الدرس 303: أيام يستحب صيامها

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 9 رجب 1438هـ | عدد الزيارات: 1120 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

يشرع صوم يوم عرفة إذا صادف يوم جمعة ولو بدون صوم يوم قبله؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الحث على صومه وبيان فضله وعظيم ثوابه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية) رواه مسلم

وهذا الحديث مخصص لعموم حديث (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو بعده) رواه البخاري ومسلم

فيكون عموم النهي محمولاً على ما إذا أفرده المسلم بالصوم؛ لكونه يوم جمعة، أما من صامه لأمر آخر رغب فيه الشرع وحث عليه فليس بممنوع، بل مشروع ولو أفرده بالصوم، لكن إن صام يوماً قبله كان أولى لما فيه من الاحتياط بالعمل بالحديثين، ولزيادة الأجر

ولا حرج أن يصوم يوم عرفة عن القضاء ويجزئه عن القضاء، ولكن لا يحصل له مع ذلك فضل صوم عرفة؛ لعدم الدليل على ذلك

والأفضل أن يقضي الإنسان ما عليه من الصوم في غير يوم عرفة؛ ليتفرغ فيه للذكر والدعاء ونحوهما من النسك إذا كان حاجاً، ويصومه تطوعاً إذا كان غير حاج، فيجمع بذلك بين فضيلة التطوع بالصوم يوم عرفة، وفريضة القضاء في يوم آخر، وخروجاً من الخلاف في كراهة القضاء في تسعة الأيام الأولى من شهر ذي الحجة

من صام يوم عرفة بقصد التطوع وعليه أيام من رمضان فصيامه صحيح، والمشروع له أن لا يؤخر القضاء؛ لأن نفسه بيد الله ولا يدري متى يأتيه الأجل، ولو صام يوم عرفة عن بعض أيام رمضان لكان أولى من صيامه تطوعاً؛ لأن الفرض مقدم على النافلة، وهو أولى بالعناية

ولم يثبت فيما نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم صام عشر ذي الحجة، أي: تسعة الأيام التي قبل العيد، لكنه صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح فيها، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام) يعني: أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله. قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه البخاري

ويشرع للمسلم في يوم عاشوراء صيامه؛ لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر

ويجوز صيام يوم عاشوراء يوماً واحداً فقط، لكن الأفضل صيام يوم قبله أو يوم بعده، وهي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) رواه مسلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما (يعني مع العاشر)

ولا يصوم تطوعاً وعليه قضاء صيام يوم أو أيام من رمضان، بل يبدأ بقضاء صيام ما عليه من رمضان ثم يصوم تطوعاً

وإذا صام اليوم العاشر والحادي عشر من شهر محرم بنية قضاء ما عليه من الأيام التي أفطرها من شهر رمضان جاز ذلك، وكان قضاء عن يومين عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) وصوم النافلة لا يقضى ولو ترك اختياراً، إلا أن الأولى بالمسلم المداومة على ما كان يعمله من عمل صالح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل) رواه البخاري ومسلم. علماً أن ما تركه الإنسان من عمل صالح كان يعمله لمرض أو عجز أو سفر ونحو ذلك يكتب له أجره؛ لحديث (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا) رواه البخاري في صحيحه

الأفضل لمن أراد صيام ثلاثة أيام من الشهر أن يصوم أيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وإن صام ثلاثة غيرها فلا بأس، ونرجو أن يكون ذلك صيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة وأبا الدرداء بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولم يحدد أيام البيض، ولأنه صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما (صم من الشهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر) رواه البخاري ومسلم

يحرم صوم يومي العيدين ولا يجوز التسحر بنية الصيام ليلة عيد الفطر؛ لإكمال ثلاثين يوماً؛ لما في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه قال (هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم، واليوم الذي تأكلون فيه من نسككم) رواه البخاري ومسلم

والسنة أن يأكل تمرات قبل ذهابه إلى المصلى في عيد الفطر؛ لما روى الترمذي عن بريدة رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي) أخرجه أحمد

الاعتكاف

يجوز الاعتكاف في أي وقت، وأفضله ما كان في العشر الأواخر من رمضان؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف في شوال في بعض السنوات

ويشرع الاعتكاف في مسجد تقام فيه صلاة الجماعة، وإن كان المعتكف ممن يجب عليهم الجمعة ويتخلل مدة اعتكافه جمعة ففي مسجد تقام فيه الجمعة أفضل، ولا يلزم له الصوم، والسنة ألا يزور المعتكف مريضاً أثناء اعتكافه، ولا يجيب الدعوة، ولا يقضي حوائج أهله، ولا يشهد جنازة، ولا يذهب إلى عمله خارج المسجد؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه) أخرجه أبو داود

وروى البخاري ومسلم رحمهما الله عن عائشة رضي الله عنها قالت (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه) وينتهي مدة اعتكاف عشر رمضان بغروب شمس آخر يوم منه

الغرف التي داخل المسجد وأبوابها مشرعة على المسجد لها حكم المسجد، أما إن كانت خارج المسجد فليست من المسجد، وإن كانت أبوابها داخل المسجد

أهمية مكة للعالم الإسلامي

قد جعلها الله مثابة للناس وأمناً، وحرماً آمناً، يجتمع فيه الحجاج والعلماء لأداء مناسكهم في غاية الراحة والاطمئنان، يرجون ثواب الله سبحانه، ويخشون عقابه، ويتعارف فيها المسلمون ويتناصحون، ويتشاورون فيما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم، وتضاعف لهم فيها الصلاة والأعمال الصالحة

وقد أمر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد انتهائه من بناء البيت أن يؤذن للناس بالحج، فقال تعالى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) الحج: 27

قال ابن كثير في تفسيرها: أن نادِ في الناس داعياً لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال (يارب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم. فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل على الحجر ، وقيل على الصفا ، وقيل على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك. هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف، والله أعلم، وأوردها ابن جرير وابن أبي حاتم مطولة. انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى. والله أعلم بحقيقة الواقع أما الأذان فلا شك فيه؛ لأن القرآن الكريم نص عليه

وفرض الحج في سنة تسع وقيل سنة عشر

والحج ركن من أركان الإسلام، فمن جحده أو أبغضه بعد البيان فهو كافر، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ويجب على المستطيع أن يعجل بأداء فريضة الحج؛ لقوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران: 97

وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) متفق عليه، فالحج وغيره من صالح الأعمال من أسباب تكفير السيئات، إذا أداها العبد على وجهها الشرعي، لكن الكبائر لا بد لها من توبة؛ لما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) وذهب الإمام ابن المنذر رحمه الله وجماعة من أهل العلم إلى أن الحج المبرور يكفر جميع الذنوب؛ لظاهر الحديثين المذكورين

ويجوز الاتجار في مواسم الحج، أخرج الطبري في تفسيره بسنده، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) أخرجه مسلم. وهو: لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/7/8هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي