الدرس 144 ‌‌نصيحة عامة للمسلمين من طلبة العلم وغيرهم

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 26 رجب 1443هـ | عدد الزيارات: 660 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وصفوته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد:

* فإن النصيحة أمرها عظيم وشأنها كبير في إصلاح شئون المسلمين، وإرشادهم إلى أقوم سبيل كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة قال الله عز وجل: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ*} ، وقال رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » ، خرجه الإمام مسلم في صحيحه.(ورد الحديث في صحيح مسلم عن تميم الداري بلفظ"الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ.") فالرسول عليه الصلاة والسلام جعل الدين كلَّه النصيحة، وهذا حديث عظيم جامع للخير كلِّه.

ومن المعلوم أنَّ أنبياءَ الله وَرُسُلَه عليهم صلوات الله وسلامه هم أنصحُ الناس للناس، وأقومهم بواجب النصح والدعوة والتواصي بالحق والصبر عليه.

ومن توفيق الله للعبد أن يسلك سبيل الأنبياء والمؤمنين الناصحين المتناصحين، وقد رأيتُ توجيه هذه النصيحة لإخواني من العلماء وطلبة العلم وسائر المؤمنين قياما بواجب النصح والتعاون على البر والتقوى كما قال سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة 2)

وأول ما أنصح به أن نتواصى بتقوى الله تعالى كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة 119)وأن نتواصى بإخلاص العبادة لله وحده عملا بقول الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف 110)

وأنصح إخواني العلماءَ وطلبةَ العلم وكلَّ مسلم في كل مكان بأن يتذكروا دائما أن أهم شيء يدعى إليه ويلتزم به ويسار عليه هو توحيدُ الله سبحانه وإخلاص العبادة له سبحانه، والإيمانُ به وبرسله، ودعوةُ الناس إلى عبادته وطاعتِه وتركُ نواهيه والاستقامةُ على ذلك وتحبيبه إليهم عز وجل، ودعوتُهم إلى التوبة وبيانُ أن ذلك هو عينُ سعادتهم في الدنيا والآخرة.

وأنصح لهم بأن يتذكروا ما نحن فيه من نعم عظيمة ومنن كثيرة توجب الشكر لله آناء الليل وآناء النهار، وأعظمها نعمة الإسلام والأمن فإن الله ندب المؤمنين جميعا إلى أن يتذكروا هذه النعم والمنن فقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} (العنكبوت 67)

وأنصح أيضا إخواني العلماء وطلبة العلم وجميع المسلمين بتعظيم وحدة الجماعة والمحافظة عليها أشد المحافظة والحذر من أسباب الفرقة والاختلاف وأذكرهم في هذا المقام بقول الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران 103)

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم »، (ورد الحديث في صحيح مسلم عن أبي هريرة بلفظ "إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، ويَكْرَهُ لَكُمْ: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةِ المالِ.")

ومن المعلوم لدى أهل العلم أن تأليف القلوب على الحق من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل فالواجب السعي في ذلك والحرص عليه بكل إخلاص وصدق.

وأنصح إخواني جميعا بالتثبت فيما يشيعه الناس عن العلماء أو غيرهم؛ لأن كثيرا من الناس يشيعون عن العلماء وطلبة العلم أشياء كثيرة لا أصل لها، فإذا لم يتثبت المؤمن في الأمور التي يتحدث فيها أوقع الناس في الغلط وهذا ليس من النصح في الدين، وقد أنكر الله سبحانه على من لم يتثبت في الأخبار ولم يَرُدَّها إلى أهلها بقوله سبحانه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء 83) وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} .(الحجرات 6)

والإنسان مسئول عن كل قول وعمل كما قال عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}(ق 18)

فاحذر أيها المؤمن أن يستزلك الشيطان ويغريك بعدم التثبت في الأمور والأخبار فتقع فيما لا تحمد عقباه، وتندم حين لا ينفع الندم، واعلم يا أخي أن الشيطان يحرص على إيقاع الفتن والشحناء بين المؤمنين، وعلى إشغال المؤمن بكل ما ينقص من حسناته إن لم يستطع إيقاعه في البدعة والمعصية كما قال الله سبحانه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (فاطر 6)

وهناك أمر عظيم يستوجب النصح والتنبيه وهو الأسلوب الطيب الحسن في الدعوة إلى الله سبحانه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة، فعلى العلماءِ وطلبةِ العلم وكلِّ مؤمن ومؤمنة أن يستعملوا الأسلوب الحسن في جميع ذلك، فإن شأن الأمر والنهي والنصيحة عظيم جدا ولا يجوز الإساءة إليه بأسلوب غيرِ حسنٍ، ولذلك أرشد الله عباده إلى الأسلوب الحسن في الدعوة فقال عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل 1259)، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وكذلك أُوصي طلبةَ العلمِ وجميعَ المؤمنين بالحذر الشديد من كيد الأعداء وشبهاتهم وافتراءاتهم، وقد أرشدنا كتاب الله عز وجل إلى الحذر من افتراءاتهم وتآمرهم بقوله جل وعلا: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (آل عمرا 186) وبقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (النساء 71) ، وكتاب الله تعالى يبين لنا أن العدو الكاشحَ يحزنُ إذا رآنا في نعمة وخير ودين ويفرح إذا أصابتنا مصيبة. قال تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران 120) فأوصي إخواني العلماء وطلبة العلم وسائر المؤمنين بأن يتذكروا هذا الكيد، وأن يعملوا بموجب هذه الذكرى حتى يسدوا كل الذرائع التي يتذرع بها العدو لأجل الكيد لنا وتمزيق شملنا.

كذلك أنصح لطلبة العلم بالنظرة السليمة إلى الأمور والأحوال العامة، فإن الخير والصلاح في بلادنا كثير ونحمد الله تعالى على ذلك وندعوه جل وعلا أن يزيدنا من فضله وكرمه وأن يوفقنا وولاة أمرنا لكل ما يرضيه وينفع عباده، ويجب أن نعرف هذا الخير والصلاح؛ لأن ذلك من أسباب شكر الله على نعمه وطلب المزيد من فضله، ثم بعد ذلك ننظر في الأخطاء لنعالجها بالقرآن الكريم وحكمته وهديه وإرشاده كما قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء 9)، وهكذا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وإبلاغه الناس فيها الخير العظيم والدلالة على الطريق القويم والأسلوب المفيد في الدعوة والتوجيه.

ومن أعظم وسائل النصح والقضاء على أسباب الشر التعاون مع ولاة الأمر في الحق وإصلاح الأوضاع، زادهم الله من التوفيق والهداية إلى أحسن طريق، وأصلح بهم العباد والبلاد، وجعل التوفيق للحق حليفَهم في الأقوال والأعمال إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين

وبالله التوفيق

1443/7/26 هـ

التعليقات : 11 تعليق
الثلاثاء 22 شوال 1445هـ

(غير مسجل)

Lelia Christopher

Hi dr-alaskar.com

We noticed your website dr-alaskar.com is only listed in 9/2,500 directories.

We have a service that lists your company in all the directories globally.

It supports all countries, all services, to boost your SEO and get you those high quality back links that directories offer.

We have a promo running for a one time fee of $99

Visit us on https://dr-alaskar.companyregistar.org/dr-alaskar.com to get listed.
الخميس 17 شوال 1445هـ

(غير مسجل)

Darin Liddell

Hi,

Do you have a digital product you would like to see promoted for free?

Do you target companies with your product?

We promote your product for you on a commission basis.

Come check us out: https://dr-alaskar.leadsboy.biz
[ 1 ] [ 2 ] [ 3 ] [ 4 ] [ 5 ] [ 6 ] [ التالي ]
إضافة تعليق

2 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر