الدرس22 الجزء الأول: وجوب الاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحذير مما يخالفهما

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 18 جمادى الأولى 1444هـ | عدد الزيارات: 240 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد:

فإن الله عز وجل بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (الصف 9) وقال {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (الفتح 28)

قال علماء التفسير رحمهم الله: الهدى: هو ما بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من العلوم النافعة، والأخبار الصادقة، ودين الحق: هو ما بعثه الله به من الأعمال الصالحة، والأحكام العادلة،

وقد بين الله سبحانه أن الإيمان بما بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، والعمل بذلك، هو الصراط المستقيم الذي من سار عليه، واستقام عليه، وصل إلى شاطئ السلامة، وفاز بالجنة والكرامة، ومن حاد عنه واتبع هواه، باء بالصفقة الخاسرة، وسوء المصير، وقد أمر الله عز وجل جميع العباد باتباع الصراط المستقيم، ونهاهم عن اتباع السبل التي تفضي بهم إلى صراط الجحيم، فقال عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام 153)

فبين عز وجل بهذا: أن امتثال هذه الأوامر والنواهي، هو الصراط المستقيم الذي أمر باتباعه، وبدأها سبحانه بالتحذير من الشرك وبيان تحريمه على الأمة، وذلك لأنه أعظم الذنوب وأشهر الجرائم، ولأن ضده وهو التوحيد هو أعظم الفرائض وأهم الواجبات، وذلك هو أساس الملة. وقاعدة الصراط المستقيم، وهو الذي بعث الله به جميع الرسل، وأنزل به جميع الكتب، وخلق من أجله الثقلين، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات 56) وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل36) وقد أمر الله عباده بذلك في مواضع كثيرة من كتابه، وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة21) .

وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قال معاذ: قلت: الله ورسوله أعلم، فقال صلى الله عليه وسلم: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» .(صحيح مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار » خرجه البخاري في صحيحه، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود حق إلا الله، فهي تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله، وتثبتها بحق لله وحده، كما قال الله سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} (الحج 62)

وقد أرشد سبحانه عباده في سورة الفاتحة، إلى أن يسألوه الهداية إلى هذا الصراط لشدة ضرورتهم إلى ذلك، وبين سبحانه أنه هو طريق المنعم عليهم، المذكورين في قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (النساء 69)

وقد دلت الأحاديث المرفوعة، والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان، على أن السبل التي نهى الله عن اتباعها، هي البدع والشبهات والشهوات المحرمة، والمذاهب والنحل المنحرفة عن الحق، وسائر الأديان الباطلة، ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد والنسائي بإسناد صحيح، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيما، وخط خطوطا عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ». صححه أحمد شاكر في تخريج المسند.

* وقد أخبر سبحانه أن ما أوحى الله به إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، هو روح تحصل به الحياة الطيبة، ونور تحصل به البصيرة والهداية، كما أخبر أن رسوله الكريم يهدي إلى صراطه المستقيم، وذلك في قوله عز وجل في سورة الشورى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} *صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} (الشورى 52)

فأوضح سبحانه أن الوحي الذي أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة روح تحصل به الحياة الطيبة، السعيدة الحميدة، ونور تحصل به الهداية والبصيرة.

* الواجب على جميع أهل الإسلام: أن يعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل أمورهم، وأن يردوا ما تنازعوا فيه إليهما، وأن ذلك خير لهم وأحسن عاقبة في العاجل والآجل، أما طاعة أولي الأمر فهي واجبة في المعروف، كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،

وبين عز وجل أن الهداية معلقة باتباعه صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف 157) {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف 158)

وقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} (الأنفال 20) إلى أن قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال 24) الآية.

والآيات في الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، واتباع كتاب الله عز وجل والاهتداء به كثيرة .

وأما الأحاديث في ذلك فهي كثيرة أيضا، فنذكر ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني » .(جاء في صحيح البخاري بلفظ"مَن أطَاعَنِي فقَدْ أطَاعَ اللَّهَ، ومَن عَصَانِي فقَدْ عَصَى اللَّهَ، ومَن يُطِعِ الأمِيرَ فقَدْ أطَاعَنِي، ومَن يَعْصِ الأمِيرَ فقَدْ عَصَانِي. ")

والمراد بطاعة الأمير طاعته في المعروف، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن السنة يقيد مطلقها بمقيدها، كما أن الكتاب العزيز يفسر المطلق فيه بالمقيد، ويفسر مطلقه أيضا بمقيد السنة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء 59) الآية، وفي صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى » .

( جاء في صحيح البخاري بلفظ: " كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَن يَأْبَى؟ قالَ: مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أَبَى. ")

وأسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يوفقنا وسائر المسلمين للتمسك بكتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل بهما، والتحاكم إليهما، ورد ما تنازع فيه المسلمون إليهما، وأن يوفق حكام المسلمين وقادتهم لاتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

١٧ جمادى الأولى ١٤٤٤ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة