الدرس 96الخيار في البيع

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 2 رجب 1441هـ | عدد الزيارات: 3979 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الخيار في البيع لغة : اسم مصدر من الاختيار وهو الاصطفاء والانتقاء

وشرعا : هو حق المتعاقدين أو أحدهما في اختيار فسخ العقد أو إمضائه

والخيار في البيع ينقسم إلى أنواع عدة وهي

النوع الأول : خيار المجلس

المراد بالمجلس مكان التبايع والمقصود أن المتبايعين إذا تبايعا فلكل واحد منهما أن يفسخ العقد ما لم يتفرقا عن المكان الذي تبايعا فيه

ويدل على ثبوت هذا النوع من الخيار قوله صلى الله عليه وسلم " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبيَّنا بُورك لهما في بيعهما ، وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما " رواه البخاري ومسلم

مدة الخيار

يثبت خيار المجلس ما لم يتفرق المتعاقدان ببدنيهما من المكان الذي تعاقدا فيه سواء كان المكث طويلا أو قصيرا فإذا انصرف أحد المتعاقدين عن صاحبه كذهابه لشراء غرض آخر أو إلى منزله أو نحو ذلك انقطع خيار المجلس

وإذا كان العقد قد تم بالهاتف فمدة الخيار حتى انتهاء المكالمة ، وإذا كان عن طريق الشبكة العالمية الإنترنت فمدة الخيار تستمر حتى إغلاق صفحة المحادثة التي بينهما إن كان البيع قد تم بمحادثة ، وإن كان قد تم بتعبئة نموذج شراء ثم إرساله إلى البائع ، فتعبئة نموذج الشراء ثم إرساله إلى البائع يعد إيجاباً ، وإرسال البائع إشعارا بما يفيد الموافقة يعد قبولا ، وبإرسال هذا الإشعار تنتهي مدة الخيار

نفي الخيار وإسقاطه

أ- نفي الخيار : هو أن يتبايع شخصان على أنه لا خيار بينهما ، وهذا جائز ويلزم البيع بمجرد العقد

ب- إسقاط الخيار : هو أن يتبايع شخصان ثم يتفقان بعد العقد وقبل التفرق على إسقاط الخيار ، وهذا قد يحتاجان إليه إذا طال مجلسهما ، وهذا جائز ويلزم البيع بعد إسقاط الخيار

ج- إذا اتفق الطرفان على إسقاط الخيار عن واحد منهما صح ذلك : ويبقى للآخر خياره ، وليس للطرف المُسْقط عنه الخيار فسخ البيع ، بل يلزم في حقه البيع بعد إسقاط الخيار عنه

التحايل لأجل إسقاط خيار المجلس

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا ، إلا أن تكون صفقة خيار ، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله " رواه أبو داود وحسنه الألباني.

النوع الثاني : خيار الشرط

هو أن يشترط المتعاقدان أو أحدهما أن له الخيار في فسخ البيع أو إمضائه ، مدة معلومة

مثاله : قول المشتري آخذ هذا البضاعة على أن أشاور فيها إلى غدٍ ، أو كما يعبر عنه بعض الناس على شور ، ويدل على ثبوته : حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما " رواه الترمذي وحسنه ابن حجر

شروطه

يشترط لصحة خيار الشرط ما يلي

1- تراضي الطرفين

2- أن يكون إلى مدة معلومة

3- أن يكون في صُلب العقد ، أو بعده لكن في مدة الخيارين

انتهاء خيار الشرط

ينتهي خيار الشرط ويصبح العقد لازما بأحد أمرين هما

1- انتهاء المدة المتفق عليها

2- اتفاقهما على قطع الخيار في أثناء المدة ، لأن ذلك حق لهما فكان لهما قطعه

النوع الثالث : خيار العيب

المراد به ما يُنْقِص قيمة المبيع عادة ، مثل : تصدّع جدار المنزل ، ونقصان زيت السيارة ، وسقط بعض صفحات الكتاب أو بياضها

كتمان العيب

يحرم على البائع كتمان العيب ، لقوله النبي صلى الله عليه وسلم "البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا -أوْ قالَ: حتَّى يَتَفَرَّقا- فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَتَما وكَذَبا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما. " رواه البخاري

وقوله صلى الله عليه وسلم " المسلم أخو المسلم ، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً فيه عيب إلا بيَّنه له " رواه ابن ماجه وصححه الألباني

ومن اشترى سلعة ثم اكتشف فيها عيبا لم يكن يعلمه قبل الشراء فإنه يخير بين رد السلعة وأخذ الثمن الذي دفعه كاملا ، وبين إمساكها وأخذ الأَرْش وهو قِسْط ما بين قيمة السلعة سليمة وقيمتها معيبة

النوع الرابع : خيار الغبن

يقال غبنه في البيع إذا خدعه وغلبه ونقصه

والمراد بالغبن في البيع أن يشتري شيئا بأكثر من ثمنه المعتاد ، أو يبيع شيئا بأقل من ثمنه المعتاد مع الجهل بالثمن المعتاد ، أما إن اشتراه أو باعه عالما فليس هذا بغبن

والغبن قد يحصل للبائع الجاهل بالأسعار كما قد يحصل للمشتري

حكم قصد الغبن ، وبم يثبت ؟

يحرم على البائع أو المشتري أن يقصد غبن أخيه ، لما في ذلك من الغش والخداع ، ولما فيه مخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخاري ومسلم ، ولقوله صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة " رواه مسلم ، ويثبت الغبن بكل ثمن خارج عن الثمن المعتاد للسلعة

الحالات التي يثبت فيها خيار الغبن

الحالة الأولى : تلقي الركبان

المراد به تلقي المشترين لأصحاب السلع المجلوبة من خارج البلد ، والشراء منهم قبل أن يدخلوا السوق مثل أن يتلقى المشترون أصحاب المواشي القادمين من البادية لبيع أغنامهم قبل دخولهم السوق فيشتروها منهم

وهو حرام ، ولو حصل أن تلقاهم شخص فاشترى منهم فالبيع صحيح ولكن للبائع إذا دخل السوق فرأى أنه قد غُبِن أن يختار بين فسخ البيع أو إمضائه

يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تَلَقَّوْا الجَلَبَ، فمَن تَلَقَّاهُ فاشْتَرَى منه، فإذا أتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ، فَهو بالخِيارِ." رواه مسلم

والحكمة من النهي عن تلقي الركبان ما فيه من تغرير البائع فإنه لا يعرف سعر السوق ، فقد تؤخذ سلعته بأقل من قيمتها الحقيقية وذلك إضرار به وغش له وخديعة ، كما أن في تلقي الركبان إضرارا بالناس ، فإن المتلقين إذا تفردوا بشراء هذه البضائع فلربما أغلوا ثمنها على أهل البلد ، أو أخَّروا بيعها حتى يرتفع سعرها لقلة العرض أو نحو ذلك

الحالة الثانية : بيع المُسْتَرسِل

والمراد بالمسترسل الشخص الذي لا يحسن البيع والشراء ولا يعرف قيم الأشياء ولا يحسن المُمَاكَسَة ، وهذا إذا اشترى ثم تبين أنه مغبون في البيع فإن الخيار له بين إمضاء البيع أو فسخه

ودليله حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يُخْدع في البيوع ، فقال " إذا بايعتَ فقل : لا خِلابة " رواه البخاري ومسلم ، ولا خلابة أي لا خديعة

الحالة الثالثة : بيع النَّجْش

وقد تقدم بيان المراد به وحكمه عند الكلام عن البيوع المنهي عنها

النوع الخامس : خيار التدليس

التدليس : أصله من الدَّلس والدُّولسة وهي الظلام

والمراد به فعل شيء تزيد به السلعة عن ثمنها الحقيقي

مثل : تغيير ملامح السيارة لإيهام المشتري أنها جديدة ، أو تنظيف الذهب القديم وبيعه على أنه ذهب جديد ، أو إخبار المشتري كذباً بمواصفات عالية في السلعة وليست في الحقيقة كذلك

حكم التدليس والخيار فيه

التدليس محرم ، لما فيه من الغش والخداع والكذب ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا ، فقال : ما هذا يا صاحب الطعام ؟ قال : أصابته السماء يا رسول الله ، قال : أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ، من غشَّ فليس منا " رواه مسلم

ومن اشترى سلعة ثم علم أنها غير مطابقة للمواصفات التي أُخبر بها أو أُوهم بها فله الخيار في إعادة السلعة وأخذ ما دفعه ، أو الإبقاء عليها وقبولها

وبالله التوفيق

1 - 7 - 1441هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 7 =

/500