الدرس 211 محنة المسلمين في أول دخولهم الإسلام

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 15 شوال 1437هـ | عدد الزيارات: 1529 القسم: الفوائد الكتابية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال ابن إسحاق: إن قريشاً عَدوا على من أسلم واتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه ، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين ، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش ، وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر، من استضعفوه منهم ، يفتنونهم عن دينهم ، فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبهم ، ومنهم من يعصمه الله منهم ، فكان بلال مولى أبي بكر لبعض بني جُمَح مولدا من مُوَلِدِيهِم ، وهو بلال بن رباح وكان اسم أمه حمامة ، وكان صادق الإسلام ، طاهر القلب ، وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول له : لا والله لا تزال هكذا حتى تموت ، أو تكفر بمحمد ، وتعبد اللات والعزى فيقول وهو في ذلك : أحد أحد

وقد اشترى أبو بكر بلالا والحجارة على صدره بخمس أواق ذهبا من أمية بن خلف، فقال: لو أبيت إلا أوقية لبعتك إياه، فقال أبو بكر: لو أبيت إلا مائة أوقية لأخذتُه، فأعتقه وأراحه من العذاب ، وذُكر مشتراه لجماعة ممن أسلم من العبيد والإماء : منهم بلال وعامر بن فُهيرة وأم عُبيس ، وزُنيرة التي أصيب بصرها ثم رده الله تعالى لها ، والنهدية وابنتها اشتراهما من بني عبد الدار ، بعثتهما سيدتهما تطحنان لها ، فسمعها وهي تقول لهما : والله لا أعتقكما أبدا فقال أبو بكر : حلا يا أم فلان فقالت : حلا ، أنت أفسدتهما فأعتقهما قال : فبكم هما ؟ قالت : بكذا وكذا قال : قد أخذتهما ، وهما حرتان ، أَرجعا إليها طحينها قالتا : أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها ؟ قال : ذلك إن شئتما : واشترى جارية بني مُؤَمَل حي من بني عَدي كان عمر يضربها على الإسلام

روى ابن ماجه عن ابن مسعود قال : أول من أظهر الإسلام سبعة ; رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمار وأمه سمية ، وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه وأبو بكر منعه الله بقومه ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه في الله تعالى ، وهان على قومه ، فأخذوه فأعطوه الولدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول : أحد أحد. صححه الألباني

قال ابن إسحاق : وكانت بنو مخزوم يَخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه وكانوا أهل بيت إسلام إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة ، فيمر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول فيما بلغني :" صبرًا آل ياسر موعدكم الجنة "

وروى البيهقي عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بعمار وأهله وهم يعذبون ، فقال : " أبشروا آل عمار وآل ياسر ، فإن موعدكم الجنة " فأما أمه فقتلوها تأبى إلا الإسلام .

وروى الإمام أحمد عن مجاهد قال :" أول شهيد كان في الإسلام استشهد أم عمار سمية ، طعنها أبو جهل بحربة في قبلها "

قال محمد بن إسحاق : وكان أبو جهل الفاسق الذي يغري بهم في رجال من قريش ، إذا سمع بالرجل قد أسلم له شرف ومَنعة ، أنبه وخزاه ، وقال : تركت دين أبيك ، وهو خير منك ، لنسفهن حلمك ، ولنفيلن رأيك ،ولنضعن شرفك وإن كان تاجرا قال : والله لنكسدن تجارتك ، ولنهلكن مالك وإن كان ضعيفا ضربه ، وأغرى به لعنه الله وقبحه

روى ابن إسحاق عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لعبد الله بن عباس : أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العذاب ما يُعذرون به في ترك دينهم ؟ قال : نعم والله ، إن كانوا ليضربون أحدهم ويُجيعونه ويُعطشونه ، حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي به ، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة ، حتى يقولوا له : اللات والعزى إلهك من دون الله ؟ فيقول : نعم افتداء منهم ; مما يبلغون من جهدهم .

وفي مثل هذا أنزل الله تعالى : "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم "الآية (النحل : 106) فهؤلاء كانوا معذورين بما حصل لهم من الإهانة والعذاب البليغ أجارنا الله من ذلك بحوله وقوته .

وروى الإمام أحمد عن خباب بن الأَرَت قال : كنت رجلا قَينا، وكان لي على العاص بن وائل دَين ، فأتيته أتقاضاه ، فقال : لا والله ، لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقلت : لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ، ثم تبعث قال : فإني إذا مت ثم بعثت ، جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيك فأنزل الله تعالى:" أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا" إلى قوله:" ونرثه ما يقول ويأتينا فردا " (مريم : 77 - 80) أخرجاه في الصحيحين ، وغيرهما من طرق، وفي لفظ للبخاري :" كنت قينا بمكة فعملت للعاص بن وائل سيفا ، فجئت أتقاضاه " فذكر الحديث

وروى البخاري عن قيس قال:" سمعت خبابا يقول : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد ببردة وهو في ظل الكعبة ، وقد لقينا من المشركين شدة ، فقلت ألا تدعو الله ؟ فقعد وهو محمر الوجه ، فقال : " قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويوضع المنشار على مِفرق رأسه فيشق باثنتين ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليتمن الله هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، ما يخاف إلا الله عز وجل " وفي رواية أخرى للبخاري :" ولكنكم تستعجلون"

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

15-10-1437 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 5 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي