الدرس 151: باب بيع الأصول والثمار

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 12 صفر 1439هـ | عدد الزيارات: 1318 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أفرد المؤلف رحمه الله بيع الأصول والثمار بباب مستقل لكثرة فروعه، وإلا فهو داخل ضمن باب البيوع

فالأصول جمع أصل، وهو في اللغة ما يتفرع منه الشيء فالأب أصل للابن، لأن الابن متفرع منه

أما الأصل في الاصطلاح فإنه يختلف بحسب المواضع، فإذا تكلمنا عن الأدلة فإنما نعني بالأصل الدليل، ولهذا تجد في الكتب التي تعتني بالأدلة، إذا ذكر حكم المسألة قال والأصل في ذلك قوله تعالى أو قوله صلى الله عليه وسلم، وتارة يطلق على كل ما تفرع عنه غيره كالقواعد والضوابط وما أشبه ذلك، وفي هذا الباب الأصول هي الأشياء الثابتة من العقار، أي: الأرضين، والدور، والأشجار

والثمار جمع ثمر، وهو ما ينتج من الأشجار، فالنخلة تعتبر أصلاً، وتمرها ثمر، لأنه نام منها

والمقصود بهذا الباب بيان ما يدخل في البيع وما لا يدخل

قوله (إذا باع داراً شمل أرضها، وبناءها، وسقفها، والباب المنصوب، والسلم، والرف المسمورين، والخابية المدفونة دون ما هو مودع فيها من كنز وحجر ومنفصل منها كحبل ودلو وبكرة وقفل وفرش ومفتاح)

قوله (إذا باع داراً) فقال: بعت عليك هذه الدار بكذا، فلا بد أن يكون الثمن معلوما كما هو ظاهر، ولا بد أن تكون الدار ملكا للبائع أو له ولاية عليها أو وكالة

قوله (شمل أرضها) إلى الأرض السابعة، وهواءها إلى السماء الدنيا

قوله (وبناءها) أي: ما بني فيها من الحجر والسور وما أشبه ذلك

قوله (وسقفها) لأنه لما بني فيها

قوله (والباب المنصوب) يشمل أيضا المركب، فإذا باع أحد داراً ثم أراد أن يأخذ أبوابها، قلنا لا، لأن الباب داخل في الدار، هذا إذا كان منصوباً، بالتسمير أو مبنياً عليه، فإن لم يكن منصوباً، بأن كان هذا الباب على فوهة الحجرة ينقل، يأخذه بيديه إذا أراد أن يدخل، وإذا دخل الحجرة وأراد أن يغلقه رده إلى مكانه، فالباب هنا غير منصوب

قوله (والسلم والرف المسمورين) السلم الذي يُصعد به إلى السقف إذا كان مُسمراً يدخل، وإلا فلا، وكذلك الرف إذا كان مسمراً دخل، فإذا كانت أيدي الرف مسمرة والخشبة التي هي الرف موضوعة على هذه العضائد تدخل، لأنها مسمرة، وأما الخشب الموضوع فإنه لا يدخل، لأنه غير مسمر

قوله (والخابية المدفونة) الخابية إناء من فخار كانوا يجعلون فيه التمر وشبهه، إذا كانت مدفونة دخلت، وإن كانت موضوعة على سطح الأرض فإنها لا تدخل كسائر الأواني

قوله (دون ما هو مودع فيها من كنز) الكنز مودع في الأرض فلا يدخل في البيع، لأنه منفصل، فإذا وَجد المشتري في هذه الأرض كنزا فإنه لا يدخل في البيع، بل يكون لصاحبه، إذا كان مكتوبا عليه، أو ما أشبه ذلك، وإن لم يكن مكتوبا عليه فإنه لمن وجده، لأنه ليس داخلاً في البيع، فلو استأجرتُ عمالا يحفرون لي خزان ماء في البيت، وأثناء الحفر وجدوا هذا الكنز يكون للعمال، إلا إذا استأجرهم لحفر الكنز فيكون له، وعلى هذا فلو وجد المشتري كنزا مدفونا، فليس للبائع أن يطالبه ويقول إن الكنز لي، حتى يثبت ببينة أنه له، لأن الكنز لا يتبع الأرض

قوله (وحجر) بعض الأحجار يكون لها قيمة فتدفن في الأرض فيجدها هذا الرجل، فنقول إن هذا الحجر لا يدخل في الدار، لأنه مودع فيها، فإذا كان مودعا فيها فإنه لا يدخل، أما الحجر الذي من طبيعة الأرض فيدخل

قوله (ومنفصل منها) كذلك لا يدخل فيها ما هو منفصل، ومثاله قوله (كحبل ودلو وبكَرة وقفل وفرش ومفتاح) كل هذا لا يدخل في البيع، لأنه منفصل، فإذا باع داراً فيها بئر وهذا البئر فيه بكرة، وفيه حبل الرشا، وفيه دلو فإن البكرة لا تدخل، والبكرة هي المحالة التي يدور عليها الرشا، والرشا أيضا لا يدخل، والدلو لا يدخل

والصحيح أن البكرة إذا كانت مسمرة، فقد أعدت للبقاء فهي كالرف المسمر، وإلا فلا

أما الرشا والدلو فمنفصلان فلا يدخلان في البيع، وكذلك القفل ليس داخلاً في البيع لأنه منفصل

أما القفل الذي في الباب نفسه فهو تبع للباب، إن دخل الباب في البيع دخل القفل وإلا فلا

والفرش أيضا لا تدخل، لأنها منفصلة، والصحيح أن ما كان ملصقاً ثابتاً فهو داخل، وما كان منفصلاً ينقل فهو غير داخل

قوله (وإن باع أرضا ولو لم يقل بحقوقها شمل غرسَها وبناءها) أي: إذا باع الأرض وفيها غرس فإن الغرس يتبع الأرض، لأن الغرس بالنسبة للأرض يعتبر فرعا تابعا لأصله، وكذلك البناء، فإذا باع أرضا وفيها بناء فإنه يدخل في بيع الأرض، لأن البناء بالنسبة للأرض فرع فيتبع الأصل

أما ما يُنبته الله تعالى من الكلأ، فلا يدخل في البيع، لأنه لا يُملك بملك الأرض لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون شركاء في ثلاث الماء، والكلأ، والنار) رواه أحمد، وصححه الألباني

فلا يدخل في البيع، أما ما غرسه الآدمي فيدخل

وقوله (ولو لم يقل بحقوقها) وهذا هو المذهب أي: أن البناء والغراس لا يدخلان في الأرض، والصواب أنهما داخلاًن في الأرض تبعا لها

وإن باع غرساً، نخلا مثلاً فلا تدخل الأرض، لأن النخل فرع فلا يتبعه الأصل، فالأرض أصل والنخل فرع، فلا يمكن أن يتبع الأصل الفرع

قوله (وإن كان فيها زرع كبر وشعير فلبائع مبقّى) أي: إذا كان في الأرض زرع فهو على نوعين

الأول: أن يكون مما يؤخذ مرة واحدة كالبر فهذا يبقى للبائع ما لم يشترطه المشتري، يبقى للبائع إلى الحصاد، فلو طلب المشتري أن يُخْلي الأرض منه فليس له الحق في هذا، ويقال له أنت اشتريتها وفيها الزرع، ومعلوم أن الزرع يبقى إلى الحصاد والجذاذ، ومؤنة سقيه على البائع، لأن البائع لم يملكه من قبل المشتري، بل إن ملكه استمر عليه

وإذا قال المشتري للبائع احصده علفا، لأن الزرع يصلح أن يكون علفا للبهائم، وقال البائع: لا، أنا أريد أن أبقيه حتى يكون سنبلا وحباً، فهنا نتبع قول البائع، لأن البائع يملك إبقاء هذا الزرع إلى الحصاد، فإذا جاء زمن حصاده فللمشتري أن يطالبه بحصاده، فإن لم يفعل كان عليه أجرة بقائه في الأرض، لأنه معتد

النوع الثاني من الزرع ذكره المؤلف بقوله (وإن كان يجز أو يُلقط مرارا فأصوله للمشتري، والجزة واللقطة الظاهرتان عند البيع للبائع) إذا كان هذا الزرع الذي في الأرض يجز مرارا، مثل البرسيم، فهذا يجز مرارا، يحصد اليوم ثم ينمو فيما بعد، ويحصد مرة ثانية وثالثة، وهكذا يبقى سنة أو سنتين على هذه الحال، وربما يبقى أكثر من ذلك حسب طيب الأرض ورداءتها، فهذا يقال فيه: الأصول للمشتري يعني العروق والجذوع للمشتري، والجزة الظاهرة تكون للبائع مبقاة إلى أوان جزها عادة

والُلقطة كذلك، فإذا كان هذا الزرع مما يُلقط مرارا كالباذنجان، واللوبيا، والطماطم، وما أشبهها، فالأصول للمشتري تبعا للأرض، واللقطة الموجودة تكون للبائع مبقاة إلى أوان أخذها

فتبين بهذا أن الأرض إذا بيعت وفيها غراس شجر فهو تابع للأصل، وإذا بيعت وفيها زرع لا يحصد إلا مرة فإنه لا يتبع الأرض بل يكون للبائع، وإذا كان فيها زرع أو شجر صغير يُلقط مرارا مثل الفلفل أو يجز مرارا مثل البصل والثوم والجرجير، فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة واللقطة الظاهرة تكونا للبائع

وكل هذا ما لم يشترط أحدهما على الآخر شرطا يخالف ذلك، فعلى ما شرط ولهذا قال المؤلف (وإن اشترط المشتري ذلك صح) المشار إليه اللقطة الظاهرة والجزة الحاضرة، فإذا قال المشتري أنا لا أريد أن تدخل علي كل يوم تلقط الثمرة الظاهرة أو تجز الحصدة الظاهرة، أنا أشترط عليك أن يكون لي، فقبل البائع فلا بأس، ودليل هذا ما رواه البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم (من باع نخلا بعد أن تؤَبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع) أي: المشتري

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

12-02-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة