الدرس 144: الربا

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 22 ذو الحجة 1438هـ | عدد الزيارات: 1369 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الربا في اللغة: الزيادة، ومنه قوله تعالى (فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) فصلت: 39، أي: اهتزت بأشجارها وعشبها، وربت أي: زادت، المراد زيادة ما ينبت فيها

وشرعاً هو زيادة في أشياء ونسأ في أشياء، وليس كل زيادة ربا في الشرع، ولا كل زيادة في بيع ربا، إذا كان المبيعان مما تجوز فيهما الزيادة، فلو بعت سيارة بسيارتين فلا بأس

فالزيادة التي تكون ربا هي ما إذا وقع العقد بين شيئين يحرم بينهما التفاضل، وسنوضحه لاحقاً

والربا محرم بالقرآن، والسنة، وإجماع المسلمين، ومرتبته أنه من كبائر الذنوب، لأن الله تعالى قال (وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة: 275، وقال تعالى (يَا أيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة: 278، 279، ولأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) رواه مسلم

فهو من أعظم الكبائر، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه (إبطال التحليل) أنه جاء من الوعيد في الربا ما لم يأت في أي ذنب آخر سوى الشرك والكفر

وهو مجمع على تحريمه، ومن أنكر تحريمه ممن عاش في بيئة مسلمة فإنه مرتد

والربا ينقسم إلى قسمين، ربا الفضل وربا النسيئة

وربا الفضل هو الزيادة

مثال ذلك: بعت عليك صاعين من البر بثلاثة أصواع من البر

والبر من الأشياء التي يحرم بينهما التفضيل وقد نص الحديث على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في الربويات الستة :البر بالبر ..... إلخ

أما السيارات والكتب التي ذكرتها آنفاً فليست من الربويات التي يحرم بينهما التفاضل

وربا النسيئة هو أن أبيع عليك شيئاً ربوياً بشيء ربوي مع تأخير القبض فيهما، مثل أن أبيع عليك صاعاً من البر بصاع من الشعير مع تأخير القبض، واعلم أن هذين القسمين أي ربا الفضل وربا النسيئة، قد ينفردان وقد يجتمعان وقد يرتفعان، فإذا بعت عليك عشرة دراهم بدينار مع تأخير القبض فهذا ربا نسيئة لتأخر القبض، وإذا بعت عليك صاعاً من البر بصاعين من البر مع القبض في مجلس العقد فهذا ربا الفضل للزيادة، وإذا بعت عليك صاعاً من البر بصاعين منه مع تأخير القبض، اجتمع فيه ربا النسيئة لتأخر القبض، وربا الفضل للزيادة، وإذا بعت عليك صاعاً من البر بصاع من البر مع التسليم انتفى ربا الفضل وربا النسيئة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (....... فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد سواء بسواء) فهنا انتفت الزيادة والتأجيل

والأشياء الربوية حددها النبي صلى الله عليه وسلم بالعد ستة، فقال صلّى الله عليه وسلّم (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) أخرجه مسلم

فهذه الأشياء الستة مجمع عليها على أنها هي الأموال الربوية التي يجري فيها الربا

قوله (يحرم ربا الفضل في كل مكيل وموزون بيع بجنسه) بناء على أن العلة في التحريم الكيل والوزن، الكيل في البر والشعير والتمر والملح، والوزن في الذهب والفضة، فيحرم في كل مكيل وموزون بيع بجنسه

فقوله (يحرم ربا الفضل) أي: ربا الزيادة في كل مكيل بيع بجنسه بر ببر يحرم فيهما ربا الفضل، شعير بشعير يحرم، تمر بتمر يحرم، ملح بملح يحرم، ذهب بذهب يحرم، فضة بفضة يحرم

وقوله (في كل مكيل وموزون بيع بجنسه) فبر بشعير لا يحرم، لأن المؤلف قيده فقال (بجنسه) والشعير ليس جنساً للبر، وكل شيء حرم فيه ربا الفضل فإنه يحرم فيه ربا النسيئة، لا العكس

ولهذا لم يقل المؤلف في (ربا الفضل والنسيئة) لأن هذا معلوم أنه متى حرم ربا الفضل حرم ربا النسيئة

قوله (ويجب فيه الحلول) أي: في مكيل أو موزون بيع بجنسه (الحلول والقبض) يعني أن يكون البيع حالاً، وأن يقبض، فلو باع ذهباً بذهب مؤجلاً فهذا يحرم، لأنه يجب فيه الحلول، وإنما وجب فيه الحلول، لئلا يدخله ربا النسيئة

قوله (والقبض) أي: يشترط فيه القبض، كما جاء في الحديث لقوله صلى الله عليه وسلم (يداً بيد) أخرجه مسلم

قوله (ولا موزون بجنسه إلا وزنا) مثل اللحم، فلو باع الإنسان لحماً من خروف بلحم من خروف آخر فهذا موزون، فلو أراد أن يقطع اللحم قطعاً صغيرة ويضعه في إناء ويبيعه بجنسه كيلاً فإنه لا يصح، لأن معيار اللحم هو الوزن

قوله (ولا بعضه ببعض جزافاً) يقال: جُزافاً وجِزافاً وجَزافاً، فهي مثلتة

ومعنى الجزاف: أي الذي يكون بدون تقدير، أي: ولا يباع بعض المكيل بالمكيل جزافاً، ولا بعض الموزون بالموزون جزافاً، لأنه لا بد فيه من العلم بالتساوي

لو فرض أننا أتينا بخارص حاذق، وقال: هذه الكومة من البر تساوي هذه الكومة من البر، فإنه لا يجوز تبايعهما، لأنه لا بد من العلم بالتساوي عن طريق الكيل، إلا العرايا سنوضحها لاحقاً

فقوله (ولا بعضه ببعض جزافاً) مثال ذلك: لو باع بعضه ببعض جزافاً، وقبل التقابض كال كل منهما ما آل إليه فوجده مساوياً للآخر فيصح العقد، لأن المحظور قد زال وليس هناك جهل

قوله (فإن اختلف الجنس جازت الثلاثة) إن اختلف الجنس أي: بين المبيعين بأن يباع بر بشعير، فإنه تجوز الثلاثة وهي: أن يباع كيلا، أو وزنا، أو جزافا

أي إذا بيع الربوي بغير جنسه جاز فيه التفاضل

مثال ذلك: اشترى شعيرا ببر، أي: كيلو بر بكيلو شعير فهذا جائز، لأنه من غير جنسه وإذا اختلف الجنس، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم

فإذا باع شعيراً بتمر وزناً، كيلو من هذا بكيلو من هذا، فهذا جائز، لاختلاف الجنس، وإذا اختلف الجنس لم يشترط التساوي، فقط التقايض

وإذا باع تمراً ببر من غير تقدير لا بالوزن ولا بالكيل، فهذا جائز أيضاً، وذلك أنه لا يشترط فيه التساوي

والخلاصة: إذا بيع الربوي بجنسه يشترط فيه شرطان: التقابض والتساوي

وإذا بيع الربوي بربوي من غير جنسه مثل تمر بشعير اشترط شرط واحد، وهو التقابض قبل التفرق، أما التساوي فليس بشرط

ولهذا يجوز بيعهما مكايلة أو موازنة أو جزافاً، فإن اختلفا في المعيار الشرعي بأن كان أحدهما مكيلاً والآخر موزوناً، يقول الفقهاء في هذا: إنه يجوز كل شيء، يعني يجوز الكيل والوزن والجزاف والحلول والتأجيل، مثل أن أبيع عليك رطلاً من الحديد بصاعين من البر مؤجلين إلى شهر، فهذا جائز، لأن معيار الحديد الوزن ومعيار البر الكيل

وإذا بيع ربوي بغير ربوي فيجوز التفرق قبل القبض، ويجوز التفاضل، مثل أن يبيع شعيراً بشاة، أو يبيع شعيراً بثياب، أو ما أشبه ذلك، فهذا يجوز فيه التفرق قبل القبض والتفاضل، هذا هو خلاصة ما ذكره المؤلف رحمه الله

ويجوز أن يبيع ورقاً نقدياً مئة ريال مثلاً بخمسة وتسعين ريالاً من المعدن، وهذا قول المذهب واللجنة الدائمة للإفتاء أيضاً

اللهم فقهنا في ديننا وعلمنا ما جهلنا واجعل عملنا خالصاً لوجهك

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

22-12-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي