الدرس 292: حرمة الأموات

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 11 ربيع الأول 1438هـ | عدد الزيارات: 1371 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

كسر عظم الميت ككسره حياً عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كسر عظم الميت ككسره حياً) رواه أحمد

الأصل أنه لا يجوز نبش قبر الميت وإخراجه منه، لأن الميت إذا وضع في قبره فقد تبوأ منزلاً وسبق إليه فهو حبس عليه ليس لأحد التعرض له، ولا التصرف فيه، ولأن النبش قد يؤدي إلى كسر عظم الميت وامتهانه، وإنما يجوز نبش قبر الميت وإخراجه منه إذا دعت الضرورة إلى ذلك، أو مصلحة إسلامية راجحة يقررها أهل العلم

يشرع لمن دخل المقبرة خلع نعليه؛ لما روى بشير بن الخصاصية قال (بينا أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل يمشي في القبور وعليه نعلان، فقال: يا صاحب السبتيتين، ألق سبتيتيك فنظر الرجل، فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما) أخرجه أحمد وقال: إسناد حديث بشير بن الخصاصية جيد أذهب إليه إلا من علة، والعلة التي أشار إليها أحمد رحمه الله كالشوك والرمضاء ونحوهما، فلا بأس بالمشي فيهما بين القبور لتوقي الأذى

لا يجوز سب أموات المسلمين؛ لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) أخرجه البخاري

يشرع أن تذهب إلى الرجال من أهل الميت لتعزيتهم، ويذهب محارمك إلى أهله لذلك

فالتعزية سنة، ولا تكون بذبح بقر أو غنم أو نحوهما، وإنما تكون بكلمات طيبة تعين على الصبر والرضا بالقدر، وطمأنينة النفس إلى قضاء الله عز وجل رجاء المثوبة، وخشية العقوبة.

ويجوز للمرأة أن تخرج في التعزية المشروعة إذا لم يوجد بخروجها محاذير أخرى، كتعطر وتبرج ونحو ذلك؛ مما يسبب الفتنة لها أو بها.

إذا كان قصد المعزي للكفار أن يرغبهم في الإسلام فإنه يجوز ذلك، وهذا من مقاصد الشريعة، وهكذا إذا كان في ذلك دفع أذاهم عنه، أو عن المسلمين؛ لأن المصالح العامة الإسلامية تُغتفر فيها المضار الجزئية.

من السنة صنع الطعام لأهل الميت، فعن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر رضي الله عنه حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) رواه الخمسة إلا النسائي

تقبل العزاء من أهل الميت في المقبرة قبل الدفن أو بعده لا حرج فيه، أما نصب سرادقات، وجلب قراء يتناوبون على القراءة بأجر أو بغير أجر فلا أصل له من الشرع المطهر، بل هو من البدع المحدثة في الدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وصنعة الطعام من أهل الميت للناس من عمل الجاهلية فلا يجوز فعله

ويثبت مشروعية التعزية دون الجلوس والاجتماع لها، ويكره الجلوس للتعزية والاجتماع من أجلها يوماً أو أيام؛ لأن ذلك لم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه الراشدين؛ لأن في جلوس أهل الميت واجتماع المعزين بهم يوماً أو أياماً إثارة للحزن وتجديداً له، وتعطيلاً لمصالحهم

قراءة القرآن بنية أن يكون ثوابها للميت لا تشرع

لا يجوز قول: المرحوم للميت وإنما يقال: رحمه الله، لأن الجملة الأولى إخبار من القائل، وهو لا يعلم الحقيقة، بل الله سبحانه الذي يعلمها

لا ينبغي اتخاذ لوحة في المسجد للإعلان فيها عن الوفيات وأشباهها، ذلك لأن المساجد لم تبن لهذا

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا سائر السلف الصالح أنهم كانوا يجمعون نقوداً للصدقة عن الميت، ولا لتوزيعها على جماعة معلومة، أو على أهل الميت

لا يجوز الندب ولا النياحة ولا شق الثياب ولطم الخدود وما أشبه ذلك؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن النائحة والمستمعة، وصح عنه أيضاً أنه قال (إن الميت يعذب في قبره بما يناح عليه) وفي لفظ (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) أخرجه البخاري ومسلم

والمراد بالبكاء هنا النياحة، أما البكاء بدمع العين من دون نياحة فلا حرج فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم (العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) أخرجه البخاري ومسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه) أخرجه البخاري ومسلم

ولا تجوز النياحة ولا الندب، وهو: تعداد محاسن الميت، ومما يدل على التحريم حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة) أخرجه أبو داود ، والنوح هو رفع الصوت بتعديد شمائل الميت ومحاسن أفعاله، وعن أم عطية رضي الله عنها قالت (أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ننوح) متفق عليه

والحديثان دالان على تحريم النياحة وتحريم استماعها، إذ لا يكون اللعن إلا على محرم

وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق) أخرجه البخاري ومسلم

والحلق: حلق الشعر عند المصيبة، والسلق: رفع الصوت بالبكاء عند المصيبة، والخرق: خرق الثياب عند المصيبة، ومثل ذلك شقها

لا يجوز إجابة الدعوة للأكل من طعام البدعة إلا إذا كان حضورك لقصد المنكر، وأنت تقوى على ذلك على أن لا تأكل الطعام المقدم لهذا الغرض

تأبين الميت ورثاؤه على الطريقة الموجودة اليوم؛ من الاجتماع لذلك، والغلو في الثناء عليه، لا يجوز؛ لما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي)، ولما في ذكر أوصاف الميت من الفخر غالباً وتجديد للوعة وتهييج الحزن، وأما مجرد الثناء عليه عند ذكره، أو مرور جنازته، أو للتعريف به، بذكر أعماله الجليلة ونحو ذلك مما يشبه رثاء بعض الصحابة لقتلى أحد وغيرهم، فجائز؛ لما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال (مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال صلى الله عليه وسلم: "وجبت"، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال: "وجبت"، فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض) أخرجه البخاري ومسلم

الرؤيا الصادقة يراها الرجل الصالح، أو ترى له مناما، لا يقظة؛ فإنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة

قلت: النبوة ثلاثة وعشرين سنة، والسنة جزئين أي ستة وأربعين جزء، والجزء الأول وهو الستة أشهر الأولى وهي الرؤيا الصادقة للنبي صلى الله عليه وسلم، ورؤيا الأنبياء حق

أما الفراسة الصادقة فإنها نوع من الإلهام، كما كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، لكن الرؤيا المنامية والفراسة من غير الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لا تعتبر أصلاً في التشريع، ولا يجب التصديق بها، فإن المنامات والفراسات يكثر فيها التخليط، والتباس الصادق منها بالكاذب، فلا يعتمد عليها، إلا إذا كانت من الرسل أو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ ولذا لم يعول عليها عليه الصلاة والسلام حتى ما كان منها من عمر رضي الله عنه إنما عول على ما نزل عليه من الوحي

لا يجوز السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يسافر للصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم ولكن يشرع لمن زار مسجده عليه الصلاة والسلام أن يسلم عليه، عليه الصلاة والسلام، وعلى صاحبيه: أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما، كما يشرع له زيارة قبور البقيع والشهداء في أحد للسلام عليهم، والدعاء لهم، ويشرع للزائر أيضاً زيارة مسجد قباء والصلاة فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من تطهر في بيته ثم زار مسجد قباء وصلى فيه ركعتين كان كعمرة) أخرجه أحمد، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يزور مسجد قباء كل سبت ويصلي فيه، كما يسافر للصلاة في المسجد الحرام وللحج والعمرة وللمسجد الأقصى للصلاة فيه

ولا يجوز السفر لزيارة قبر من القبور، سواء كان قبر لنبي أم ولي؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) رواه البخاري ومسلم

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/3/11 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي