إنفاق المال في طرق الخير

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 27 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 2205 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصل اللهم وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا

يَاأَيها الذين ءامَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَا ته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون.آل عمران:102.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.النساء:1.

يَا أ يها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قَو لاً سَديداً يُصلح لَكُم أَ عما لكم وَ يَغفر لَكُم ذُ نُو بَكُم وَ مَن يُطع الله وَ رَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً.الأحزاب:70-71.

أما بعد

أيها الناس: اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين والدنيا فلقد أرسل الله إليكم رسولًا يتلو عليكم آيات ربكم ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة فبقي دينه متلوًّا في كتاب الله غير مبدل ولا مغير ومأثورًا فيما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفاض عليكم المال لتستعينوا به على طاعته وتتمتعوا به في حدود ما أباحه لكم فهو قيام دينكم ودنياكم فاعرفوا حقه وابذلوه على مستحقه

وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا.المزمل:20.

عباد الله: إن مالكم في الحقيقة ما قدمتموه لأنفسكم ذخرًا لكم عند ربكم ليس مالكم ما جمعتموه فاقتسمه الوارث بعدكم فإنكم سوف تخلفونه وتدعونه كما قال الله تعالى:" وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ " الأنعام:94.

فسوف تنتقلون عن الدنيا أغنياء عما خلفتم فقراء إلى ما قدمتم وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه قال فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر" وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها: أنهم ذبحوا شاةً فتصدقوا بها سوى كتفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم بقيت كلها غير كتفها " صححه الألباني .

أيها المسلمون: إن من إنفاق المال في طرق الخير أن يتصدق به المرء صدقةً منجزةً على الفقراء والأقارب فيملكونها ويتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه وذلك من أفضل الأعمال وأربح التجارة لما نزل قوله تعالى "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ"آل عمران:92.وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال " كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل وكان أحب ماله إليه بيرحاء وكانت مستقبل المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزلت لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة فقال يا رسول الله إن الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب مالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وفي بني عمه " رواه البخاري

ومن إنفاق المال في طرق الخير أن يصرفه في بناء المساجد والمشاركة فيها فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ"رواه ابن ماجه وصححه الألباني. فالمساجد يصلي فيها المسلمون ويأوي إليها المحتاجون ويذكر فيها اسم الله بتلاوة كتابه وسنة رسوله والفقه في دينه وفي كل ذلك أجر لبانيها والمشارك فيها

ومن إنفاق المال في طرق الخير تحبيسه وإنفاق غلته فيما يقرب إلى الله عز وجل وهو الوقف والسبيل ففي الصحيحين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب أرضًا بخيبر لم يصب مالًا أنفس عنده منه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستشيره فيها ويستأمره فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها وللبخاري تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره وللنسائي " احبس أصلها وسبل ثمرتها " صححه الألباني ، فتصدق به عمر في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل وذي القربى

فإذا سبل الإنسان ملكه صار وقفًا محبوسًا لا يباع ولا يوهب ولا يورث وإنما يصرف فيما جعله الواقف فيه ما لم يكن إثمًا والمقصود بالوقف أمران عظيمان أولهما التقرب إلى الله عز وجل وابتغاء الأجر والثواب منه ببذل غلة الوقف فيما يرضيه تعالى وثانيهما نفع الموقوف عليهم والإحسان إليهم وإذا كان المقصود به التقرب فإنه لا يجوز الوقف إذا كان فيه معصية لله ورسوله إذ لا يتقرب إلى الله إلا بطاعته

فلا يجوز الوقف على بعض الأولاد دون بعض لأن الله أمر بالعدل "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ"النحل:90. وقال النبي صلى الله عليه وسلم "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم"متفق عليه. والوقف على بعض الأولاد دون بعض مناف للعدل إلا أن يكون التخصيص بصفة استحقاق فتوجد في أحدهم دون الآخر مثل أن يوقف على الفقير من أولاده أو على طالب العلم منهم فلا بأس

فإذا أوقفه على الفقير منهم فلاحظ فيه للغني حال غناه وإذا أوقفه على طالب العلم فلاحظ فيه لغير طالب العلم حال تخليه عن طلبه

ولا يجوز أن يوقف شيئًا من ماله وعليه دين لا وفاء له من غير ما أوقفه حتى يوفي دينه لأن ذلك إضرار بغريمه ووفاء الدين أهم لأنه واجب والوقف تطوع، ولا يجوز أن يوصي بوقف شيء بعد موته على بعض ورثته دون بعض لأن الله قسم المال بين الورثة وقال "فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ"النساء:11. وفي الآية "وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ"النساء:12. وبين أن ذلك من حدوده وتوعد ما عداها وقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث"رواه البخاري. وإذا كان المقصود بالوقف هو التقرب إلى الله عز وجل ونفع الموقوف عليهم فالذي ينبغي أن ينظر الإنسان فيما هو أقرب إلى الله وأنفع لعباده ولينظر في النتائج المترتبة على وقفه وليتجنب ما يكون سببًا للعداوة والقطيعة وليعلم أن إنفاق المال في حال الحياة والصحة خير وأفضل وأعظم أجرًا لا سيما إذا كان في صالح مستمر كبناء المساجد وإصلاح الطرق وتأمين المياه وطبع الكتب النافعة أو شرائها وتوزيعها على من ينتفع بها وإعانة في زواج فقير يحصنه ويحصن زوجته وربما يولد بينهما صالح ينفع المسلمين فهو مصلحة وأجر لمن أعانه على زواجه ولو قدر أنه ولد بينهما فاسد لم يضر المعين شيئًا لأنه لم يعنه من أجل طلب مثل هذا الولد وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال"أن رجلًا قال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرًا قال أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان" وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصدقة في حالة الصحة أفضل لأنها صدقة من شخص يخاف الفقر ويأمل طول البقاء فهو شحيح المال بخلاف من جعل تنفيذ المال بعد يأسه من الحياة وانتقال المال للوارث وقد تصدق الله على عباده بثلث أموالهم يوصون بها بعد موتهم لأقاربهم غير الوارثين أو للفقراء أو لبناء المساجد أو غيرها من طرق الخير والبر وإذا أوصى بشيء من ماله فله الرجوع في وصيته وله إبطالها وله أن يغير تنفيذها وينقصها ويزيدها في حدود ثلث المال فالوصية أوسع من الوقف من هذه الناحية لأن الإنسان يستطيع إبطالها وتغييرها ومن ناحية جوازها ولو كان على الإنسان دين لأنها لا تضر أهل الطلب لأن الموصي إذا مات وعليه دين قدم قضاء الدين على الوصية أما الوقف فينفذ في الحال وليس للواقف إبطاله ولا تغييره ولا الزيادة في تنفيذه أو النقص

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة أرجوا النجاة بها يوم ألقاه وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم

عباد الله: أذكركم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً"أخرجه البخاري ومسلم. وإن لكم إخوة في الإسلام هم أشد الحاجة إلى مؤازرتكم ووقوفكم بجوارهم فمن لهم بعد الله غيركم

أيها الإخوة: تذكروا قول الله عز وجل "إنما الصدقات للفقراء والمساكين"التوبة:60. وقوله تعالى "يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم"البقرة:267. وقوله تعالى "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم"آل عمران:92. وقوله تعالى "الذين ينفقون في السراء والضراء"آل عمران:134. وقوله تعالى "والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم"المعارج:24-25. وقوله تعالى "وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار"البقرة:270. وقوله تعالى "وما تنفقوا من خير فلأنفسكم"البقرة:272. وقوله تعالى "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير"البقرة:110. وقوله تعالى "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"سبأ:39. وقوله تعالى "وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون"التغابن:16. وقوله تعالى "الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون"الأنفال:3. وقوله تعالى "قل لعبادي الذين ءامنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال"إبراهيم:31.

وفقني الله وإياكم من العمل ما يرضيه

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المجاهدين في سوريا وفي كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادنا أو أراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم فك أسر المأسورين واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

عباد الله: أذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1434-10-26هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي