الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
حق الحاكم الشرعي السمع والطاعة له بالمعروف في العسر واليسر والمنشط والمكره، ولو على أثرة على الرعية، وحقه النصح له وشد أزره وعونه على الخير
ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة) رواه البخاري
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك) رواه مسلم
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم (وأثرة عليك) من الاستئثار، أي: عليك الطاعة وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما هو عندهم
وعن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم
أما واجبات الحاكم فالعمل بشرع الله تعالى وإمضاء حكمه والنصح للرعية ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته)
ويحرم الخروج على الإمام الشرعي ولو كان فاسقا ما لم يكن كفر بواح، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) رواه مسلم، وفي رواية له (ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية) ومعنى (خلع يدا من طاعة) أي: خرج عنها بالخروج على الإمام وعدم الانقياد له في غير معصية
ومعنى (خلع يدا من طاعة) أي: خرج عنها بالخروج على الإمام وعدم الانقياد له في غير معصية
ومعنى (مات ميتة جاهلية) أي: مات على الضلالة كما يموت أهل الجاهلية عليها، كانوا لا يدخلون تحت طاعة أمير
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية) متفق عليه
والسياسة الشرعية هي القائمة على الكتاب والسنة، وذلك بالعدل من الراعي والسمع والطاعة من الرعية، كما في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) إلى قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) سورة النساء 58،59
والرد على من يقولون لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة؟
جاءت الشريعة الإسلامية بالسياسة الصحيحة بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول في السلم والحرب، وبالسياسة الصحيحة الناجحة التي يجب أن يعامل بها ولاة أمور المسلمين للأمة الإسلامية ويسوسوهم بها في دينهم ودنياهم
أما السياسة الماكرة المكر السيء، المبنية على الفسق والخداع والكذب ونقض العهود والمواثيق والغدر وعدم الوفاء بالوعود فلم تأت بها الشريعة الإسلامية، ومن تتبع نصوص الكتاب والسنة النبوية والسيرة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم وجدها مليئة بالسياسة الصادقة العادلة مع من يواليها ومن يعاديها
أما عن الإمارة في الحضر والسفر
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) رواه أبو داود بإسناد حسن
أما الحضر فإن الإمارة تكون لمن ولي أمر البلد بولاية شرعية وكل أمير بحسبه
وعن حكم تولية المرأة في الحج
لا يجوز تولية المرأة إمارة الحج، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يول امرأة إمارة بلد ولا إمارة حج
وجرى العمل في عهد الخلفاء الراشدين والقرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، على ما كان معروفا في عهده صلى الله عليه وسلم من عدم توليته المرأة الإمارة العظمى أو القضاء أو إمارة بلد أو إمارة حج، ولو كان توليتها شيئا مما ذكر جائز لما ترك ذلك غالباً طوال تلك القرون، فكان تتابع أهل هذه القرون على ترك ذلك إجماعا عمليا على المنع منه، ولأن توليتها إمارة الحج يستدعي اختلاطها بالحجاج لحل مشاكلهم وتدبير شؤونهم، وقضاء مصالحهم، وتمثيلهم أيام الحج في مقابلة رؤساء وفود الحج ونحوهم، وهذا مما لا ينبغي أن يغامر بها فيه، لأنه يعرضها للأخطار وانتهاك حرمتها، ولأن النساء ناقصات عقل ودين بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي أن يسند إليها مثل هذا العمل، لحاجته إلى سداد رأي وحسن تدبير وسياسة، وخاصة في الأسفار، ثم إن ذلك يستدعي سفرا واجتماعا بأجانب منها، وقد لا يتهيأ لها محرم يصحبها في سفرها، أو يكون معها في مجالس تجتمع فيها بأجانب منها، وكلاهما لا يجوز
وعلى ذلك ترى اللجنة أنه لا يجوز توليتها إمارة الحج شرعا، وأن الإمارة لا تتفق مع طبيعتها واستعدادها الذي خصها الله به
ولا يجوز للمسلم أن ينتخب للمجالس البلدية أو الدوائر الأخرى من عُلم أنه ملحد أو يسخر بالدين الإسلامي أو اعتنق القومية أو اعتبرها دينا، لأنه بانتخابه إياه رضيه ممثلاً له، وأعانه على تولي مركز يتمكن من الإفساد فيه، ويعين فيه من يشايعه في مبدئه وعقيدته، وقد يستغل ذلك المركز في إيذاء من يخالفه وحرمانه من حقوقه أو بعضها في تلك الدائرة أو غيرها بحكم مركزه، وتبادل المنافع بينه وبين زملائه في الدوائر الأخرى، ولما فيه من تشجيعه علي استمراره على المبدأ الباطل وتنفيذه ما يريد
ولا يجوز أن يتعرف المسلم بمن فسدت عقيدتهم لغير مصلحة شرعية، كالملحدين والنصيرية والدروز، والقاديانيين، ومن ساءت أخلاقهم، مخافة أن تسري عقائدهم إليه، أو تسوء أخلاقه بعشرتهم ومجالستهم، أو يكون موضع ريبة وتهمة على الأقل، وعملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة) رواه البخاري ومسلم
ولا يجوز له أيضا تأييدهم على الباطل، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) سورة المائدة: 2
ومن خالطهم أو أعانهم على انحرافهم فقد أساء وظلم بقدر موالاته إياهم وتأييده لهم، وعليه أن ينصحهم ويرشدهم إلى الحق إن كان أهلاً لذلك، فإن انتصحوا فالحمد لله وإلا اجتنبهم
ولا يجوز للمسلم أن يرشح نفسه رجاء أن ينتظم في سلك حكومة تحكم بغير ما أنزل الله، وتعمل بغير شريعة الإسلام
فلا يجوز لمسلم أن ينتخبه أو غيره ممن يعملون في هذه الحكومة، إلا إذا كان من رشح نفسه من المسلمين ومن ينتخبون يرجون بالدخول في ذلك أن يصلوا بذلك إلى تحويل الحكم إلى العمل بشريعة الإسلام، واتخذوا ذلك وسيلة إلى التغلب على نظام الحكم، على ألا يعمل من رشح نفسه بعد تمام الدخول إلا في مناصب لا تتنافى مع الشريعة الإسلامية
ويشرع للمسلمين المبتلين بالإقامة في دولة كافرة أن يتجمعوا ويترابطوا ويتعاونوا فيما بينهم سواء كان ذلك باسم أحزاب إسلامية أو جمعيات إسلامية، لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى
ترك الصلاة جحدا لوجوبها كفر بالإجماع، وتركها تهاوناً وكسلاً كفر على الراجح من قولي العلماء، ومن علم أن شخصاً تاركاً للصلاة وجب عليه أمره بالمعروف بفعل الصلاة حسب استطاعته، وإذا كان رئيسه لا يصلي فلا تجوز طاعته في معصية الله، ولكن يطاع في المعروف
مطالبة جهة العمل المسؤولة عن الأعمال الدعوية بإعداد تقارير شهرية عن الأعمال التي قاموا بها في الشهر لتقديمها لصاحب الوقف لا يقدح في الإخلاص لله، وليس من باب الرياء إذا قصد به الداعية معد التقرير إبراء ذمته وإطلاع أصحاب الوقف
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
1438/12/4 هـ