الدرس 210 إقامة الحجة على مشركي قريش

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 16 شوال 1437هـ | عدد الزيارات: 1602 القسم: الفوائد الكتابية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

روى البيهقي عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش ، وكان ذا سن فيهم ، وقد حضر الموسم ، فقال : إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قول بعضكم بعضا فقيل : يا أبا عبد شمس فقل : وأقم لنا رأيا نقوم به فقال : بل أنتم ، فقولوا وأنا أسمع فقالوا : نقول : كاهن فقال : ما هو بكاهن ; فقد رأيت الكهان ، فما هو بزمزمة الكهان فقالوا : نقول : مجنون فقال : ما هو بمجنون ، ولقد رأينا الجنون ، وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته فقالوا نقول : شاعر فقال : ما هو بشاعر ، قد عرفنا الشعر برجزه ، وهزجه ، وقريضه ، ومقبوضه ، ومبسوطه ، فما هو بالشعر قالوا فنقول : هو ساحر قال : ما هو بساحر ، قد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثه ، ولا بعقده قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لمغدق ، وإن فرعه لجنى ، فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول لأن تقولوا : ساحر فتقولوا : هو ساحر يفرق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وعشيرته فتفرقوا عنه بذلك ، فجعلوا يجلسون للناس حتى قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه ، وذكروا لهم أمره ، وأنزل الله في الوليد قوله :" ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا،" الآيات وفي أولئك النفر قوله:" الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون." (الحجر : 91 - 93 )

وفي ذلك قال الله تعالى إخبارا عن جهلهم وقلة عقلهم :" بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون." (الأنبياء : 5) فحاروا ماذا يقولون فيه ، فكل شيء يقولونه باطل؛ لأن من خرج عن الحق مهما قاله أخطأ ، قال الله تعالى : "انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا." (الفرقان : 9)

قال ابن إسحاق: قال عتبة : يا معشر قريش ، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه ، وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها ، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيدون ويكثرون فقالوا : بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا ابن أخي ، إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة ، والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ، وسفهت به أحلامهم ، وعبت به آلهتهم ودينهم ، وكفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني حتى أعرض عليك أمورا تنظر فيها ، لعلك تقبل منها بعضها قال : فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أبا الوليد أسمع " قال : يا ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا ، سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه ، لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا ، حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل ، حتى يداوى منه أو كما قال له حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمع منه ، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أفرغت يا أبا الوليد ؟ " قال : نعم قال : " فاسمع مني " قال : أفعل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بسم الله الرحمن الرحيم{ حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها ، فلما سمع بها عتبة أنصت لها ، وألقى بيديه خلفه أو خلف ظهره معتمدا عليهما ; ليسمع منه ، حتى انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السجدة فسجدها ، ثم قال : " سمعت يا أبا الوليد ؟ " قال : سمعت قال : " فأنت وذاك " ثم قام عتبة إلى أصحابه ، فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله ، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلسوا إليه ، قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني والله قد سمعت قولا ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ، ولا الكهانة ، يا معشر قريش ، أطيعوني واجعلوها بي ، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب ، فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب ، فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به ، قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال : هذا رأيي لكم ، فاصنعوا ما بدا لكم

وروى البيهقي عن الزهري قال : حُدثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي بالليل في بيته ، فأخذ كل رجل منهم مجلسا ليستمع منه ، وكل لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فتلاوموا ، وقال بعضهم لبعض : لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا ، حتى إذا كانت الليلة الثانية ، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا ، فلما كانت الليلة الثالثة ، أخذ كل رجل منهم مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فقالوا : لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود فتعاهدوا على ذلك ، ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته ، فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد فقال : يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها فقال الأخنس : وأنا والذي حلفت به ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته ، فقال : يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال : ماذا سمعت ! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ، أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب ، وكنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء ، فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نسمع به أبدا ، ولا نصدقه فقام عنه الأخنس بن شريق

كما روى البيهقي أيضاً عن المغيرة بن شعبة قال : إن أول يوم عرفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني كنت أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة ، إذ لقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي جهل : " يا أبا الحكم هلم إلى الله وإلى رسوله ، أدعوك إلى الله " فقال أبو جهل : يا محمد ، هل أنت منته عن سب آلهتنا ؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت ؟ فنحن نشهد أن قد بلغت ، فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حق لاتبعتك فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقبل علي فقال : والله إني لأعلم أن ما يقول حق ، ولكن يمنعني شيء ; إن بني قصي ، قالوا : فينا الحجابة فقلنا : نعم ثم قالوا : فينا السقاية فقلنا : نعم ثم قالوا : فينا الندوة فقلنا : نعم ثم قالوا فينا اللواء فقلنا : نعم ثم أطعموا وأطعمنا ، حتى إذا تحاكت الركب ، قالوا : منا نبي والله لا أفعل

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوار بمكة : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها (الإسراء : 110) قال : كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ، وسبوا من أنزله ، ومن جاء به قال : فقال الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك ، فيسمع المشركون ، فيسبوا القرآن ، ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن ، حتى يأخذوه عنك وابتغ بين ذلك سبيلا ورواه البخاري ومسلم من حديث أبي بشر

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/10/16 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 5 =

/500
روابط ذات صلة