التحذير من التهاون بالشهادة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 26 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 2190 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الملك العظيم العزيز الحكيم، له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء يعلم ما تخفون وما تعلنون "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"غافر:19-20. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الملك والحكم والتدبير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي بين لأمته ما فيه خيرها وسعادتها وحذرها من سوء العاقبة والمصير صلى الله عليه وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما

أما بعد

عباد الله: اتقوا الله تعالى، وأقيموا الشهادة لله أقيموها لله وحده، لا تقيموها لقريب من أجل قرابته، ولا لصديق من أجل صداقته، ولا لغني من أجل غناه، ولا لفقير من أجل فقره، ولا تقيموها على بعيد من أجل بعده، ولا على عدو من أجل عداوته، أقيموا الشهادة لله وحده، أقيموها كما أمركم بذلك ربكم وخالقكم ومدبر أموركم والحاكم بينكم والعالم بسركم وعلانيتكم أقيموها كما قال الله سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا".النساء:135.

عباد الله: إن الشهادة أمرها عظيم وخطرها جسيم في تحملها وأدائها فلا يحل كتمانها "وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ".البقرة:283. ولا يحل أن يشهد إلا أن يكون عالما بما يشهد به علما يقينا، وأنه مطابق للواقع تماما فلا يحل أن يشهد بما لا يعلم، ولا بما يعلم أن الأمر بخلافه بل لا يحل أن يشهد بما يغلب على ظنه حتى يعلمه يقينا كما يعلم الشمس فعلى مثلها فليشهد أو ليترك

أيها الناس: إن من الناس اليوم من يتهاون بالشهادة فيشهد بالظن المجرد، أو بما لا يعلم أو بما يعلم أن الواقع بخلافه يتجرأ على هذا الأمر المنكر العظيم مراعاة لقريب، أو توددا لصديق أو محاباة لغني، أو عطفا على فقير يقول إنه يريد الإصلاح بذلك زين له سوء عمله فرآه حسنا كما زين لغيره من أهل الشر والفساد سوء عمله فرآه حسنا فالمنافقون زين في قلوبهم النفاق "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ"البقرة:11. فقال الله فيهم "أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ"البقرة:12. وعباد الأصنام زين في قلوبهم عبادتها، وقالوا "مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"الزمر:3. وهي في الواقع لا تزيدهم من الله إلا بعدا

إن كل مفسد ربما يدعي أنه مصلح أو ربما يظن أنه مصلح بسبب شبهة عرضت له فالتبس عليه الإفساد بالإصلاح أو بسبب إرادة سيئة زينت له، فاتبع هواه ولكن الصلاح كل الصلاح باتباع شريعة الله وتنفيذ أحكامه والعمل بما يرضيه

إن من الناس من يشهد لشخص بما لا يعلم أنه يستحقه بل بما يعلم أنه لا يستحقه يدعي أنه عاطف عليه وراحم له بذلك والحق أن هذا الشاهد لم يرحم المشهود له ولم يرحم نفسه، بل أكسبها إثما بما شهد به وأكسب المشهود له إثما فأدخل عليه ما لا يستحقه وظلم المشهود عليه فاستخرج منه ما لا يجب عليه

إن من الناس من يشهد للموظف المهمل لوظيفته بمبررات لإهماله لا حقيقة لها فيشهد له بالمرض وهو غير مريض، أو يشهد له بشغل قاهر وهو غير مشغول وكل هذا من الشهادة بالباطل

إن شهادة الإنسان بما لا يعلمه علماً يقيناً مثل الشمس أو بما يعلم أن الواقع بخلافه سواء شهد للشخص أو عليه هي من شهادة الزور التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلها من أكبر الكبائر، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالوا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قالوا ليته سكت"رواه البخاري.

لقد عظم النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من شهادة الزور بقوله وفعله عظمه بفعله حيث كان يتحدث عن الشرك والعقوق متكئا، فلما ذكر شهادة الزور جلس ليبين فداحتها وعظمها

وعظمه بقوله حين جعل يكرر القول بها حتى تمنى الصحابة أن يسكت وعظمه أيضا حين صدر القول عنها بأداة التنبيه (ألا) وحين فصلها في حديث أنس عما قبلها من الكبائر، وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر

حماني الله وإياكم من قول الزور وشهادة الزور

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى

أما بعد

أيها المؤمنون بالله ورسوله أيها الراجون لرحمة الله أيها الخائفون من عذابه أيها المؤمنون بيوم الحساب تذكروا يوم تقفون بين يدي الله عز وجل لا مال ولا بنون تنظرون عن يمينكم فلا ترون إلا ما قدمتم وتنظرون إلى شمالكم فلا ترون إلا ما قدمتم وتنظرون أمامكم فلا ترون إلا النار تلقاء وجوهكم

إنكم ستسألون عما شهدتم به وعمن شهدتم عليه أو شهدتم له فاتقوا الله وتصوروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبلغ عن الله القائم بأمر الله الناصح لعباده تصوروه وهو يعرض على أمته بنفسه أن ينبئهم بأكبر الكبائر ليحذروها ويبتعدوا عنها وتصوروه كأنه أمامكم كان متكئا ثم يجلس عند ذكر شهادة الزور وتصوروه يكرر ويؤكد أن شهادة الزور من أكبر الكبائر لو تصورتم ذلك لعرفتم حقيقة شهادة الزور لقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرك والعقوق وهو متكئ لم يجلس، لأن الداعي إلى الشرك والعقوق ضعيف في النفوس لأنه مخالف للفطرة لكنه جلس حينما تحدث عن شهادة الزور لأن الداعي إليها قوي، وكثير فالقرابة والصداقة والغنى والفقر كلها قد تحمل ضعيف العقل والدين على أن يشهد بالزور، لكن المؤمن العاقل حينما يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من شهادة الزور هذا التحذير البليغ لا يمكنه أن يقدم على شهادة الزور، مهما كانت الأسباب والدواعي

عباد الله: إن شهادة الزور مفسدة للدين والدنيا وللفرد والمجتمع، إنها معصية لله ورسوله إنها كذب وبهتان وأكل للمال بالباطل فالمشهود له يأكل ما لا يستحق والشاهد يقدم له ما لا حق له فيه

إن شهادة الزور سبب لانتهاك الأعراض وإزهاق النفوس فإن الشاهد بالزور إذا شهد مرة هانت عليه الشهادة ثانية، وإذا شهد بالصغيرة هانت عليه الشهادة بالكبيرة لأن النفوس بمقتضى الفطرة تنفر من المعصية، وتهابها فإذا وقعت فيها هانت عليها وتدرجت من الأصغر إلى ما فوقه

إن شهادة الزور ضياع للحقوق وإسقاط للعدالة وزعزعة للثقة والأمانة، وإرباك للأحكام وتشويش على المسئولين والحكام، فهي فساد الدين والدنيا والآخرة .

فالحذر الحذر يا عباد الله من شهادة الزور، وإن زينها الشيطان في قلوبكم ولا تأخذكم في الله لومة لائم، ولا تصرفكم عن الحق ظنون كاذبة، أو إرادات آثمة فتشاقوا الله ورسوله وتتبعوا غير سبيل المؤمنين

جنبني الله وإياكم الباطل والجور

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المجاهدين في سوريا وفي كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادنا أو أراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم فك أسر المأسورين واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم " وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون " العنكبوت 45 .

ملحوظة : ألقيت هذه الخطبة لأول مرة في عام 1402هـ

1434-10-25هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية