الدرس 144 باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 28 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 2513 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قول المصنف :عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة دخل حديث بعضهم في بعض: "أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء (يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء) فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق لأخبرنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق. قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة تنكب رجليه وهو يقول :إنما كُنَّا نَخُوضُ ونَلْعَبُ . فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ." ما يلتفت إليه وما يزيده عليه.

الحديث جاء بهذا اللفظ عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: "قال رجلٌ في غزوةِ تَبُوك في مجلسٍ: ما رَأَينا مِثلَ قُرَّائِنا هؤلاءِ أرغَبَ بُطونًا ، ولا أكذَبَ ألسُنًا، ولا أجبَنَ عند اللقاءِ، فقال رجلٌ في المجلس: كَذَبْتَ، ولكِنَّك منافِقٌ، لأخبِرَنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبلغ ذلك النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونزل القُرآن. قال عبدُ اللهِ بنُ عُمَر: فأنا رأيتُه مُتعَلِّقًا بحَقَبِ ناقةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، تَنكُبُه الحجارةُ، وهو يقولُ: يا رسولَ اللهِ إنَّما كُنَّا نخوضُ ونلعَبُ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم"

أخرجه الطبري في (تفسيره) ، وابن أبي حاتم في(تفسيره) من حَديثِ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. صَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج (تفسير الطبري).
قوله: "عن ابن عمر": هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي وأمه وأم شقيقته حفصة هي زينب بنت مظعون الجمحية أخت الصحابي عثمان بن مظعون أسلم عبد الله بن عمر بمكة مع أبيه، ولم يكن قد بلغ الحلم يومئذ، ثم هاجر مع أبيه. وما أن هاجر إلى المدينة المنورة حتى انخرط في عقد المسلمين، وصحب النبيَّ صلى الله عليه وسلم والتفَّ حوله مع غيره من صحابته. ولمَّا أمر النبي محمد أصحابه بالخروج إلى غزوة بدر، تطوع يومها عبد الله للقتال، فردّه النبي محمد لصغر سنه، وهو ما تكرر عندما حاول التطوع للقتال في غزوة أحد. لم يُجزه النبي محمد للقتال إلا في غزوة الخندق وكان عمره يومها خمسة عشر سنة، وهو رضي الله عنه محدث وفقيه وصحابي ، وأحد المكثرين في الفتوى، وكذلك هو من المكثرين في رواية الحديث . كان ابن عمر من أكثر الناس اقتداءً بسيرة النبي محمد، ومن أكثرهم تتبُّعًا لآثاره. ولد قبل الهجرة بعشر سنوات ، وتوفي سنة (73هـ) .

قوله :"ومحمد بن كعب"، هو محمد بن كعب بن سليم، من التابعين، كنيته أبو حمزة القرظي المدني، ولد في المدينة المنورة في آخر خلافة عليّ رضي الله عنه سنة أربعين وسكن الكوفة، ثم المدينة، وكان عالمًا بتفسير القرآن، مات سنة (120 هـ).

وقوله:"وزيد بن أسلم" هو مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه،يكنى أبا عبد الله، ثقة مشهور، ، مات سنة(136 هـ).

قوله :"وقتادة"،هو قتادة بن دعامة السَّدوسي، أبو الخطاب.ولد سنة (61 هـ)، تابعي وعالم في العربية واللغة وأيام العرب والنسب، محدث، مفسر، حافظ، علامة. كان ضريرًا أكمه. وكان يقول:ما قلت لمحدث قطُّ أعدْ عليَّ، وما سمعتْ أذناي قطُّ شيئًا إلا وعاه قلبي. قال أحمد بن حنبل: كان قتادة أحفظ أهل البصرة لا يسمع شيئًا إلا حفظه؛ قُرِئت عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها.، توفي سنة (118 هـ)

قوله: "في غزوة تبوك": تبوك اسم موضع شمالي المدينة من أدنى الشام ،وغزوة تبوك سببها أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغه أن الروم يعدون العدة لغزو المسلمين، وكان هذا في شهر رجب وفي شدة الحر ووقت مطيب الثمار، والناس في حاجة إليها والمسلمون عندهم عسرة ، فليس عندهم استعداد للتجهز للغزو ؛ لذلك سمي هذا الجيش بجيش العسرة ، وقد جهز عثمان رضي الله عنه من ماله ثلاثمائة بعير بجميع لوازمها ، وكانت غزوة تبوك آخر غزوة غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد نزل عليه الصلاة والسلام أياما في تبوك ينتظر قدومهم، ولكنهم جبنوا ،ورجع المسلمون سالمين مأجورين، وأنزل الله في هذه الغزوة سورة التوبة التي فضح الله فيها المنافقين ، حيث قال أحدهم في حق الصحابة :

"ما رَأَينا مِثلَ قُرَّائِنا هؤلاءِ" القرَّاء جمع قارئ وهم عند السلف : الذين يقرءون القرآن ويعرفون معانيه ، ويريد بذلك الرسولَ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه.
قوله: "أرغَبَ بُطونًا":أي أوسع بطونا ، والرغب والرغيب : الواسع ، يقال : جوف رغيب ، ووادٍ رغيب ، يصفونهم بسعة البطون وكثرة الأكل.
قوله: "ولا أكذَبَ ألسُنًا": الكذب: هو الإخبار بخلاف الواقع، والألسن: جمع لسان، والمراد: ولا أكذب قولا.
قوله: "ولا أجبن عند اللقاء": الجبن: هو خَوَر في النفس، يمنع المرء من الإقدام على ما يكره فهو خلق نفسي ذميم. وهذه الصفات في الواقع هي صفات المنافقين ، لكنهم وصفوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه.

قوله"فقال رجلٌ في المجلس : كَذَبْتَ، ولكِنَّك منافِقٌ، "فيه المبادرة في الإنكار والشدة على المنافقين وجواز وصف الرجل بالنفاق إذا قال أو فعل ما يدل عليه

قوله "لأخبِرَنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"فيه أن هذا وما أشبهه لا يكون غيبةً ولا نميمةً، بل من النصح لله ورسوله، فذكر أفعال المنافقين والفساق لولاة الأمور ليزجروهم ويقيموا عليهم أحكام الشريعة ليس من الغيبة والنميمة .

قول المصنف :فيه مسائل:
الأولى: وهي العظيمة أن من هزل بهذا فهو كافر،أي من هزل بالله وآياته ورسوله.
الثانية: أن هذا تفسير الآية فيمن فعل ذلك كائنا من كان، أي سواء كان منافقا أو غير منافق ، ثم استهزأ فإنه يكفر.

الثالثة: الفرق بين النميمة والنصيحة لله ولرسوله،النميمة: من نَمَّ الحديث أي: نقله ونسبه إلى غيره، وهي نقل كلام الغير للغير بقصد الإفساد، وهي من أكبر الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ "أخرجه مسلم عن حذيفة بن اليمان.

وأما النصيحة لله ورسوله فلا يقصد بها ذلك، وإنما يقصد بها احترام شعائر الله عز وجل، وإقامة حدوده، وحفظ شريعته.
الرابعة: الفرق بين العفو الذي يحبه الله وبين الغلظة على أعداء الله، العفو الذي يحبه الله: هو الذي فيه إصلاح؛ لأن الله اشترط ذلك في العفو فقال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله (الشورى 40) أي: كان عفوه مشتملا على الإصلاح.
والنبي صلى الله عليه وسلم غَلَّظ على هذا الرجل؛ لكونه صلى الله عليه وسلم لم يلتفت إليه، ولا يزيد على هذا الكلام الذي أمره الله به مع أن الحجارة تنكب رجل الرجل، ولم يرحمه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرق له، ولكل مقام مقال فينبغي أن يكون الإنسان شديدا في موضع الشدة، لينا في موضع اللين.
الخامسة : أن من الاعتذار ما لا ينبغي أن يقبل، فالأصل في الاعتذار أن يقبل لا سيما إذا كان المعتذر محسنا، لكن حصلت منه هفوة، فإن علم أن الاعتذار باطل فإنه لا يقبل

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/5/27هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 120 الجزء الثالث ‌‌حكم الإسلام في إحياء الآثار - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر