الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،
قول المصنف :" عن ثابت بن الضحاك"هو ثابِتُ بن الضَّحَّاك بن خليفة بن ثعلبة بن عديِّ بن كعب بن عبد الأشهل الأنصَاريُّ الأوْسيُّ الأشْهليُّ ، وأمه أسماء بنت مُرْشِدة بن جَبْر من الأوس، يكنى أبا يزيد، ، روى عنه أبو قلابة وغيره ، مات سنة أربع وستين.
وفي حديث ثابت رضي الله عنه أن رجلا قال : يا رسول الله : إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة ، وبوانة موضع معروف في أسفل مكة وهو هضبة وراء ينبع، أستفصل منه صلى الله عليه وسلم فقال له: هل فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قال : لا ، قال : هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قال لا ، قال: أوفِ بنذرك.
خاف النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون تخصيصه لهاأن فيها شيئا من أوثانهم أو أعيادهم فيتأسى بهم ، فدلَّ ذلك على أن المحلات المُعدَّة لأعياد الجاهلية وعباداتهم لا يكون المؤمن مثلهم فيها ولا يخصها بعبادة ، بل يجتنبها ؛ حتى لا يكون متشبها بهم، فلما أخبره الرجل أنه ليس فيها وثن ولا عيد قال له الرسول صلى الله عليه وسلم:أوفِ بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله. ولا فيما لا يملك ابن آدم ، وهذا يبين لنا أنه لا نذر في معصية الله،ولا يجب الوفاء به، فإذا قال: لله عليه أن يشرب الخمر، هذا النذر لا يجوز، ولهذا قال الرسول صلى االه عليه وسلم :"من نذر أن يعصي الله فلا يعصه" أخرجه البخاري، ولا يصح هذا النذر وعليه كفارة يمين.
قوله صلى الله عليه وسلم:"ولا فيما لا يملك ابن آدم"
لو قال : لله عليه أن يتصدق ببيت فلان، فهذا نذر باطل؛ لأنه ليس له نذر فيما لا يملك
قوله :" رواه أبو داود وإسناده على شرطهما "، المراد بشرطهما: شرط البخاري ومسلم، وأبو داود وهو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشر بن شداد الأزدي السجستاني صاحبُ الإمام أحمد ومصنف السنن ، ثقةٌ إمامٌ حافظ ٌ، من كبار العلماء مات سنة خمس وسبعين ومائتين هجرية رحمه الله.
قول المصنف :" فيه مسائل :"
" الأولى : تفسير قوله" :" لا تقم فيه أبدا " وهو مسجد الضرار.
"الثانية : أن المعصية قد تؤثر في الأرض ، وكذلك الطاعة "أي كما كانت هذه الأرض مكان شرك حرم أن يعمل الإنسان ما شابه الشرك فيها.
"الثالثة : رد المسألة المشكلة إلى المسألة البينة ليزول الإشكال " فالمنع من الذبح في المكان امر مشكل، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بين ذلك بالاستفصال.
"الرابعة : استفصال المفتي إذا احتاج إلى ذلك "لأن النبي صلى الله عليه وسلم استفصل، ولكن لا يجب الاستفصال إلا إذا وجد الاحتمال؛ حتى لا يطول الأمر.
" الخامسة : أن تخصيص البقعة بالنذر لا بأس به إذا خلا من الموانع " لقوله صلى الله عليه وسلم:أوفِ بنذرك.
" السادسة : المنع منه إذا كان فيه وثن من أوثان الجاهلية ولو بعد زواله "؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:هل كان فيه وثن من أوثان الجاهلية؟، والمحظور بعد زوال الوثن باق ؛ لأنه ربما يعاد.
" السابعة : المنع منه إذا كان فيه عيد من أعيادهم ولو بعد زواله " لقوله صلى الله عليه وسلم : فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟
الثامنة : أنه لا يجوز الوفاء بما نذر في تلك البقعة لأنه نذر معصية . " لقوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله.
"التاسعة : الحذر من مشابهة المشركين في أعيادهم ولو لم يقصده ." وقد نصَّ شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم) ، على أن حصول التشبه لا يشترط فيه القصد ، فإنه يمنع منه ولو لم يقصده.
" العاشرة : لا نذر في معصية." لقوله صلى الله عليه وسلم :"من نذر أن يعصي الله فلا يعصه" رواه البخاري عن عائشة
" الحادية عشرة : لا نذر لابن آدم فيما لا يملك. " لقوله صلى الله عليه وسلم"ولا فيما لا يملك ابن آدم".
وبالله التوفيق
وصلِّ اللهمَّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
1434-2-30هـ