خطبة الاستسقاء 3

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 12 صفر 1438هـ | عدد الزيارات: 1651 القسم: خطب الاستسقاء

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمدٍ سيدِ ولدِ آدمَ وعلى آل محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمِ إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِكْ على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وسلِّمْ تسليماً .

عباد الله: اعلموا أنكم مفتقِرون إلى ربكم مضطرون إليه في كل أموركم وأحوالكم لا تستغنون عنه طرفة عينٍ ولا أقل من ذلك؛ فقد أوجدكم من العدم وساق إليكم أرزاقكم، وخوَّلكم نِعمَه ظاهرةً وباطنة وأمدَّكم بمنافعَ شتى قال الله تعالى "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا " (النحل: 18)

فأعطاكم ما تحبون وحفظكم من العاهات وأنواعِ الهلكات وصَرَف عنكم ما تكرهون؛ فحقُّ ربنا أن يُطاع فلا يُعصَى، وأن يُشكر فلا يُكفر، وأن يُذكر فلا يُنسى، وما حُفظت النعم إلا بالطاعات، وما وقعت العقوباتُ إلا بفعل المحرمات، وهل شقِيَ بطاعة الله أحد؟ أو سعِدَ بمعصية الله أحد؟ وقد وعد الله بالمزيد الشاكرين وتوعّد بالعقوبة المعْرِضِين فقال تبارك وتعالى :"وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ " (إبراهيم: 7)

وعزُّ العبد وسعادتُه في التذلل بالعبادات لرب العالمين قال الله تعالى "وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" (الحج: 34 – 35)

والمخبتون هم المتواضعون لله قال تبارك وتعالى :" لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً" (النساء: 172 – 173)

وشقاوة الإنسان وهلاكه في ظنه أنه مستغنٍ عن خالقه قال الله – تعالى :" كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى" (العلق: 6 – 8) ؛ فالمرجع إلى الله ليجازيه بعمله: إن خيرًا فخير وإن شرٍّا فشر، وقال –تعالى :"فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى" (النازعات: 37 - 39 )

وأعظم كرامةٍ يكْرِم الله بها عبده أن يهديه للاستقامة، وأعظم إهانةٍ للعبد أن يتخلى الرب عنه فيَكُب على المعاصي والذنوب قال تعالى :"وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ " (الحج: 18)

ولو تفكر الإنسان في نعمة من النعم التي أنعم الله بها عليه لصلُح في أحواله وأفلح في مآله ومن تلك النعم، نعمة الماء الذي هو أساس الحياة لكل مخلوقٍ على وجه الأرض، والذي لا يأتي به إلا الله وحده قال الله – تعالى :"وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ " (الشورى: 28)، وقال –تعالى " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ" (الملك: 30) ، وقال –تعالى :"فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" (عبس: 24 – 32)

نزول الغيث وسقيا العباد والبلاد له أسبابٌ مبينةٌ في الكتاب والسنة، فمن أسباب نزول الغيث

أولاً: كثرة المتقين في الأمة؛ لأن تقوى الله تبارك وتعالى جامعةٌ للخير كله قال الله تعالى :"وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ " (الأعراف: 96) ، وقال تبارك وتعالى "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم " (المائدة: 65 – 66)

ثانياً: مداومة الدعاء بإخلاص لله تبارك وتعالى قال عز وجل :"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" (البقرة: 186)، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، :" ليسَ شيءٌ أَكْرَمَ على اللَّهِ تعالى منَ الدُّعاءِ " ، رواه الترمذي وحسَّنه الألباني .

وما داوم مسلمٌ على دعاء ربه إلا رأى بشائرَ الإجابة في الأمور؛ فداوموا على الدعاء .

ثالثاً: كثرة الاستغفار قال الله تعالى عن نوحٍ عليه السلام "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً * مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً" (نوح: 10 – 13) ، وقال تعالى عن هودٍ عليه الصلاة والسلام: "وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ" (هود: 52)

رابعاً: التوبة إلى الله من كل ذنب؛ فالتوبةُ جامعةٌ لكل خير، رافعةٌ لكل بلاء وعقوبة قال الله تعالى: "وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ" (هود: 3) ، وقال تعالى: "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (النور: 31)

خامساً: ردّ المظالم، وسلامةُ الصدور من الغلِّ والحسد والكِبر والرذائل

سادساً: الصدقاتُ والإحسان إلى الخلق: "وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " (البقرة: 195)، وقال تبارك وتعالى: " إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ " (الأعراف: 56)

سابعاً: حسْنُ الظن بالله وتعظيمُ الرجاء فيه؛ فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، : " أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، "، رواه البخاري .

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِكْ على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد " اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ " (26 -27 آل عمران) .

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم لك الأسماء الحسنى والصفات العلا توجّهَتْ إليك القلوب ورُفِعتْ لك الأيدي وعظُمتْ فيك الرغبة والرجاء يارب العالمين؛ اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا غيثاً عاجلًا غير آجل، اللهم أسقِ عبادك اللهم أسقِ عبادك وبهائمك وأحيي بلدك الميت؛ اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق اللهم أغثنا غيثاً عاجلًا غيرَ آجل، اللهم غيثاً عاماً مجلِّلا سحاً طبقاً تحيي به البلادَ وتغيثُ به العبادَ اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم لا تحرمنا الخير بسببٍ ذنوبنا .

اللهم اغفر لنا ما قدّمْنا وما أخّرْنا وما أسرَرْنا وما أعلنّا وما أنت أعلم به منا.

اللهم أعذنا من الشرور والآفات يارب العالمين، اللهم عاملنا بإحسانك وجودك ورحمتك ياأرحم الراحمين، يا من لا تضرك معصية العاصين ولا تنفعك طاعة الطائعين

" رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ." (البقرة: 286)

اللهم احفظ ولي أمرنا وجنودنا على حدودنا

" سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " (الصافات180-182)

واقلِبوا أرديتكم تأسِّيا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

1438-2-12 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي