الدرس 116: الجهاد 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 22 ربيع الأول 1438هـ | عدد الزيارات: 1575 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

من عجز عن عمارة أرضه الخراجية أجبر على إجارتها أو رفع يده عنها لأن الأرض للمسلمين فلا يجوز تعطيلها عليهم

فمن اقتطع أرضاً من الأرض الخراجية يريد أن يزرعها فيجب عليه حينئذ إما أن يرفع يده عنها ليأخذها غيره لأن الدخل يعود إلى بيت مال المسلمين وإما أن يؤجرها لأنه إذا عجز عن عمارتها وبقيت أرضاً بيضاء وأردنا أن نطالبه بالخراج فمن أين نأخذ فيضيع حق المسلمين وإن طلب مهلة أعطيناه بشرط أن لا يفوت موسم الزرع

ويجري في الأرض الخراجية الميراث

فإذا مات الإنسان وقد أعطاه الإمام أرضاً خراجية فإن الأرض تنتقل بخراجها إلى الورثة إلا إذا أبدو عدم رغبتهم فيها فتعطى حينئذ أناس آخرين

قول المؤلف (وما أخذ من مال مُشْرك) أي من لا يدين بالإسلام، سواء كان يهودياً، أو نصرانياً، أو وثنياً، أو غير ذلك كجزية

لأن ما أخذ من مال الكفار بالقتال فهو غنيمة، والجزية هي ما يوضع على أفراد أهل الذمة من يهود ونصارى، وغيرهم

قوله (وخراج) والخراج هو المال المضروب على الأرض الخراجية التي غُنمت ثم وقفت على المسلمين

قوله (وعشر) العشر يؤخذ من كل كافر اتجر في بلاد الإسلام لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يأمر بذلك عماله. أخرجه عبد الرزاق والبيهقي

وكذا إذا كان حربياً أخذنا منه العشر، وإن كان ذمياً أخذنا منه نصف العشر، وهو حق للمسلمين إذ أنه إذا اتجر في بلاد المسلمين يكون هو المستفيد، ويجوز للحربي أن يطلب الأمان؛ ليدخل بضاعته إلى بلاد المسلمين ويبيعها ثم يغادر بلاد المسلمين، فنأخذ عليه عشر التجارة فإذا كان معه مئة ألف نأخذ عشرة آلاف، أما إذا دخل بغير أمان فإننا نأخذه هو وماله؛ لأنه حربي

أما الذمي فنأخذ منه نصف العشر؛ لأنه له شيء من الحق، والمسلم لا نأخذ منه شيئاً

قوله (وما تركوه فزعاً) أي: ما تركه الكفار خوفاً من المسلمين وهربوا وتركوا الأموال، فهذه الأموال أخذت بغير قتال فتكون فيئاً، لأن المقاتلين لم يتعبوا في تحصيلها فلا تقْسم بينهم، بل تكون فيئاً يصرف في مصالح المسلمين العامة، كرزق القضاة، والمؤذنين، والأئمة، والفقهاء، والمعلمين، وغير ذلك من مصالح المسلمين

قوله (وخُمس خُمس الغنيمة ففيء يصرف في مصالح المسلمين) أي واحد من خمسة وعشرين جزءاً يصرف في الفيء؛ وتقسم أربعة الأخماس الباقية على الغانمين

والخمس الذي يؤخذ أولاً وهو الفيء يصرف إلى خمس جهات لقوله تعالى (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) الأنفال: 41، وقد فصلت هذا في الدرس السابق
وأُشير إلى السهم الأول وهو سهم الله ورسوله يكون فيئاً في مصالح المسلمين ومن مصالحهم إصلاح الطرق وإقامة السدود على الأودية وغرس الأشجار في مواقف الناس التي يحتاجون إلى الوقوف فيها

فكل ما فيه مصلحة للمسلمين في دينهم أو دنياهم فإنه يؤخذ من بيت المال، أعان الله ولاة أمورنا على ما فيه خير العباد والبلاد

يقول صاحب الروض المربع: يصح الأمان من مسلم عاقل مختار غير سكران ولو قِنا أو أنثى، بلا ضرر في عشر سنين فأقل، منجزاً ومعلقاً، من إمام لجميع المشركين، ومن أمير لأهل بلدة جعل بإزائهم، ومن كلِ أحد لقافلة وحِصن صغيرين عرفا، ويحرم به قتل ورق، وأسر
قوله (يصح الأمان) الأمان: عبارة عن تأمين الكافر مدة محدودة، فيؤمن حتى يبيع بضاعته، أو يشاهد بلاد المسلمين ويرجع، أو يسمع كلام الله ثم يرجع فهو أمان لا عقد بشرط أن يكون المؤمن مسلماً، لأن المؤمِن إذا كان كافراً ربما يكون متفقاً مع المؤمَن أن يأتي ليأخذ أسرار المسلمين وأحوالهم

كما يشترط في المؤمِن أن يكون عاقلاً، وضده المجنون، وأن يكون مختاراً لا مكرهاً، فلو أجبر كافر مسلماً على أن يؤمِنه تحت تهديد السلاح فإن هذا الأمان لا يصح فيجوز للمسلم أن يؤمِن الكافر بشرط ألا يكون فيه ضرر على المسلمين في مدة لا تزيد على عشر سنين فهو أمانِ لا عقد، وأن يكون هذا الأمان منجزاً مثل أمنتك أو معلقاً مثل إذا دخل شهر محرم فأنت في أمان

ويصح الأمان من إمام لجميع المشركين؛ لأن ولايته عامة، فجاز أن يكون تأمينه عاماً
قوله (ومن أمير لأهل بلدة جُعل بإزائهم) مثل أن يكون هناك قرية مسلمة وعليها أمير مسلم، وبجانبها قرية كافرة فيؤمِنها هذا الأمير المسلم

قوله (ومن كل أحد لقافلة وحِصن صغيرين عرفاً) أي واحد من عامة المسلمين يؤمن القافلة الصغيرة والحِصن الصغير، فهذا جائز

ويحرم بالأمان قتل ورق وأسر

فإذا أعطينا الأمان لشخص حرم قتله ورقه وأسره؛ لأنه قد أعطي الأمان، والمسلمون هم أشد الناس وفاء بالعهود

ومن طلب الأمان؛ ليسمع كلام الله، ويعرف شرائع الإسلام لزم إجابته ثم يرد إلى مأمنه، ودليل ذلك قوله تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) لكن بشرط ألا نخاف أنه قال ذلك احتيالاً ومكراً، وإلا فلا، خشية من شره

قوله (والهدنة عقد الإمام أو نائبه على ترك القتال مدة معلومة ولو طالت بقدر الحاجة) فهو عقد يكون بين الإمام وبين الكفار كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديبية. أخرجه البخاري

فالهدنة لا يعقدها إلا الإمام أو نائبه، لأن الإمام هو الذي له الولاية على المسلمين في البلاد التي تحت سيطرته وتجب طاعته

قوله (على ترك القتال مدة معلومة) لا مجهولة، فلا بد أن تكون معلومة

ولو قال: نعقد الهدنة بيننا حتى يكون لنا قدرة على القتال، فلا تصح لأنها غير معلومة، هذا قول المؤلف يرحمه الله والصحيح أنه يجوز مطلقاً بدون تحديد للمصلحة فإذا رأو من أنفسهم القوة نبذوا العهد وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله، على أن يُعلموا عدوهم بأننا عقدنا معكم هذه الهدنة للحاجة والآن لا نحتاجها فإما أن تسلموا وإما أن نقاتلكم، وقول ابن تيمية قياساً على مذهب أحمد بن حنبل في أن المرجع في ذلك إلى المصلحة

والعهد الذي بيننا وبين الكفار له ثلاث حالات كلها في القرآن

الحالة الأولى: أن ينقضوا العهد هم بأنفسهم، كما في قصة قريش حين نقضوا العهد حيث ساعدوا حلفاءهم على حلفاء النبي صلّى الله عليه وسلّم، والدليل قوله تعالى (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ * أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ) التوبة: 12، 13

الحالة الثانية: أن يستقيموا لنا ولا نخاف منهم خيانة فيجب علينا أن نستقيم لهم كما قال تعالى (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) التوبة: 7

الحالة الثالثة: أن نخاف منهم نقض العهد، فهنا لا يلزمنا أن نبقى على العهد، ولا يجوز لنا أن نقاتلهم، بل ننبذ إليهم على سواء، لقوله تعالى (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ) الأنفال: 58، أي انبذ العهد على سواء؛ لتكون أنت وإياهم على سواء في أنه لا عهد بينكم، وهذا هو الإنصاف؛ لأن الدين الإسلامي أقوى الأديان وأعدلها، فما استقاموا لنا فإننا نستقيم لهم، وإن نقضوا عهدنا فلا عهد لهم، وإن خفنا منهم فلا عهد بيننا

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1438-03-22

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي