الدرس السابع والسبعون : الصيام في السفر

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 21 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 1943 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

إن نوى حاضر صيام يوم ثم سافر في أثنائه فله أن يفطر إذا فارق القرية لأنه لم يكن الآن على سفر ولكنه ناو للسفر ولذلك لا يجوز أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد فكذلك لا يجوز أن يفطر حتى يخرج من البلد لحديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى إذا بلغ كراغ الغميم فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه. أخرجه مسلم 1114

ويجوز للحامل والمرضع أن تفطرا وإن لم تكونا مريضتين وذلك لأن الحامل يشق عليها الصوم من أجل الحمل لا سيما في الأشهر الأخيرة ولأن صيامها ربما يؤثر على نمو الحمل إّذا لم يكن في جسمها غذاء فربما يضمر الحمل ويضعف

وكذلك في المرضع إذا صامت يقل لبنها فيتضرر بذلك الطفل ولهذا كان من رحمة الله عز وجل أن رخص لهما في الفطر وإفطارهما قد يكون مراعاة لحالهما وقد يكون مراعاة لحال الحمل أو الطفل

فيجب عليهما القضاء لأن الله تعالى فرض الصيام على كل مسلم وقال تعالى في المريض والمسافر "فعدة من أيام أخر" مع أنهما مفطران بعذر فإذا لم يسقط القضاء عمن أفطر لعذر من مرض أو سفر فعدم سقوطه عمن أفطرت لمجرد الراحة من باب أولى

ومن أفطر لإنقاذ غريق أو حريق يقضي ولا يطعم لعدم الدليل على ذلك

ورأي اللجنة أيضاً الحامل والمرضع إذا خافت على نفسها أو جنينها تفطر وتقضي من غير إطعام

وإذا جن الإنسان جميع النهار في رمضان من قبل الفجر حتى غربت الشمس فلا يصح صومه لأنه ليس أهلاً للعبادة ومن شرط الوجوب والصحة والعقل وعلى هذا فصومه غير صحيح ولا يلزمه القضاء لأنه ليس أهلاً للوجوب

ثانيا المغمى عليه فإذا أغمي عليه بحادث أو مرض بعد أن تسحر جميع النهار فلا يصح صومه لأنه ليس بعاقل ولكن يلزمه القضاء لأنه مكلف وهذا قول جمهور العلماء وهو المذهب ولو فرض أن الرجل أغمي عليه قبل أذان الفجر وأفاق بعد طلوع الفجر يصح صومه

الثالث النائم فإذا تسحر ونام من قبل أذان الفجر ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس فصومه صحيح ولا قضاء عليه

ويجب تعيين النية من الليل لصوم يوم واجب وما يشترط فيه التتابع تكفي النية في أوله ما لم يقطعه عذر فيستأنف النية وعلى هذا فإذا نوى الإنسان أول يوم من رمضان أنه صائم هذا الشهر كله فإنه يجزئه عن الشهر كله ما لم يحصل عذر ينقطع به التتابع كما لو سافر في أثناء رمضان فإنه إذا عاد يجب عليه أن يجدد النية للصوم

مسألة: رجل عليه صيام شهرين متتابعين لا يلزمه أن ينوي لكل يوم نية جديدة ولو نام رجل في رمضان بعد العصر ولم يفق إلا من الغد بعد الفجر فيصح صومه لأن النية الأولى كافية والأصل بقاؤها ولم يوجد ما يزيل استمرارها

ويصح النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده بشرط أن لا يأتي مفطراً من بعد طلوع الفجر فإن أتى بمفطر لم يصح مثال ذلك رجل أصبح وفي أثناء النهار صام وهو لم يأكل ولم يشرب ولم يجامع ولم يفعل ما يفطر بعد الفجر فصومه صحيح مع أنه لم ينو من قبل الفجر ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم على أهله فقال هل عندكم من شيء ؟ قالوا: لا قال فإني إذا صائم . أخرجه مسلم عن عائشة إذا صيام الفرض لا بد من تبييت النية من الليل أما صوم النفل فلا يشترط ذلك فيجوز إنشاء النية في النفل في أثناء النهار لكنه لا يثاب إلا من وقت النية فقط فإذا نوى عند الزوال فأجره نصف يوم وهذا هو المذهب . انظر الإنصاف

لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " ولو أصبح مفطراً فقيل له إن اليوم هو اليوم الثالث عشر من الشهر وهو أول أيام البيض فقال إذا أنا صائم فلا يثاب ثواب أيام البيض لأنه لم يصم يوماً كاملاً

والمفسد للصوم يسمى عند العلماء المفطرات وأصولها ثلاثة ذكرها الله عز وجل في قوله تعالى: فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم اتموا الصيام إلى الليل" وقد اجمع العلماء على مدلول هذه الثلاثة

والأكل هو إدخال الشيء إلى المعدة عن طريق الفم وإدخال الشيء يشمل ما ينفع وما يضر وما لا يضر ولا ينفع فما ينفع كاللحم والخبز وما أشبه ذلك وما يضر كأكل الحشيشة والخمر وما أشبه ذلك وما لا نفع فيه ولا ضرر مثل يبتلع خزرة سبحة أو نحوها

ووجه العموم إطلاق الآية "كلوا واشربوا " وهذا يسمى أكلا فهو عام وإن كل ما ابتلعه الإنسان من نافع أوضار أو ما لا نفع فيه ولا ضرر فإنه مفطر لإطلاق الآية أو الشرب والشرب ما ينفع وما يضر وما لا نفع فيه ولا ضرر فكل ما يشرب من ماء أو مرق أو لبن أو دم أو دخان أو غير ذلك أو تناول السعوط والسعوط ما يصل إلى الجوف عن طريق الأنف فإنه مفطر لأن الأنف منفذ يصل إلى المعدة ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للقبط بن صبرة: بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" وهذا دليل على أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق لأن المبالغة تكون سبباً لوصول الماء إلى المعده وهذا مخل بالصوم

أو احتقن والإحتقان هو إدخال الأدوية عن طريق الدبر وهو معروف ولا يزال يعمل فإذا احتقن فإنه يفطر بذلك لأن العلة وصول الشيء إلى الجوف والحقنة تصل إلى الجوف أي تصل إلى شيء مجوف في الإنسان فتصل إلى الأمعاء فتكون مفطرة فإذا وصل إلى الجوف شيء عن طريق الفم أو الأنف أو أي منفذ كان فإنه يكون مفطراً وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وعليه أكثر أهل العلم

وقال بعض العلماء المعاصرين إن الحقنة إذا وصلت إلى الأمعاء فإن البدن يمتصها عن طريق الأمعاء الدقيقة وإذا امتصها انتفع منها فكان ما يصل إلى هذه الأمعاء الدقيقة كالذي يصل إلى المعدة من حيث التغذي به

وذهب شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الكحل لا يفطر ولو وصل طعم الكحل إلى الحلق وقال إن هذا لا يسمى أكلاً أوشرباً ولا بمعنى الأكل والشرب ولا يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صريح يدل على أن الكحل مفطر والأصل عدم التفطير وسلامة العبادة حتى يثبت لدينا ما يفسدها وما ذهب إليه رحمه الله هو الصحيح ولو وجد الإنسان طعمه في حلقه وبناء على ما اختاره شيخ الإسلام لو أنه قطر في عينه وهو صائم فوجد الطعم في حلقه فإنه لا يفطر بذلك . انظر حقيقة الصيام لابن تيمية ص37 ويقول أيضاً ما يقطر في أحليله لا يفطر ويعلل العلماء بأن المثانة لا تتصل بالبدن لأن الماء يصل إليها عن طريق الرشح

وإذا استدعى القئ فقاء فسد صومه لأنه متعمداً وطرق استدعاء القيء النظر والشم والعصر والجذب أو طلب خروج المني فأمنى سواء بيده أو التدلك على الأرض أو ما أشبه ذلك فإن صومه يفسد بذلك وهذا ما عليه الأئمة الأربعة رحمهم الله مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد أو باشر زوجته سواء باشرها باليد أو بالوجه بتقبيل أو بالفرج فإنه إذا أنزل أفطر أما إذا لم ينزل فلا فطر بذلك

أما إذا باشر فأمذى أو استمنى فأمذى فإنه لا يفسد صومه وأن صومه صحيح وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والحجة فيه عدم الحجة لأن هذا الصوم عبادة شرع فيها الإنسان على وجه شرعي فلا يمكن أن نفسد هذه العبادة إلا بدليل قال شيخ الإسلام كما في الإختيارات ص 108 ولا يفطر بمذي بسبب قبلة أو لمس أو تكرار نظر وهو قول أبي حنيفة والشافعي

والخلاصة

المباشرة إذا أمذى صومه صحيح وإذا أنزل فسد صومه

والنظر إذا كان واحدة فأنزل فلا شيء عليه وإذا كرر النظر فأمذى فلا شيء عليه وإذا كرر النظر فأنزل فسد صومه

ثالثاً: التفكير لا يفسد صومه سواء أمنى أو أمذى

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-5 -19

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر