الدرس 328: الدعاء

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 9 صفر 1439هـ | عدد الزيارات: 1227 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

كشف الغمة وتفريج الكربة وشرح الصدر بيد الله وحده، فإذا أصبت بكرب وضيق صدر فافزع إلى الله وحده، واطلب منه أن يكشف ما نزل بك، وافعل ما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان إذا حزَبه أمر واشتد به الكرب فزع إلى الصلاة، وعلمنا أن نقول عند الكرب (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم)

ومن أصيب بالوساوس فعليه بالاستمرار في الأعمال الصالحة، مع إخلاص النية لله، ولا يلتفت للوساوس التي يحاول الشيطان بها صرفه عن العمل الصالح، مع الإكثار من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم

سئل المصطفى صلى الله عليه وسلم هل بقي لي شيء أبر به أبوي بعد موتهما، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما. رواه أبو داود

فالمراد بالصلاة في هذا الحديث: الدعاء بالمغفرة والرحمة ودخول الجنة والنجاة من النار ونحو ذلك، كما في قوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم) التوبة 103 أي: ادع الله، (إن صلاتك سكن لهم) أي: دعاءك

ومن مات على الشرك لا يجوز الدعاء له، ومن كان حيا مشركا أو عاصيا فإنه يدعى له بالهداية لعل الله أن يهديه، ومن مات على التوحيد فإنه يدعى له، وكذلك من لا تعلم حاله ممن ظاهره الإسلام

ويشرع الدعاء للوالدين سواء فقدهما صغيرا أو كبيرا، ويستغفر لهما ويتصدق عنهما بما استطاع

وحق الوالدين حق عظيم، يأتي بعد حق الله تعالى، قال الله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) النساء: 36، وذلك ببرهما والإحسان إليهما بالقول وبالفعل، ومنع الإساءة إليهما بكل قول أو فعل (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) الإسراء: 23-24

ولم يرد دعاء مخصوص يدعى به لهما فيما نعلم سوى قول (رب ارحمهما)، (رب اغفر لي ولوالدي) ونحو ذلك مما لا محذور فيه، أما قول (وتجاوز عنهم ما قضوا فيه من حق خدمتك) فهذه لفظة صوفية، لأن الله سبحانه لا يحتاج إلى أن يخدم، وإنما حقه أن يعبد

وينبغي الدعاء للأولاد بالهداية، وسؤال الخير لهم، ولا يجوز الدعاء عليهم، ففي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله عز وجل ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم) رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما

يجوز لأقارب الميت وأصدقائه وإخوانه المسلمين أن يدعوا له بالمغفرة والرحمة ونحو ذلك من الأدعية المشروعة، ولهم الأجر والثواب على ذلك، ويدل لذلك قول الله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم) الحشر: 10، وليس في ذلك دعاء مخصص للأقارب والأصدقاء

السنة أن يدعو المنتفع بالصدقة للميت، فيدعو له بالمغفرة، وبقوله (جزاه الله خيرا) لما رواه أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء) رواه الترمذي، وقال حديث حسن جيد غريب

ذكر الله عند الصباح والمساء مرغب فيه كما قال تعالى (وسبح بالعشي والإبكار) آل عمران: 41

وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أذكار فإنه يشرع للمسلم أن يأتي بها، لا بشكل جماعي، وإنما كل واحد يذكر الله على حدة، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وعليا لما طلبت خادما أن يذكرا الله قبل النوم فقال (ألا أدلكما على ما هو خير مما سألتما، إذا أخذتما مضجعكما أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم) متفق عليه

لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتزم (إن الحمد لله نحمده ونستعينه) في جميع خطبه ومجالسه، بل كان يفتتح به ويفتتح بغيره، وبذلك فيجوز للمسلم أن يفتتح مجلس علمه وتذكيره بأي استفتاح أو دعاء ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك يجوز له أن يستفتح بمجرد الثناء على الله بقوله الحمد لله، أو بمجرد التسمية بقوله بسم الله الرحمن الرحيم، أو بسم الله فقط، لقوله صلى الله عليه وسلم (كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله، فهو أجذم) وفي لفظ (لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم)

الذاكر المجاهد أفضل من الذاكر بلا جهاد، ومن المجاهد الغافل، والذاكر بلا جهاد أفضل من المجاهد الغافل، فأفضل الذاكرين المجاهدون، وأفضل المجاهدين الذاكرون

يستحب عند دخول الخلاء أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، وعند الخروج منه يقول: غفرانك، وعند هبوب الريح يسأل الله من خيرها ويستعيذ به من شرها، وعند نزول المطر يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته، اللهم اجعله صيبا نافعا

وتجوز قراءة الورد ودعاء الصباح والمساء على غير وضوء، لقول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه

رفع اليدين في الدعاء بعد صلاة الفريضة بدعة، لأنه لم يرد به دليل من الكتاب ولا من السنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)

الأصل أن تلاوة القرآن أفضل من الأذكار إلا في الأوقات المخصصة بأذكار معينة، مثل أدبار الصلوات وفي الصباح والمساء، فالذكر المخصوص في هذه الأوقات أفضل من تلاوة القرآن فيها، لأن بالإمكان تلاوة القرآن في غيرها، فهي لا تفوت بخلاف الأذكار المخصصة، فإنها تفوت بفوات أوقاتها

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أذكار دخول المسجد ما رواه مسلم عن أبي حميد أو أبي أسيد رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك) وزاد ابن السني في روايته (وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم أعذني من الشيطان الرجيم) وروى هذه الزيادة: ابن ماجه، وابن خزيمة، وأبو حاتم وابن حبان في صحيحيهما

وثبت في هذا أيضا ما رواه أبو داود بسند جيد عن حيوة بن شريح قال: لقيت عقبة بن مسلم فقلت له: بلَغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد يقول (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، قال: أقَط؟ معنى أقط: بلغك عني ذلك، قلت: نعم، قال: فإذا قال ذلك، قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم)

وما رواه أنس رضي الله عنه وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال: بسم الله، اللهم صل على محمد، وإذا خرج قال: بسم الله، اللهم صل على محمد. أخرجه ابن السني وهو حديث حسن

وأما البداء، بقول: السلام عليكم عند دخول المسجد قبل الذكر المشروع فلا أصل له فيما نعلم من الشرع المطهر، وإنما المشروع عند دخول المسجد ما ذكرناه آنفا

وينبغي لك إذا أردت النوم أن تتوضأ وضوءك للصلاة، وأن تنام على شِقك الأيمن، وأن تقرأ آية الكرسي، فإنها حرز من الشيطان، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأن تقرأ الأذكار عند نومك، ومن ذلك أن تقول (اللهم باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) وأن تقول (اللهم باسمك أموت وأحيا)، وأن تقول (اللهم أسلمت وجهي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت) واجعلهن آخر ما تقول، كما يشرع لك أن تجمع كفيك وتنفث فيهما بـ (قل هو الله أحد) والمعوذتين، وتمسح بهما ما استطعت من جسدك، رأسك ووجهك وصدرك، تفعل ذلك ثلاث مرات

الحرز المسمى (حرز الجوشن) لا يجوز اقتناؤه، ولا العمل به، ولا تصديق ما ذكر فيه

إذ ليس له سند معروف، وفيه كذب.

في كتاب (حوار مع الجن) لأسامة الكرم، وهي رسالة تَعذب الجن، وقصة هذه الرسالة: أن الصحابي الجليل أبا دجانة قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ...... إلخ، فهذه القصة لا تصح، وإسنادها مقطوع، وأكثر رجاله مجهولون، والذي رفعها هو موسى الأنصاري، وليس في الصحابة رضي الله عنهم من يسمى بهذا الاسم، وقد حكم عليها بعض أهل العلم بالوضع، منهم الذهبي رحمه الله، قال في السِير وحِرز أبي دجانة لم يصح ما أدري من وضعه

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1439/2/9 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي