الدرس 207 الهجرة إلى الحبشة

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 22 شوال 1437هـ | عدد الزيارات: 1917 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

روى الواقدي أن خروجهم إليها في رجب سنة خمس من البعثة ، وأن أول من هاجر منهم أحد عشر رجلا وأربع نسوة ، وأنهم انتهوا إلى البحر ما بين ماشٍ وراكبٍ ، فاستأجروا سفينة بنصف دينار إلى الحبشة ، وهم: عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل ، والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية ، وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة العَنْزي وامرأته ليلى بنت أبي حثمة ، وأبو سبرة بن أبي رهم ويقال : حاطب بن عمرو وسهيل بن بيضاء وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين
وقال محمد بن إسحاق : فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يصيب أصحابه من البلاء ، وما هو فيه من العافية بمكانه من الله عز وجل ، ومن عمه أبي طالب وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء ، قال لهم : " لو خرجتم إلى أرض الحبشة ; فإن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق ، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه " ، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض الحبشة ; مخافة الفتنة ، وفرارا إلى الله بدينهم ، فكانت أول هجرة كانت في الإسلام فكان أول من خرج من المسلمين عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

قال ابن إسحاق : أبو حذيفة بن عتبة وزوجته سهلة بنت سهيل بن عمرو وولدت له بالحبشة محمد بن أبي حذيفة والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة وولدت له بها زينب وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة ، حليف آل الخطاب ، وهو من بني عنز بن وائل وامرأته ليلى بنت أبي حثمة ، وأبو سبرة بن أبي رهم العامري وامرأته أم كلثوم ، بنت سهيل بن عمرو
قال ابن إسحاق أيضاً: ثم خرج جعفر بن أبي طالب ومعه امرأته أسماء بنت عميس ، وولدت له بها عبد الله بن جعفر وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة

ثم إن ابن إسحاق سرد الخارجين صحبة جعفر رضي الله عنهم ، وهم ; عمرو بن سعيد بن العاص وامرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث بن شق الكناني ، وأخوه خالد وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد الخزاعي وولدت له بها سعيدا وأمة التي تزوجها بعد ذلك الزبير فولدت له عمرا وخالدا قال : وعبد الله بن جحش بن رئاب وأخوه عبيد الله ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وقيس بن عبد الله ، من بني أسد بن خزيمة وامرأته بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان ، ومعيقيب بن أبي فاطمة ، وهو من موالي آل سعيد بن العاص قال ابن هشام : وهو من دوس قال : وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس حليف آل عتبة بن ربيعة وعتبة بن غزوان ويزيد بن زمعة بن الأسود وعمرو بن أمية بن الحارث بن أسد وطليب بن عمير بن وهب بن أبي كثير بن عبد وسويبط بن سعد بن حرملة وجهم بن قيس العبدري ومعه امرأته أم حرملة بنت عبد الأسود بن خزيمة ، وولداه عمرو بن جهم وخزيمة بن جهم وأبو الروم بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة وعامر بن أبي وقاص أخو سعد والمطلب بن أزهر بن عبد عوف الزهري وامرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة وولدت له بها عبد الله وعبد الله بن مسعود وأخوه عتبة والمقداد بن الأسود والحارث بن خالد بن صخر التيمي وامرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة وولدت له بها موسى وعائشة ، وزينب ، وفاطمة وعمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة وشماس بن عثمان بن الشريد المخزومي قال : وإنما سمي شماسا لحسنه ، وأصل اسمه عثمان بن عثمان وهبار بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي وأخوه عبد الله وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وسلمة بن هشام بن المغيرة وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة ومعتب بن عوف بن عامر ويقال له : عيهامة وهو من حلفاء بني مخزوم قال : وقدامة وعبد الله أخوا عثمان بن مظعون والسائب بن عثمان بن مظعون وحاطب بن الحارث بن معمر ومعه امرأته فاطمة بنت المجلل ، وابناه منها محمد والحارث وأخوه حطاب وامرأته فكيهة بنت يسار ، وسفيان بن معمر بن حبيب وامرأته حسنة ، وابناه منها جابر وجنادة وابنها من غيره وهو شرحبيل بن عبد الله أحد الغوث بن مزاحم بن تميم وهو الذي يقال له : شرحبيل بن حسنة وعثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حذافة بن جمح وخنيس بن حذافة بن قيس بن عدي وعبد الله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم وهشام بن العاص بن وائل بن سعيد وقيس بن حذافة بن قيس بن عدي وأخوه عبد الله وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي وإخوته الحارث ومعمر والسائب وبشر وسعيد أبناء الحارث بن قيس بن عدي وأخو بشر بن الحارث بن قيس بن عدي لأمه ، وهو سعيد بن عمرو التميمي وعمير بن رئاب بن حذيفة بن مهشم بن سعيد بن سهم وحليف لبني سهم ، وهو محمية بن جزء الزبيدي ومعمر بن عبد الله العدوي وعروة بن عبد العزى وعدي بن نضلة بن عبد العزى وابنه النعمان وعبد الله بن مخرمة العامري وعبد الله بن سهيل بن عمرو وسليط بن عمرو وأخوه السكران ومعه زوجته سودة بنت زمعة ، ومالك بن زمعة وامرأته عمرة بنت السعدي ، وحاطب بن عمرو العامري وحليفهم سعد بن خولة وهو من اليمن وأبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري وسهيل بن بيضاء وهي أمه واسمها دعد بنت جحدم بن أمية بن ظرب بن الحارث بن فهر وهو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث وعمرو بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث وعياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة

عن أم سلمة رضي الله عنها ، أنها قالت لما ضاقت علينا مكة ، وأوذي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفتنوا ، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع دفع ذلك عنهم ، وكان رسول الله في منعة من قومه ومن عمه ، لا يصل إليه شيء مما يكره ومما ينال أصحابه ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده ، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه " فخرجنا إليها أرسالا حتى اجتمعنا بها ، فنزلنا بخير دار إلى خير جار آمنين على ديننا ، ولم نخش فيها ظلما ، فلما رأت قريش أنا قد أصبنا دارا وأمنا ، اجتمعوا على أن يبعثوا إلى النجاشي فينا ، ليخرجونا من بلاده وليردنا عليهم ، فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة فجمعوا له هدايا ولبطارقته ، فلم يدعوا منهم رجلا إلا هيؤوا له هدية على حدة ، وقالوا لهما : ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تتكلموا فيهم ، ثم ادفعوا إليه هداياه ، فإن استطعتم أن يردهم عليكم قبل أن يكلمهم فافعلوا فقدما عليه ، فلم يبق بطريق من بطارقته إلا قدموا إليه هديته وكلموه ، وقالوا له : إنما قدمنا على هذا الملك في سفهائنا ، فارقوا أقوامهم في دينهم ، ولم يدخلوا في دينكم فبعثنا قومهم ليردهم الملك عليهم ، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل فقالوا : نفعل ثم قدموا إلى النجاشي هداياه ، وكان من أحب ما يهدون إليه من مكة الأدم وذكر موسى بن عقبة أنهم أهدوا إليه فرسا وجبة ديباج فلما أدخلوا عليه هداياه ، قالوا له : أيها الملك إن فتية منا سفهاء فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه ، وقد لجؤوا إلى بلادك ، وقد بعثنا إليك فيهم عشائرهم ، آباؤهم وأعمامهم وقومهم لتردهم عليهم ، فإنهم أعلى بهم عينا فقالت بطارقته : صدقوا أيها الملك ، لو رددتهم عليهم ، كانوا هم أعلى بهم عينا ، فإنهم لن يدخلوا في دينك فتمنعهم لذلك فغضب ، ثم قال : لا ، لعمر الله لا أردهم عليهم حتى أدعوهم ، فأكلمهم وأنظر ما أمرهم ، قوم لجؤوا إلى بلادي ، واختاروا جواري على جوار غيري ، فإن كانوا كما يقولون رددتهم عليهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم ، ولم أدخل بينهم وبينهم ، ولم أنعمهم عينا وذكر موسى بن عقبة أن أمراءه أشاروا عليه بأن يردهم إليهم ، فقال : لا والله حتى أسمع كلامهم ، وأعلم على أي شيء هم عليه فلما دخلوا عليه ، سلموا ولم يسجدوا له ، فقال : أيها الرهط ألا تحدثوني ما لكم لا تحيوني كما يحييني من أتانا من قومكم ؟ وأخبروني ماذا تقولون في عيسى ، وما دينكم ؟ أنصارى أنتم ؟ قالوا : لا قال : أفيهود أنتم ؟ قالوا : لا قال فعلى دين قومكم ؟ قالوا : لا قال : فما دينكم ؟ قالوا : الإسلام قال : وما الإسلام ؟ قالوا : نعبد الله لا نشرك به شيئا قال : من جاءكم بهذا ؟ قالوا : جاءنا به رجل من أنفسنا ، قد عرفنا وجهه ونسبه ، بعثه الله إلينا كما بعث الرسل إلى من قبلنا ، فأمرنا بالبر والصدقة والوفاء وأداء الأمانة ، ونهانا أن نعبد الأوثان ، وأمرنا بعبادة الله وحده لا شريك له ، فصدقناه وعرفنا كلام الله ، وعلمنا أن الذي جاء به من عند الله ، فلما فعلنا ذلك عادانا قومنا ، وعادوا النبي الصادق وكذبوه ، وأرادوا قتله ، وأرادونا على عبادة الأوثان ، ففررنا إليك بديننا ودمائنا من قومنا قال : والله إن هذا لمن المشكاة التي خرج منها أمر موسى قال جعفر : وأما التحية ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا أن تحية أهل الجنة السلام ، وأمرنا بذلك فحييناك بالذي يحيي بعضنا بعضا ، وأما عيسى ابن مريم فعبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وابن العذراء البتول فأخذ عودا وقال : والله ما زاد ابن مريم على هذا وزن هذا العود فقال عظماء الحبشة : والله لئن سمعت الحبشة لتخلعنك فقال : والله لا أقول في عيسى غير هذا أبدا وما أطاع الله الناس في حين رد علي ملكي ، فأطيع الناس في دين الله ، معاذ الله من ذلك وقال يونس عن ابن إسحاق فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم ، ولم يكن شيء أبغض لعمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم ، فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم ، فقالوا : ماذا تقولون ؟ فقالوا : وماذا نقول ؟ نقول والله ما نعرف ، وما نحن عليه من أمر ديننا ، وما جاء به نبينا - صلى الله عليه وسلم - كائنا في ذلك ما كان فلما دخلوا عليه ، كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له النجاشي : ما هذا الدين الذي أنتم عليه ؟ فارقتم دين قومكم ، ولم تدخلوا في يهودية ، ولا نصرانية ، فما هذا الدين ؟ فقال له جعفر : أيها الملك ، كنا قوما على الشرك ، نعبد الأوثان ، ونأكل الميتة ، ونسيء الجوار ، ونستحل المحارم بعضنا من بعض ، في سفك الدماء وغيرها ، لا نحل شيئا ولا نحرمه ، فبعث الله إلينا نبيا من أنفسنا ، نعرف وفاءه وصدقه وأمانته ، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له ، ونصل الأرحام ، ونحمي الجوار ، ونصلي لله عز وجل ، ونصوم له ، ولا نعبد غيره

وقال زياد عن ابن إسحاق : فدعانا إلى الله ; لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام قال : فعدوا عليه أمور الإسلام فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من عند الله ، فعبدنا الله وحده لا شريك له ولم نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا ، وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك قالت : فقال النجاشي : هل معك شيء مما جاء به ؟ وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله فقال له جعفر : نعم قال : هلم فاتل علي مما جاء به فقرأ عليه صدرا من" كهيعص" مريم : 1 فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ، ثم قال : إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى ، انطلقوا راشدين ، لا والله لا أردهم عليكم ، ولا أنعمكم عينا فخرجنا من عنده ، وكان أتقى الرجلين فيناعبد الله بن أبي ربيعة فقال عمرو بن العاص : والله لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم ، ولأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذي يعبد عيسى ابن مريم عبد فقال له عبد الله بن أبي ربيعة : لا تفعل ، فإنهم وإن كانوا خالفونا فإن له رحما ولهم حقا فقال : والله لأفعلن فلما كان الغد دخل عليه ، فقال : أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما فأرسل إليهم فسلهم عنه فبعث والله إليهم ، ولم ينزل بنا مثلها ، فقال بعضنا لبعض : ماذا تقولون له في عيسى إن هو سألكم عنه ؟ فقالوا : نقول والله الذي قاله الله فيه والذي أمرنا نبينا أن نقوله فيه فدخلوا عليه وعنده بطارقته فقال : ما تقولون في عيسى ابن مريم ؟ فقال له جعفر : نقول هو عبد الله ورسوله ، وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول فدلى النجاشي يده إلى الأرض فأخذ عودا بين أصبعيه فقال : ما عدا عيسى ابن مريم مما قلت هذا العويد فتناخرت بطارقته فقال : وإن تناخرتم والله ، اذهبوا فأنتم سيوم في الأرض والسيوم : الآمنون في الأرض من سبكم غرم ، من سبكم غرم ، من سبكم غرم ، ثلاثا ، ما أحب أن لي دبرا ، وأني آذيت رجلا منكم والدبر بلسانهم : الذهب وقال زياد عن ابن إسحاق : ما أحب أن لي دبرا من ذهب قال ابن هشام : ويقال : دبرى وهو الجبل بلغتهم ثم قال النجاشي : فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، ولا أطاع الناس في فأطيع الناس فيه ، ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها ، واخرجا من بلادي ، فخرجا مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به قالت : فأقمنا مع خير جار في خير دار ، فلم ينشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه ، فوالله ما علمنا حزنا حزنا قط كان أشد منه فرقا من أن يظهر ذلك الملك عليه فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرفه ، فجعلنا ندعو الله ونستنصره للنجاشي فخرج إليه سائرا ، فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضهم لبعض : من رجل يخرج فيحضر الوقعة حتى ينظر على من تكون ؟ فقال الزبير وكان من أحدثهم سنا : أنا فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ، ثم خرج يسبح عليها في النيل ، حتى خرج من شقه الآخر إلى حيث التقى الناس ، فحضر الوقعة ، فهزم الله ذلك الملك وقتله ، وظهر النجاشي عليه ، فجاءنا الزبير فجعل يلمع لنا بردائه ، ويقول : ألا فأبشروا ، فقد أظهر الله النجاشي قلت : فوالله ما علمنا أننا فرحنا بشيء قط فرحنا بظهور النجاشي ثم أقمنا عنده حتى خرج من خرج منا راجعا إلى مكة ، وأقام من أقام

قال الزهري : فحدثْتُ هذا الحديث عروة بن الزبير عن أم سلمة ، فقال عروة : أتدري ما قوله : ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ولا أطاع الناس في فأطيع الناس فيه ؟ فقلت : لا ، ما حدثني ذلك أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة فقال عروة : فإن عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه ، وكان له أخ ، له من صلبه اثنا عشر رجلا ، ولم يكن لأبي النجاشي ولد غير النجاشي فأدارت الحبشة رأيها بينها ، فقالوا : لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه ، فإن له اثنا عشر رجلا من صلبه فتوارثوا الملك ، لبقيت الحبشة عليهم دهرا طويلا ، لا يكون بينهم اختلاف فعدوا عليه فقتلوه وملكوا أخاه ، فدخل النجاشي لعمه حتى غلب عليه ، فلا يدبر أمره غيره ، وكان لبيبا حازما من الرجال ، فلما رأت الحبشة مكانه من عمه ، قالوا : لقد غلب هذا الغلام على أمر عمه ، فما نأمن أن يملكه علينا ، وقد عرف أنا قتلنا أباه ، فلئن فعل لم يدع منا شريفا إلا قتله ، فكلموه فيه فليقتله أو ليخرجنه من بلادنا فمشوا إلى عمه ، فقالوا : قد رأينا مكان هذا الفتى منك ، وقد عرفت أنا قتلنا أباه وجعلناك مكانه ، وإنا لا نأمن أن يملك علينا فيقتلنا ، فإما أن تقتله ، وإما أن تخرجه من بلادنا قال : ويحكم : قتلتم أباه بالأمس ، وأقتله اليوم ؟ بل أخرجه من بلادكم فخرجوا به فوقفوه في السوق وباعوه من تاجر من التجار بستمائة درهم أو بسبعمائة ، فقذفه في سفينة ، فانطلق به ، فلما كان العشي هاجت سحابة من سحائب الخريف ، فخرج عمه يتمطر تحتها ، فأصابته صاعقة فقتلته ، ففزعوا إلى ولده ، فإذا هم محمقون ، ليس في أحد منهم خير ، فمرج على الحبشة أمرهم ، فقال بعضهم لبعض : تعلمون والله أن ملككم الذي لا يصلح أمركم غيره للذي بعتم الغداة ، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه قبل أن يذهب فخرجوا في طلبه فأدركوه فردوه ، فعقدوا عليه تاجه ، وأجلسوه على سريره وملكوه ، فقال التاجر : ردوا علي مالي كما أخذتم مني غلامي فقالوا : لا نعطيك فقال : إذا والله لأكلمنه فقالوا : وإن فمشى إليه فكلمه ، فقال : أيها الملك ، إني ابتعت غلاما فقبض مني الذين باعوه ثمنه ، ثم عدوا على غلامي فنزعوه من يدي ولم يردوا علي مالي فكان أول ما خبر به من صلابة حكمه وعدله أن قال : لتردن عليه ماله ، أو لتجعلن يد غلامه في يده فليذهبن به حيث شاء فقالوا : بل نعطيه ماله فأعطوه إياه فلذلك يقول : ما أخذ الله مني الرشوة فآخذ الرشوة حين رد علي ملكي وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه

وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم إلى المصلى ، فصف بهم وكبر أربع تكبيرات

وروى البخاري عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين مات النجاشي : " مات اليوم رجل صالح ، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة"

وقيصرٌ عَلمٌ لكل من ملك الشام مع الجزيرة من بلاد الروم ، وكسرى عَلمٌ على من ملك الفرس ، وفرعونُ عَلمٌ لمن ملك مصر كافة والمقوقس لمن ملك الإسكندرية ، وتُبع لمن ملك اليمن ، والشحر والنجاشي لمن ملك الحبشة ، وبطليموس لمن ملك اليونان.

وقال بعض العلماء : إنما صلى عليه ; لأنه كان يكتم إيمانه من قومه ، فلم يكن عنده يوم مات من يصلي عليه ; فلهذا صلى عليه صلى الله عليه وسلم

وروى البيهقي عن أبي قتادة الحارث بن ربعي قال :" قدِمَ وفدُ النَّجاشيِّ على النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقامَ يخدِمُهُم فقَالَ أصحابُه : نحنُ نَكفيكَ يا رسولَ اللَّهِ ، قال : إنَّهم كانوا لأَصحَابي مُكرِمينَ ، فإنِّي أحبُّ أن أُكافئَهُمْ "

وقال ابن إسحاق : ولما قدم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة على قريش ، ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وردهم النجاشي بما يكرهون ، وأسلم عمر بن الخطاب وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره ، امتنع به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبحمزة حتى عازوا قريشا ، فكان عبد الله بن مسعود يقول : ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتل قريشا ، حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه

وثبت في " صحيح البخاري " عن ابن مسعود أنه قال :" ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب"

وقال زياد البكائي: قال ابن مسعود : إن إسلام عمر كان فتحا ، وإن هجرته كانت نصرا ، وإن إمارته كانت رحمة ، ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتل قريشا ، حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه

قال ابن إسحاق : وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحبشة عن أم عبد الله بنت أبي حثمة ، قالت : والله إنا لنترحل إلى أرض الحبشة ، وقد ذهب عامر في بعض حاجتنا ، إذ أقبل عمر حتى وقف علي وهو على شركه قالت : وكنا نَلقى منه بلاء ; أذى لنا وشدة علينا قالت : فقال إنه للانطلاق يا أم عبد الله ؟ قلت : نعم ، والله لنخرجن في أرض الله إذ آذيتمونا ، وقهرتمونا ، حتى يجعل الله لنا مخرجا قالت : فقال : صحبكم الله ورأيت له رقة لم أكن أراها ، ثم انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا قالت : فجاء عامر بحاجته تلك ، فقلت له : يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا قال : أطمعت في إسلامه ؟ قالت : قلت : نعم قال : لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب قالت : يأسا منه ; لما كان يرى من غلظته وقسوته على الإسلام

قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي عن أصحابه عطاء ومجاهد وعمن روى ذلك ، أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه ، أنه كان يقول : كنت للإسلام مباعدا ، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأشربها ، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة ، فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك ، فلم أجد فيه منهم أحدا فقلت : لو أني جئت فلانا الخمار ، لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها ، فخرجت فجئته فلم أجده ، قال : فقلت : لو أني جئت الكعبة فطفت سبعا أو سبعين قال : فجئت المسجد ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي وكان إذا صلى استقبل الشام ، وجعل الكعبة بينه وبين الشام ، وكان مصلاه بين الركنين الأسود واليماني قال : فقلت حين رأيته : والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول فقلت : لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنه فجئت من قبل الحجر ، فدخلت تحت ثيابها فجعلت أمشي رويدا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي يقرأ القرآن ، حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة قال : فلما سمعت القرآن رق له قلبي ، وبكيت ، ودخلني الإسلام ، فلم أزل في مكاني قائما ، حتى قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته ثم انصرف ، وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين وكان مسكنه في الدار الرقطاء التي كانت بيد معاوية قال عمر : فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر أدركته ، فلما سمع حسي عرفني ، فظن أني إنما اتبعته لأؤذيه ، فنهمني ثم قال : " ما جاء بك يا بن الخطاب هذه الساعة ؟ ! " قال قلت : جئت لأومن بالله وبرسوله ، وبما جاء من عند الله قال : فحمد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : " قد هداك الله يا عمر ! " ثم مسح صدري ، ودعا لي بالثبات ، ثم انصرفت ، ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيته

وروى ابن إسحاق عن ابن عمر قال : لما أسلم عمر قال أي قريش أنقل للحديث ؟ فقيل له : جميل بن معمر الجمحي فغدا عليه قال عبد الله : وغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل ، وأنا غلام أعقل كل ما رأيت حتى جاءه ، فقال له : أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد ؟ قال : فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه ، واتبعه عمر واتبعت أبي ، حتى قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش وهم في أنديتهم حول الكعبة ألا إن ابن الخطاب قد صبأ قال : يقول عمر من خلفه : كذب ، ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله وثاروا إليه ، فما برح يقاتلهم ويقاتلونه ، حتى قامت الشمس على رؤوسهم قال : وطلح فقعد ، وقاموا على رأسه ، وهو يقول : افعلوا ما بدا لكم ، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا قال فبينما هم على ذلك ، إذ أقبل شيخ من قريش ، عليه حلة حبرة وقميص موشى ، حتى وقف عليهم ، فقال : ما شأنكم، فقالوا : صبأ عمر قال : فمه ! رجل اختار لنفسه أمرا ، فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبهم هكذا، خلوا عن الرجل قال : فوالله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه قال : فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة : يا أبت ، من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت ، وهم يقاتلونك ؟ قال : ذاك ، أي بني العاص بن وائل السهمي وهذا إسناد جيد قوي ، وهو يدل على تأخر إسلام عمر ; لأن ابن عمر عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة ، وكانت أحد في سنة ثلاث من الهجرة ، وقد كان مميزا يوم أسلم أبوه ، فيكون إسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين ، وذلك بعد البعثة بنحو من تسع سنين والله أعلم .

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

22-10-1437 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 1 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي