الاستنابة في الحج

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 28 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 2219 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي شرع العبادات لتزكية النفوس وتكميل الإيمان ، ونوعها ما بين بدنية ومالية ، وجامعة بين الأموال والأبدان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى الإنس والجان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ، وسلم تسليما.

أما بعد

عباد الله: اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن الحج من أفضل العبادات وأعظمها ثوابا ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حج فلم يرفث ، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"متفق عليه. يعني نقيا من الذنوب

وأن الحج عبادة بدنية ، وإن كان فيها شيء من المال كالهدي ، فهي في ذاتها عبادة بدنية يطلب من العبد فعلها بنفسه ، وقد جاءت السنة بالاستنابة فيها في الفريضة حال اليأس من فعلها ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن امرأة قالت يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه قال نعم وذلك في حجة الوداع"رواه البخاري. "وأن امرأة أخرى قالت يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج ، فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها قال نعم حجي عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته قالت نعم قال اقضوا الله الذي له ، فالله أحق بالوفاء"رواه البخاري.

ومن كان قادرا على الحج بنفسه ، فإنه لا يصح أن يوكل من يحج عنه

وقد منع الإمام أحمد رحمه الله في إحدى الروايتين عنه من توكيل القادر من يحج عنه في التطوع ، فلا ينبغي للمسلم أن يتساهل في ذلك بل يحج بنفسه إن شاء ، أو يعين الحجاج بشيء من المال ليشاركهم في الأجر من غير أن ينقص من أجورهم شيء

عباد الله: إن الحج عبادة من العبادات يفعلها العبد تقربا إلى الله تعالى وابتغاء لثواب الآخرة ، فلا يجوز للعبد أن يصرفها إلى تكسب مادي يبتغي بها المال ، وإن من المؤسف أن البعض من الذين يحجون عن غيرهم إلا من عصم الله إنما يحجون من أجل كسب المال فقط ، وهذا حرام عليهم ، فإن العبادات لا يجوز للعبد أن يقصد بها الدنيا يقول الله تعالى "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يبخسون أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"هود:15-16.فلا يقبل الله تعالى من عبد عبادة لا يبتغي بها وجهه ، ولقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أماكن العبادة من التكسب للدنيا ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك"رواه الترمذي وصححه الألباني. فإذا كان هذا فيمن جعل موضع العبادة مكانا للتكسب يدعى عليه أن لا يربح الله تجارته ، فكيف بمن جعل العبادة نفسها غرضا للتكسب الدنيوي كأن الحج سلعة ، أو عمل أو حرفة لبناء بيت ، أو إقامة جدار تجد الذي تعرض عليه النيابة يكاسر ويماكس هذه دراهم قليلة ، هذه لا تكفي زد أنا أعطاني فلان كذا ، أو أعطي فلان حجة بكذا ، أو نحو هذا الكلام مما يقلب العبادة إلى حرفة وصناعة

ولهذا صرح فقهاء الحنابلة رحمهم الله بأن تأجير الرجل ليحج عن غيره غير صحيح ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ المال ، فليس له في الآخرة من خلاق لكن إذا أخذ النيابة لغرض ديني مثل أن يقصد نفع أخيه بالحج عنه ، أو يقصد زيادة الطاعة والدعاء والذكر في المشاعر ، فهذا لا بأس به وهي نية سليمة

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة أرجوا النجاة بها يوم ألقاه وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم

عباد الله: إن على الذين يأخذون النيابة في الحج أن يخلصوا النية لله تعالى وأن تكون نيتهم قضاء وطرهم بالتعبد حول بيت الله وذكره ودعائه مع قضاء حاجة إخوانهم بالحج عنهم وأن يبتعدوا عن النية الدنيئة بقصد التكسب بالمال فإن لم يكن في نفوسهم إلا التكسب بالمال فإنه لا يحل لهم أخذ النيابة حينئذ

ومتى أخذ النيابة بنية صالحة ، فالمال الذي يأخذه كله له ، إلا أن يشترط عليه رد ما بقي

وكذلك يجب عليه أن ينوي العمرة والحج لمن وكله ؛ لأن هذا هو المعروف بين الناس إلا أن يشترط لنفسه أن العمرة له ، فله ما شرط

ولا يحل لمن أخذ النائبة أن يوكل غيره فيها لا بقليل ، ولا بكثير إلا برضا من صاحبها الذي أعطاه إياها وثواب الأعمال المتعلقة بالنسك كلها لمن وكله ، أما مضاعفة الأجر بالصلاة والطواف الذي يتطوع به خارجا عن النسك وقراءة القرآن لمن حج لا للموكل ، ويجب على الوكيل في الحج والعمرة أن يجتهد في إتمام أعمال النسك القولية والفعلية ؛ لأنه أمين على ذلك فليتق الله تعالى فيها ما استطاع ، ويقول في التلبية: لبيك عن فلان ، فإن نسيه نواه بقلبه ، وقال: لبيك عمن أنابني في هذه العمرة ، أو في هذا الحج

عباد الله: اعلموا أنه لا يجوز أن يستنيب في الحج الواجب من يقدر على الحج بنفسه إجماعاً قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من عليه حجة الإسلام وهو قادر على أن يحج لا يجزئ عنه أن يحج غيره عنه

واعلموا أن من حج عن غيره وهو لم يكن حج عن نفسه رد ما أخذ وكانت الحجة عن نفسه لما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول "لبيك عن شبرمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شبرمة قال قريب لي قال هل حججت قط قال لا قال اجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة" رواه ابن ماجه وأبو داود وصححه ابن حجر العسقلاني.

واعلموا أن من كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه أقام من يحج عنه وأما من كان مريضاً مرضاً يرجى برؤه فأناب من يحج عنه ثم برأ فإنها لا تجزئه بل عليه أن يحج وأريد بذلك حجة الفرض ويجوز أن ينوب الرجل عن الرجل والمرأة والمرأة عن الرجل والمرأة في الحج في قوله عامة أهل العلم

ولا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه فرضاً كان أو تطوعاً ولا يجب الحج على المرأة التي لا محرم لها ولا يجوز أن تحج بدون محرم وإذا مات محرم المرأة في الطريق قال الإمام أحمد إذا تباعدت مضت وليس للرجل منع امرأته من حجة الإٍسلام ومن فرط ولم يحج حتى توفي أخرج من ماله حجة

واعلموا أن الحج يجب مع القدرة على الفور

جعلني الله وإياكم من المتفقهين في أمور ديننا

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادنا أو أراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

عباد الله: أذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1434-11-26هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 5 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي