعمهم بأنه غير مقصود في عموم التخمير مردود بالمفهوم الشرعي واللغوي ومدفوع بأقوال بقية علماء السلف والخلف ، كما هو مردود بقاعدتين أوضحهما علماء الأصول ومصطلح الحديث :

إحداهما :أن حجة الإثبات مقدمة على حجة النفي .

والثانية : أنه إذا تعارض مبيح وحاظر قدم الحاظر على المبيح .
ولما كان الله سبحانه وتعالى يعلم ما في المرأة من وسائل الفتنة المتعددة للرجل أمرها بستر هذه الوسائل حتى لا تكون سبباً للفتنة فيطمع بها الذي في قلبه مرض ، والزينة المنهي عن إبدائها : اسم جامع لكل ما يحبه الرجل من المرأة ويدعوه للنظر إليها سواء في ذلك الزينة الأصلية أو المكتسبة التي هي كل شيء تحدثه في بدنها تجملاً وتزينا .
وأما الزينة الأصلية : فإنها هي الثابتة كالوجه والشعر وما كان من مواضع الزينة كاليدين والرجلين والنحر وما إلى ذلك ، وإذا كان الوجه أصل الزينة وهو بلا نزاع القاعدة الأساسية للفتنة بالمرأة ، بل هو المَورد والمصدر لشهوة الرجال فإن تحريم إبدائه آكد من تحريم كل زينة تحدثها المرأة في بدنها ، قال القرطبي في تفسيره :" الزينة على قسمين خِلْقية ومكتسبة :
فالخلقية : وجهها فإنه أصل الزينة وجمال الخِلْقة ومعنى الحيوانية لما فيه من المنافع وطرق العلوم
وأما الزينة المكتسبة : فهي ما تحاول المرأةُ في تحسين خلقتها به كالثياب والحلي والكحل والخضاب ".

وقال البيضاوي في تفسيره " ولا يبدين زينتهن " ، " كالحلي والثياب والأصباغ فضلاً عن مواضعها لمن لا يحل أن تبدى له " ، فإذا كان الوجه هو أصل الزينة بلا نزاع في النقل والعقل فإن الله جلت قدرته حرم على المرأة إبداء شيء من زينتها وهذا عموم لا مخصص له من الكتاب والسنة ولا يجوز تخصيصه بقول فلان أو فلان فأي قول من أقوال الناس يخصص هذا العموم فهو مرفوض لأن عموم القرآن الكريم والسنة المطهرة لا يجوز تخصيصه بأقوال البشر ، ولا يجوز تخصيصه عن طريق الاحتمالات الظنية ، أو الاجتهادات الفردية ، فلا يخصص عموم القرآن إلا بالقرآن الكريم أو بما ثبت من السنة المطهرة أو بإجماع سلف الأمة ، ولذلك نقول : كيف يسوغ تحريم الفرع وهو الزينة المكتسبة وإباحة الأصل وهو الوجه الذي هو الزينة الأساسية.
والمراد بقوله جل وعلا " إلا ما ظهر منها " كما قال بذلك ابن مسعود رضي الله عنه ، وجمع من علماء السلف من المفسرين وغيرهم :" ما لا يمكن إخفاؤه " كالرداء والثوب وما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها ، وما يبدو من أسافل الثياب وما قد يظهر من غير قصد كما تقدمت الإشارة لذلك ، فالمرأة منهية من أن تبدي شيئاً من زينتها ومأمورة بأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة.
وحينما نهى سبحانه وتعالى المرأة عن إبداء شيء من زينتها إلا ما ظهر منها علمها سبحانه وتعالى كيف تحيط مواضع الزينة بلف الخمار الذي تضعه على رأسها فقال " وليضربن بخمرهن " يعني من الرأس وأعالي الوجه " على جيوبهن " يعني الصدور حتى تكون بذلك قد حفظت الرأس وما حوى والصدر من تحته وما بين ذلك من الرقبة وما حولها لتضمن المرأة بذلك ستر الزينة الأصلية والفرعية .

وفي قوله تعالى أيضاً في آخر هذه الآية " ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن " الدلالة على تحريمه سبحانه على المرأة ما يدعو إلى الفتنة حتى بالحركة والصوت ، وهذا غاية في توجيه المرأة المسلمة ، وحث من الله لها على حفظ كرامتها ودفع الشر عنها .
ويشهد أيضا لتحريم خروج الزينة الأصلية أو المكتسبة فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بزوجته صفية ، وفعل أمهات المؤمنين ، وفعل النساء المؤمنات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية وآية الأحزاب من الستر الكامل بالخمر والجلابيب ، وكانت النساء قبل ذلك يسفرن عن وجوههن وأيديهن حتى نزلت آيات الحجاب ، وبذلك يعلم أن ما ورد في بعض الأحاديث من سفور بعض النساء كان قبل نزول آيات الحجاب فلا يجوز أن يستدل به على إباحة ما حرم الله لأن الحجة في الناسخ لا في المنسوخ كما هو معلوم عند أهل العلم والإيمان .
ومن آيات الحجاب قوله تعالى في سورة الأحزاب " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا " الأحزاب 59 ، قال العلماء : الجلابيب جمع جلباب وهو كل ثوب تشتمل به المرأة فوق الدرع والخمار لستر مواضع الزينة من ثابت ومكتسب.

وقوله تعالى " ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ " يدل على تخصيص الوجه لأن الوجه عنوان المعرفة ، فهو نص على وجوب ستر الوجه ، وقوله تعالى " فَلَا يُؤْذَيْنَ " هذا نص على أن في معرفة محاسن المرأة إيذاء لها ولغيرها بالفتنة والشر ، فلذلك حرَّم الله تعالى عليها أن تخرج من بدنها ما تعرف به محاسنها أياً كانت ، ولو لم يكن من الأدلة الشرعية على منع كشف الوجه إلا هذا النص منه سبحانه وتعالى لكان كافياً في وجوب الحجاب وستر مفاتن المرأة ، ومن جملتها وجهها ، وهو أعظمها لأن الوجه هو الذي تعرف به وهو الذي يجلب الفتنة .

قالت أمُّ سلَمةَ : لمَّا نزلت هذه الآية : يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ خرجَ نساءُ الأنصارِ كأنَّ علَى رؤوسِهِنَّ الغِربانَ منَ السكينة وعليهنَّ أكسيةٌ سود يلبسْنَها "

قلت : الحديث صححه الألباني بهذا اللفظ "عن أمِّ سلَمةَ قالت: لمَّا نزلت: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ خرجَ نساءُ الأنصارِ كأنَّ علَى رؤوسِهِنَّ الغِربانَ منَ الأَكْسِيَةِ "رقم الحديث (3456) ، قال ابن عباس " أمر اللهُ تعالى نساءَ المؤمنين إذا خرجن من بيوتِهن في حاجةٍ أن يغطين وجوهَهن من فوق رؤوسِهن بالجلابيبِ ويبدين عينا واحدة " : ، وقال محمد بن سيرين : سألت عبيدة السليماني عن قول الله عز وجل : يدنين عليهن من جلابيبهن ، فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى ، وأقوال المفسرين في الموضوع كثيرة لا يتسع المقام لذكرها .

ومن آيات الحجاب أيضا قوله تعالى " وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن " الأحزاب 53 ، فهذه الآية نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم ، وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية الحكمة في ذلك وهي أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء وأبعد عن الفاحشة وأسبابها .

وهذه الآية عامة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من المؤمنات ، قال القرطبي رحمه الله : " ويدخل في هذه الآية جميع النساء بالمعنى ، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلَّها عورة بدنها وصوتها فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها أو داء يكون ببدنها إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب الحجاب " .

وقول القرطبي رحمه الله : إن صوت المرأة عورة ، يعني إذا كان ذلك مع الخضوع ، أما صوتها العادي فليس بعورة ، لقول الله سبحانه " يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً " الأحزاب 32 ، فنهاهنَّ سبحانه عن الخضوع في القول لئلا يطمع فيهن أصحاب القلوب المريضة بالشهوة ، وأذن لهنَّ سبحانه في القول المعروف ، وكان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكلمنه ويسألنه عليه الصلاة والسلام ولم ينكر ذلك عليهن ، وهكذا كان النساء في عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكلمن الصحابة ويستفتينهم فلم ينكروا ذلك عليهن ، وهذا أمر معروف ولا شبهة فيه

وأما الأدلة من السنة فمنها ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا أمر بخروج النساء إلى مصلى العيد قلن يارسول الله : إحدانا لا يكون لها جلباب فقال : ": لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِن جِلْبَابِهَا. " متفق عليه

قلت : ورد الحديث في مسلم بهذا اللفظ "عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قالَتْ: أَمَرَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ في الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إحْدَانَا لا يَكونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِن جِلْبَابِهَا. " ، وفي البخاري جاء " لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِن جِلْبَابِهَا" بدلا من "أختها " ، فدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة ألا تخرج المرأة إلا بجلباب ، وفي الأمر بلبس الجلباب دليل على أنه لا بد من التستر والحجاب وكذا ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات دافعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس " .

قلت : صحة الرواية للحديث بهذا اللفظ " كُنَّ نِسَاءُ المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَاةَ الفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ، لا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الغَلَسِ. " متفق عليه.

وقد أجمع علماء السلف على وجوب ستر المرأة المسلمة لوجهها وأنه عورة يجب عليها ستره إلا من ذي محرم ، قال ابن قدامة في المغني : والمرأة إحرامها في وجهها ، فإن احتاجت سدلت على وجهها ، وجملته أن المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها كما يحرم على الرجل تغطية رأسه ، وقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تَتَنَقَّبِ المُحْرِمَةُ، ولَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ " ، فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريباً منها فإنها تسدل الثوب فوق رأسها على وجهها ، لما رُوي عن عائشة رضي الله عنها قالت " كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا "، قلت : الحديث رواه أحمد في مسنده وأبو داود وضعفه شعيب الأرناؤوط في تخريج المسند والسنن ؛ وذلك لضعف يزيد بن أبي زياد وهو الهاشمي القرشي .

وإنما مُنعت المرأة المحرمة من البرقع والنقاب ونحوهما مما يُصنع لستر الوجه خاصة ولم تمنع من الحجاب مطلقاً ، قال أحمد : إنما لها أن تسدل على وجهها فوق وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل
وقال ابن رشد في " البداية " : وأجمعوا على أن إحرام المرأة في وجهها وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها وأن لها أن تسدل ثوبها على وجهها من فوق رأسها سدلاً خفيفاً تستتر به عن نظر الرجال إليها .

وانتقاب المرأة في الإحرام، لا يجوز ؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك في الحديث المتقدم وهو من أعظم الأدلة على أن المرأة كانت تستر وجهها في الأحوال العادية ومعنى " لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " قلت : صحة اللفظ "لا تَتَنَقَّبِ المُحْرِمَةُ، ولَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ" "أي لا تلبس ما فصل وقطع وخيط لأجل الوجه كالنقاب ولأجل اليدين كالقفازين ، لا أن المراد أنها لا تغطي وجهها وكفيها كما توهمه البعض فإنه يجب سترهما لكن بغير النقاب والقفازين ، هذا ما فسره به الفقهاء والعلماء ومنهم العلامة الصنعاني رحمه الله تعالى .

وبهذا يعلم وجوب تحجب المرأة وسترها لوجهها وأنه يحرم عليها إخراج شيء من بدنها وما عليها من أنواع الزينة مطلقاً إلا ما ظهر من ذلك كله في حالة الاضطرار أو عن غير قصد كما سلف بيان ذلك ، وهذا التحريم جاء لدرء الفتنة ، ومن قال بسواه فقد غلط وخالف الأدلة الشرعية ولا يجوز لأحد اتباع الهوى أو العادات المخالفة لشرع الله سبحانه وتعالى ، لأن الإسلام هو دين الحق والهدى والعدالة في كل شيء ، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عما يخالفها من مساوئ الأخلاق وسيئ الأعمال .

والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه جواد كريم .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

20 - 5 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر