خطبة الاستسقاء 5

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 21 ربيع الثاني 1439هـ | عدد الزيارات: 1594 القسم: خطب الاستسقاء

الحمد للـه الغني الحميد ، الرزاق المجيد، خلق الخلق فكتب آجالهم، وقدر أرزاقهم، وأحصى أعمالهم، فلا تخفى عليه خافية منهم ، نحمده فهو أهل الحمد والثناء والمجد، ونشكره على ما أسدى من النعم، وما رفع من النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، " ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد" ، ( الشورى: 28) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، كان أكثر الناس افتقارا إلى اللـه تعالى، وتضرعا إليه، وإلحاحا عليه في الدعاء، صلى الله عليه وسلم وبارك وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .

أما بعد، عباد الله :

اتقوا الله تعالى وأطيعوه، ولوذوا به ، وأعظموا الرغبة فيه، وأنيبوا إليه، فإن ربكم يجيب الدعوات، ويكشف الكربات، ويجود بالخيرات " وما بكم من نعمة فمن اللـه ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون " (النحل: 53)

أيها الناس: استغفروا ربكم لكشف كربكم، استغفروه لسقيا أرضكم، استغفروه لإنبات زرعكم، استغفروه لكل شئونكم ، فإن الاستغفار إقرار بالذنب، ودعاء بالمغفرة، فإذا غفرت الذنوب تتابعت النعم، ودفعت النقم.

أيها المؤمنون: يلجأ البشر في كربهم إلى اللـه تعالى، وهم يعلمون أنه سبحانه أقرب إلى أحدهم من نفسه، وأعلم بحاله منه، ولن يكشف كربه سواه، ولذا تتابع البشر من شتى الأمم ومختلف الديانات على الاستسقاء، فنقل استسقاء عباد الأوثان المشركين على اختلاف معبوداتهم، كما عرف عند الكتابيين بمختلف طوائفهم وفرقهم، وعلمه المسلمون بما شرعه لهم النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة الاستسقاء وخطبتها ودعائها

عباد الله: إن تتابع البشر واتفاقهم على الاستسقاء له دلالات عظيمة ينبغي للمؤمن أن يفطن لها ويقف عندها، ليدرك عظمة الاستسقاء.

فمن تلكم الدلالات: اندحار الإلحاد والملحدين، فإن تتابع الأمم على الاستسقاء فيه إقرار بالخالق سبحانه وتعالى، واعتراف بفقرهم إليه سبحانه، وبقدرة اللـه تعالى على إنزال المطر وإنبات الزرع .

والعجيب أنه في الحقبة الشيوعية لما نشر الشيوعيون إلحادهم في الأرض، أجدبت بعض البلدان الشيوعية فذل الشيوعيون تحت وطأة الجدب والجفاف والحاجة للمطر، وسمحوا للمسلمين بالاستسقاء، وكان عتاة الملاحدة منهم يسخرون من استسقائهم، فلما سقيت البلاد بدعواتهم، كان الغيث المبارك منقذا للقلوب من الإلحاد، وللأرض من الجفاف، فأقبل الناس على دين اللـه تعالى أفواجا، وسقط الإلحاد والملاحدة

ومن دلالات تتابع الأمم على الاستسقاء: أن الله تعالى يسقيهم باستسقائهم ولو كانوا محرفين لأديانهم كأهل الكتاب، أو مخترعين لها كالوثنيين، لأنهم مضطرون، ودعاء المضطر مجاب ولو كان من كافر، ولأن الله تعالى لما خلق العباد تكفل بأرزاقهم مؤمنهم وكافرهم، والماء من أعظم الرزق وأهمه لكل البشر، وهذا من رحمة اللـه تعالى ليبقى الجنس البشري لا يفنى فليست سقيا الكفار إذا استسقوا دليلا على صحة دينهم، بل دليل على أنهم مضطرون، والله تعالى يقول "أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه " (النمل: 62)

ومن دلالات تتابع الأمم على الاستسقاء: أن الناس مفطورون على الهرع إلى اللـه تعالى في الشدائد والملمات، والتقرب له بأنواع القربات، قال الله تعالى عن اضطرار المشركين " فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون" (العنكبوت: 65)

فحريٌّ بأهل الإيمان أن يعرفوا الله تعالى في رخائهم، ويكثروا من دعائه ، فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تعرف إلى اللـه في الرخاء يعرفك في الشدة " صححه الألباني في صحيح الجامع ، وفي الحديث الآخر قال النبي صلى الله عليه وسلم "من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء " رواه الترمذي، وحسنه الألباني

ومن دلالات تتابع البشر على الاستسقاء: ما هديت له هذه الأمة المباركة من صور الاستسقاء الصحيحة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ونقلها عنه الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وتتابعت الأمة على نقلها حتى وصلتنا بلا تحريف ولا تبديل ولا تغيير

فنحمد الله تعالى أن هدانا للإسلام، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، فنستسقيه سبحانه بما رضيه لنا شرعا في الاستسقاء، فنؤجر على عبادة الاستسقاء مع ما ننعم به من الأمطار

نستغفر اللـه العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه

نستغفر اللـه العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه

اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغا إلى حين

اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والضنك والجهد ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء.

اللهم ارفع عنا الجهد ، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، وأمددنا بأموال وبنين واجعل لنا جنات وأنهاراً.

اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا غدقا طبقا سحا، نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل، اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغا للحاضر والباد

اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا، فأحيي به بلدة ميتا، وأسقه مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، ومتعه بالصحة والعافية، واجعل عمله في رضاك، ووفقه لخدمة الإسلام والمسلمين، واحفظ لنا بلادنا، وولاة أمرنا من حسد الحاسدين، وحقد الحاقدين، وعدوان المعتدين، ومؤامرة المتآمرين

" ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " (البقرة 201)

عباد اللـه: حولوا أرديتكم تفاؤلا أن ينزل المطر، وقولوا وأنتم مستقبلي القبلة، اللهم تقبل منا

" سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد للـه رب العالمين " (الصافات 180-182)

1439-4-21 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 8 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة