الدرس 208 حجج المشركين على المصطفى محمد

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 19 شوال 1437هـ | عدد الزيارات: 1940 القسم: الفوائد الكتابية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعترض المشركون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعنتوا عليه في أسئلتهم إياه على وجه العناد، لا على وجه طلب الهدى والرشاد ; فلهذا لم يجابوا إلى كثير مما طلبوا ، ولا ما إليه رغبوا ; لعلم الحق سبحانه أنهم لو عاينوا وشاهدوا ما أرادوا ، لاستمروا في طغيانهم يعمهون ، ولظلوا في غيهم وضلالهم يترددون

قال الله تعالى: " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون" (الأنعام 109 - 111) وقال تعالى :" إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم " (يونس 96 - 97) وقال تعالى:" وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " (الإسراء 59) وقال تعالى :" وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا " (الإسراء 90 - 93)
وروى ابن إسحاق عن ابن عباس قال:" اجتمع عليَّةٌ من أشراف قريش وعدَّدَ أسماءَهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، فقال بعضُهُمْ لبعضٍ: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه إنَّ أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سريعا ، وهو يظن أنه قد بدا لهم في أمره بداء ، وكان حريصا يحب رشدهم ، ويعز عليه عنتهم ، حتى جلس إليهم ، فقالوا يا محمد ، إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك ، وإنا والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ; لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين ، وسفهت الأحلام ، وشتمت الآلهة ، وفرقت الجماعة ، وما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك ، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا ، وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي فربما كان ذلك ، بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما بي ما تقولون ، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولا ، وأنزل علي كتابا ، وأمرني أن أكون لكم بشيرا نذيرا ، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم من الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله ، حتى يحكم الله بيني وبينكم" ، أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا يا محمد ، فإن كنت غير قابل منَّا ما عرضنا عليك ، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادا ، ولا أقل مالا ، ولا أشد عيشا منا فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، وليبسط لنا بلادنا ، وليجر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب ; فإنه كان شيخا صدوقا ، فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل ؟ فإن فعلت ما سألناك وصدقوك ، صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله ، وأنه بعثك رسولا كما تقول فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما بهذا بُعثت، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به ، فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم ، فإن تقبلوه ، فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علي ، أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم " قالوا فإن لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك ; فسل ربك أن يبعث لنا ملكا يصدقك بما تقول ، ويراجعنا عنك ، وتسأله فيجعل لنا جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة ، ويغنيك عما نراك تبتغي ، فإنك تقوم في الأسواق ، وتلتمس المعايش كما نلتمسه ، حتى نعرف فضل منزلتك من ربك ، إن كنت رسولا كما تزعم فقال لهم " ما أنا بفاعل ، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا ، وما بعثت إليكم بهذا ، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا ، فإن تقبلوا ما جئتكم به ، فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علي ، أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم " قالوا فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ، فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل فقال " ذلك إلى الله ، إن شاء فعل بكم ذلك " فقالوا يا محمد ، ما عَلم ربك أنا سنجلس معك ، ونسألك عما سألناك عنه ، ونطلب منك ما نطلب ، فيتقدم إليك ويعلمك ما تراجعنا به ، ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به ؟ فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة ، يقال له الرحمن وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا ، فقد أَعذرنا إليك يا محمد ، أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا وقال قائلهم نحن نعبد الملائكة ، وهي بنات الله ، وقال قائلهم لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا فلما قالوا ذلك ، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب ، فقال يا محمد ، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ; ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب ، فوالله لا أومن لك أبدا ، حتى تتخذ إلى السماء سُلما ، ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة ، ومعك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول ، وايم الله ، لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك ثم انصرف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهله حزينا أسفا؛ لما فاته مما طمع فيه من قومه حين دعوه ولِما رأى من مباعدتهم إياه.

وهذا المجلس الذي اجتمع عليه هؤلاء الملأ مجلس ظلم وعدوان وعناد ، ولهذا اقتضت الحكمة الإلهية والرحمة الربانية ألا يجابوا إلى ما سألوا ; لأن الله علم أنهم لا يؤمنون بذلك ، فيعاجلهم بالعذاب

وروى محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال بعثت قريش النضْر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة ، فقالوا لهما سلوهم عن محمد وصِفا لهم صفته ، وأخبِراهم بقوله ، فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألا أحبار يهود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووصفا لهم أمره وبعض قوله ، وقالا إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا قال فقالت لهم أحبار يهود سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فرُوا فيه رأيكم; سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب ، وسلوه عن رجل طواف طاف مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ، ما هي؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه ، وإن لم يخبركم فهو رجل متقول ، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش ، فقالا يا معشر قريش ، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور فأخبَراهم بها فجاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا يا محمد ، أخبرنا فسألوه عما أمروهم به فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أخبركم غدا بما سألتم عنه " ولم يستثن ، فانصرفوا عنه ، ومكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة ليلة ، لا يُحْدث الله إليه في ذلك وحيا ، ولا يأتيه جبريل ، حتى أرجف أهل مكة ، وقالوا وعدنا محمد غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة ، قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ، وحتى أَحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكْث الوحي عنه ، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاءه جبريل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف ، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم ، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف ، وقول الله تعالى :"ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" (الإسراء 85)، ونزل قوله :" أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " (الكهف 9) ثم شرع في تفصيل أمرهم ، واعترض في الوسط بتعليمه الاستثناء ، تحقيقا لا تعليقا ، في قوله:" ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت " الكهف 23 ، 24 ثم ذكر قصة موسى ; لتعلقها بقصة الخضر ثم ذي القرنين ثم قال :" ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا" الكهف 83 ثم شرح أمره ، وحكى خبره ، وقال " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي" أي خلق عجيب من خلقه ، وأمْرٌ من أمره ، قال لها كوني فكانت ، وليس لكم الاطلاع على كل ما خلقه ، وتفسير كيفيته في نفس الأمر يصعب عليكم ، بالنسبة إلى قدرة الله تعالى وحكمته ; ولهذا قال" وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " الإسراء 85 وقد ثبت في " الصحيحين " أن اليهود سألوا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فتلا عليهم هذه الآية و ذكرها جوابا ، وإن كان نزولها متقدما

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

19-10-1437 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 5 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي