قصة موسى عليه السلام 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 28 ذو القعدة 1437هـ | عدد الزيارات: 1537 القسم: قصص الأنبياء -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

كلم الله موسى عليه السلام وأمره حينئذ بعشر كلمات، وقد قال كثير من علماء السلف وغيرهم: مضمون هذه العشر كلمات في آيتين من القرآن، وهما قوله في سورة الأنعام (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون، ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون، وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) وذكروا بعد العشر الكلمات وصايا كثيرة وأحكاما متفرقة عزيزة، كانت فزالت، وعمل بها حينا من الدهر ثم طرأ عليها عصيان من المكلفين بها ثم عمدوا إليها فبدلوها وحرفوها، ثم بعد ذلك كله سلبوها فصارت منسوخة مبدلة، بعدما كانت مشروعة مكملة فلله الأمر من قبل ومن بعد، وهو الذي يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين

وقد قال الله تعالى: (يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى، كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى، وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) يذكر تعالى منته وإحسانه إلى بني إسرائيل بما أنجاهم من أعدائهم وخلصهم من الضيق والحرج وأنه وعدهم صحبة نبيهم إلى جانب الطور الأيمن أي؛ لينزل عليه أحكاما عظيمة فيها مصلحة لهم في دنياهم وأخراهم وأنه تعالى أنزل عليهم في حال شدتهم وضرورتهم في سفرهم في الأرض التي ليس فيها زرع ولا ضرع، منا من السماء، يصبحون فيجدونه خلال بيوتهم، فيأخذون منه قدر حاجتهم في ذلك اليوم إلى مثله من الغد، ومن ادخر منه لأكثر من ذلك فسد، ومن أخذ منه قليلا كفاه، أو كثيرا لم يفضل عنه، فيصنعون منه مثل الخبز، وهو في غاية البياض والحلاوة، فإذا كان من آخر النهار غشيهم طير السلوى، فيقتنصون منها بلا كلفة ما يحتاجون إليه حسب كفايتهم لعشائهم

وإذا كان فصل الصيف ظلل الله عليهم الغمام، وهو السحاب الذي يستر عنهم حر الشمس وضوءها الباهر؛ كما قال تعالى في سورة البقرة: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون، وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون) إلى أن قال: (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم، وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون، وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون، ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون، وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون، وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم، وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون، ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون، وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) إلى أن قال: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) فذكر تعالى إنعامه عليهم، وإحسانه إليهم، بما يسر لهم من المن والسلوى، طعامين شهيين بلا كلفة ولا سعي لهم فيه، بل يُنزل الله المن باكرا، ويرسل عليهم طير السلوى عشيا، وأنبع الماء لهم؛ يضرب موسى عليه السلام حجرا كانوا يحملونه معهم بالعصا، فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا، لكل سبط عين منه تنبجس، ثم تتفجر ماء زلالا فيستقون فيشربون ويسقون دوابهم، ويدخرون كفايتهم وظلل عليهم الغمام من الحر

وهذه نعم من الله عظيمة، وعطيات جسيمة، فما رعوها حق رعايتها، ولا قاموا بشكرها وحق عبادتها ثم ضجر كثير منهم منها وتبرموا بها، وسألوا أن يُستبدلوا منها ببدلها، مما تُنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها

فقرعهم الكليم ووبخهم وأنبهم على هذه المقالة وعنفهم قائلا: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم) أي هذا الذي تطلبونه وتريدونه بدل هذه النعم التي أنتم فيها حاصل لأهل الأمصار الصغار والكبار موجود بها، وإذا هبطتم إليها، أي ونزلتم عن هذه المرتبة التي لا تصلحون لمنصبها - تجدون بها ما تشتهون وما ترومون مما ذكرتم من المآكل الدنية والأغذية الردية، ولكني لست أجيبكم إلى سؤال ذلك هاهنا، ولا أبلغكم ما تعنتم به من المنى، وكل هذه الصفات المذكورة عنهم الصادرة منهم، تدل على أنهم لم ينتهوا عما نهوا عنه؛ كما قال تعالى: (ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) أي فقد هلك وحق له والله الهلاك والدمار، وقد حل عليه غضب الملك الجبار

ولكنه تعالى مزج هذا الوعيد الشديد، بالرجاء لمن أناب وتاب ولم يستمر على متابعة الشيطان المريد، فقال: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) سؤال الرؤية قال تعالى: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين، ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين، وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين، سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين، والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) قال جماعة من السلف منهم ابن عباس ومسروق ومجاهد: الثلاثون ليلة هي شهر ذي القعدة بكماله، وأتمت أربعين ليلة بعشر من ذي الحجة

فعلى هذا يكون كلام الله له يوم عيد النحر، وفي مثله أكمل الله عز وجل لمحمد دينه، وأقام حجته وبراهينه

والمقصود أن موسى عليه السلام لما استكمل الميقات، وكان فيه صائما يقال إنه لم يستطعم الطعام، فلما كمل الشهر أخذ لحاء شجرة فمضغه ليطيب ريح فمه، فأمره الله أن يمسك عشرا أخرى، فصارت أربعين ليلة ولهذا ثبت في الحديث: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

فلما عزم على الذهاب استخلف على شعب بني إسرائيل أخاه هارون، المحبب المبجل الجليل وهو ابن أمه وأبيه، ووزيره في الدعوة إلى مصطفيه، فوصاه، وأمره وليس في هذا لعلو منزلته في نبوته منافاة

قال الله تعالى: (ولما جاء موسى لميقاتنا) أي في الوقت الذي أمر بالمجيء فيه (وكلمه ربه) أي كلمه الله من وراء حجاب، إلا أنه أسمعه الخطاب، فناداه وناجاه، وقربه وأدناه وهذا مقام رفيع ومعقل منيع، ومنصب شريف ومنزل منيف، فصلوات الله عليه تترى، وسلامه عليه في الدنيا والأخرى

ولما أعطي هذه المنزلة العلية والمرتبة السنية، وسمع الخطاب، سأل رفع الحجاب، فقال للعظيم الذي لا تدركه الأبصار القوى البرهان: (قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني) ثم بين تعالى أنه لا يستطيع أن يثبت عند تجليه تبارك وتعالى، لأن الجبل الذي هو أقوى وأكبر ذاتا وأشد ثباتا من الإنسان، لا يثبت عند التجلي من الرحمن، ولهذا قال: (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) وفي الصحيحين عن أبي موسى عن رسول الله أنه قال: حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه

وقال ابن عباس في قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار) ذاك نوره الذي هو نوره، إذا تجلى لشيء لا يقوم له شيء

ولهذا قال تعالى: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) قال مجاهد: (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) فإنه أكبر منك وأشد خلقا، (فلما تجلى ربه للجبل) فنظر إلى الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبل فدك على أوله، ورأى موسى ما يصنع الجبل فخر صعقا

وقد ذكر ابن كثير في تفسيره ما رواه ابن جرير عن أنس أن رسول الله قرأ: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) قال هكذا باصبعه، ووضع النبي الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر، فساخ الجبل

وروى السدي عن ابن عباس: ما تجلى - يعني من العظمة - منه إلا قدر الخنصر فجعل الجبل دكا، قال: ترابا، (وخر موسى صعقا) أي مغشيا عليه لقوله: (فلما أفاق) فإن الإفاقة إنما تكون عن غشي (قال سبحانك) تنزيه وتعظيم وإجلال أن يراه بعظمته أحد، (تبت إليك) أي فلست أسأل بعد هذه الرؤية، (وأنا أول المؤمنين) وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزى بصعقة الطور

ولا شك أنه صلوات الله وسلامه عليه، أفضل البشر بل الخليقة، قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وما كملوا إلا بشرف نبيهم

وثبت بالتواتر عنه، صلوات الله وسلامه عليه، أنه قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر" ثم ذكر اختصاصه بالمقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، الذي تحيد عنه الأنبياء والمرسلون، حتى أولوا العزم الأكملون: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم

وقوله : "فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش - أي آخذا بها - فلا أدري أفاق قبلي أم جوزى بصعقة الطور" دليل على أن هذا الصعق الذي يحصل للخلائق في عرصات القيامة، حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين عباده، فيُصعقون من شدة الهيبة والعظمة والجلاء، فيكون أولهم إفاقة محمد خاتم الأنبياء، ومصطفى رب الأرض والسماء على سائر الأنبياء، فيجد موسى باطشا بقائمة العرش قال الصادق المصدوق: "فلا أدري أصعق فأفاق قبلي" ؟ أي وكانت صعقته خفيفة، لأنه قد ناله بهذا السبب في الدنيا صعق، "أو جوزى بصعقة الطور" ؟ يعني فلم يصعق بالكلية

وهذا فيه شرف كبير لموسى عليه السلام من هذه الحيثية، ولا يلزم تفضيله بها مطلقا من كل وجه ولهذا نبه رسول الله على شرفه وفضيلته بهذه الصفة، لأن المسلم لما ضرب وجه اليهودي حين قال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، قد يحصل في نفوس المشاهدين لذلك هضم بجناب موسى عليه السلام، فبين النبي فضيلته وشرفه

وقوله تعالى: (قال ياموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي) أي في ذلك الزمان، لا فيما قبله، لأن إبراهيم الخليل أفضل منه، ولا ما بعده؛ لأن محمدا أفضل منهما، كما ظهر شرفه ليلة الإسراء على جميع المرسلين والأنبياء، وكما ثبت أنه قال: "سأقوم مقاما يرغب إلى الخلق حتى إبراهيم وقوله تعالى: (فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين) أي فخذ ما أعطيتك من الرسالة والكلام، ولا تسأل زيادة عليه، وكن من الشاكرين على ذلك

وقال الله تعالى: (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء) وكانت الألواح من جوهر نفيس، ففي الصحيح: أن الله كتب له في التوراة بيده، وفيها مواعظ عن الآثام، وتفصيل لكل ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام، (فخذها بقوة) أي بعزم ونية صادقة قوية (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) أن يضعوها على أحسن وجوهها وأجمل محاملها (سأريكم دار الفاسقين) أي سترون عاقبة الخارجين عن طاعتي، المخالفين لأمري، المكذبين لرسلي، (سأصرف عن آياتي) أي عن فهمها وتدبرها، وتعقل معناها الذي أريد منها، ودل عليه مقتضاها (الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) أي ولو شاهدوا مهما شاهدوا من الخوارق والمعجزات، لا ينقادون لإتباعها، (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا) أي لا يسلكوه ولا يتبعوه (وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا) أي صرفناهم عن ذلك لتكذيبهم بآياتنا، وتغافلهم عنها، وإعراضهم عن التصديق بها والتفكير في معناها، وترك العمل بمقتضاها (والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم قال الله تعالى: (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين، ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين، ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه، قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين، قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين، إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين، والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم، ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) وقال تعالى: (وما أعجلك عن قومك ياموسى، قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى، قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري، فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال ياقوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي، قالوا ما أخلفنا موعدك بمَلكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري، فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي، أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا، ولقد قال لهم هارون من قبل ياقوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمان فاتبعوني وأطيعوا أمري، قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى،قال ياهارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا، ألا تتبعن أفعصيت أمري، قال يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي، قال فما خطبك ياسامري، قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي، قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا، إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما) يذكر تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل، حين ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه فمكث على الطور يناجيه ربه ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء كثيرة وهو تعالى يجيبه عنها

فعمد رجل منهم يقال له هارون السامري، فأخذ ما كانوا استعاروه من الحلي، فصاغ منه عجلا وألقى فيه قبضة من التراب، كان أخذها من أثر فرس جبريل، حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه فلما ألقاها فيه كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كما تخور البقرة، فيرقصون حوله ويفرحون، (فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي) أي فنسي موسى ربه، وذهب يتطلبه وهو هاهنا! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وتقدست أسماؤه وصفاته، وتضاعفت آلاؤه

قال الله تعالى مبينا بطلان ما ذهبوا إليه، وما عولوا عليه من إلهية هذا الذي قُصاراه أن يكون حيوانا بهيما أو شيطانا رجيما: (أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا) وقال: (ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين) فذكر أن هذا الحيوان لا يتكلم ولا يرد جوابا، ولا يملك ضرا ولا نفعا، ولا يهدي إلى رشد، اتخذوه وهم ظالمون لأنفسهم، عالمون في أنفسهم بطلان ما هم عليه من الجهل والضلال، (ولما سُقط في أيديهم) أي ندموا على ما صنعوا (ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمْنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) ولما رجع موسى عليه السلام إليهم، ورأى ما هم عليه من عبادة العجل، ومعه الألواح المتضمنة التوراة، ألقاها حين عاين ما عاين

وظاهر القرآن أنها ألواح متعددة ولم يتأثر بمجرد الخبر من الله تعالى عن عبادة العجل، فأمره بمعاينة ذلك

ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس الخبر كالمعاينة) ثم أقبل عليهم فعنفهم ووبخهم وهجنهم في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه، بما ليس بصحيح، (قالوا إنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري) تحرجوا من تملك حلي آل فرعون وهم أهل حرب، وقد أمرهم الله بأخذه وأباحه لهم، ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل الجسد الذي له خوار، مع الواحد الأحد الفرد الصمد القهار

ثم أقبل على أخيه هارون عليه السلام قائلا له (يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا، ألا تتبعن) أي هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا، فقال: (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل) أي تركتهم وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم، (قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين) وقد كان هارون عليه السلام نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهي، وزجرهم عنه أتم الزجر

قال الله تعالى: (ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به) أي إنما قدر الله أمر هذا العجل وجعله يخور فتنة واختبارا لكم، (وإن ربكم الرحمان) أي لا هذا (فاتبعوني) أي فيما أقول لكم (وأطيعوا أمري، قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى) يشهد الله لهارون عليه السلام وكفى بالله شهيدا أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه

ثم أقبل موسى على السامري (قال فما خطبك يا سامري) أي ما حملك على ما صنعت (قال بصرت بما لم يبصروا به) أي رأيت جبرائيل وهو راكب فرسا (فقبضت قبضة من أثر الرسول) أي من أثر فرس جبريل ولهذا قال: (فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي، قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس) وهذا دعاء عليه بأن لا يمس أحدا، معاقبة له على مسه ما لم يكن له مسه، هذا معاقبة له في الدنيا، ثم توعده في الأخرى فقال: (وإن لك موعدا لن تُخلَفه) - وقرئ (لن تُخلِفه) (وانظر إلى إلهك الذي ظللت عليه عاكفا لنحَرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا) قال: فعمد موسى عليه السلام إلى هذا العجل، فحَرقه بالمبارد، كما قاله علي وابن عباس وغيرهما، وهو نص أهل الكتاب، ثم ذراه في البحر، وأمر بني إسرائيل فشربوا، فمن كان من عابديه علق على شفاههم من ذلك الرماد ما يدل عليه

ثم قال تعالى إخبارا عن موسى أنه قال لهم: (إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما) وقال تعالى: (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين) وهكذا وقع وقد قال بعض السلف: (وكذلك نجزي المفترين) مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة

ثم أخبر تعالى عن حلمه ورحمته بخلقه، وإحسانه على عبيده في قبوله توبة من تاب إليه، بتوبته عليه، فقال: (والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) لكن لم يقبل الله توبة عابدي العجل إلا بالقتل، كما قال تعالى: (وإذ قال موسى لقومه ياقوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم) فيقال إنهم أصبحوا يوما وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف، وألقى الله عليهم ضبابا حتى لا يعرف القريب قريبه ولا النسيب نسيبه، ثم مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم

ثم قال تعالى: (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) وليس في اللفظ ما يدل على أنها تكسرت

وهكذا عند أهل الكتاب، فإن عبادتهم العجل كانت قبل مجيئهم بلاد بيت المقدس وذلك أنهم لما أمروا بقتل من عبد العجل، قتلوا في أول يوم ثلاثة آلاف، ثم ذهب موسى يستغفر لهم، فغفر لهم بشرط أن يدخلوا الأرض المقدسة، (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتُك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) ذكر السدي وابن عباس وغيرهما أن هؤلاء السبعين كانوا علماء بني إسرائيل، ومعهم موسى وهارون ويوشع وناذاب وأبيهو، ذهبوا مع موسى عليه السلام ليعتذروا عن بني إسرائيل في عبادة من عبد منهم العجل وكانوا قد أُمروا أن يتطيبوا ويتطهروا ويغتسلوا، فلما ذهبوا معه واقتربوا من الجبل وعليه الغمام وعمود النور ساطع صعد موسى الجبل، (فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي) قال محمد بن إسحاق: اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلا: الخيِر فالخيِر، وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه بما صنعتم وسلوه التوبة على ما تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم

فخرج بهم إلى طور سيناء، لميقات وقته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم

فلما دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى فدخل في الغمام، وقال للقوم: ادنوا وكان موسى إذا كلمه الله، وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه فضُرب دونه الحجاب، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا، فلما فرغ الله من أمره وانكشف عن موسى الغمام أقبل إليهم فقالوا: (يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون) فأُتلفت أرواحهم فماتوا جميعا فقام موسى يناشد ربه ويدعوه، ويرغب إليه ويقول: (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) أي لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء الذين عبدوا العجل منا فإنا براء مما عملوا

وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج: إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل وقوله: (إن هي إلا فتنتُك) أي اختبارك وابتلاؤك وامتحانك قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو العالية والربيع بن أنس، وغير واحد من علماء السلف والخلف، يعني أنت الذي قدرت هذا، وخلقت ما كان من أمر العجل اختبارا تختبرهم به كما: (قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به) أي اختبرتم

ولهذا قال: (تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) أي من شئت أضللته باختبارك إياه، ومن شئت هديته، لك الحكم والمشيئة ولا مانع ولا راد لما حكمت وقضيت، (أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك) أي تبنا إليك ورجعنا وأنبنا قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو العالية وإبراهيم التيمي والضحاك والسدي وقتادة وغير واحد وهو كذلك في اللغة (قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء) أي أنا أعذب من شئت بما أشاء من الأمور التي أخلقها وأقدرها، (ورحمتي وسعت كل شيء) كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال: إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض كتب كتابا فهو موضوع عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي (فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) أي فسأوجبها حتما لمن يتصف بهذه الصفات (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) الآية

وهذا فيه تنويه بذكر محمد وأمته من الله لموسى عليه السلام، في جملة ما ناجاه به وأعلمه وأطلعه عليه

وقال قتادة: قال موسى: يا رب إني أجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد

قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون في الخلق، السابقون في دخول الجنة، رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد

قال: رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونها، وكان من قبلهم يقرأون كتابهم نظرا، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعرفوه، وإن الله أعطاهم من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم، قال: رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد

قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، ويقاتلون فضول الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد

قال: رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويؤجرون عليها وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها نارا فأكلتها، وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير، وإن الله أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم، قال: رب فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد

قال: رب فإني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال: رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد

قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المُشَفعون المشفوع لهم، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سأل موسى ربه عز وجل عن ست خصال كان يظن أنها له خالصة، والسابعة لم يكن موسى يحبها: قال: يا رب أي عبادك أتقى؟ قال: الذي يَذكر ولا ينسى قال: فأي عبادك أهدى؟ قال: الذي يتبع الهدى قال: فأي عبادك أحكم؟ قال: الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه قال: فأي عبادك أعلم؟ قال: عالم لا يشبع من العلم يجمع علم الناس إلى علمه قال: فأي عبادك أعز؟ قال: الذي إذا قدر غفر قال: فأي عبادك أغنى؟ قال: الذي يرضى بما يؤتى قال: فأي عبادك أفقر؟ قال: صاحب منقوص

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الغنى عن ظهر، إنما الغنى غنى النفس، وإذا أراد الله بعبد خيرا جعل غناه في نفسه وتقاه في قلبه، وإذا أراد الله بعبد شرا جعل فقره بين عينيه. رواه ابن حبان

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وصحبه أجمعين

28-11-1437 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر