الدرس الأربعون: الحديث 30 حدود الله تعالى

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 17 جمادى الآخرة 1437هـ | عدد الزيارات: 2032 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

" عَنْ أَبِيْ ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ جُرثُومِ بنِ نَاشِرٍ رضي الله عنه عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودَاً فَلا تَعْتَدُوهَا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْهَا" حديث حسن رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي

ترجمة الراوي

جرثوم بن ناشر اختلف في اسمه فقيل : جرهم بن ناشم قاله أحمد بن حنبل وابن معين وابن المَدِيني وابن سعد وأبو بكر بن زنجويه، وقال سعيد بن عبد العزيز: جرثوم بن لاشر، وقال هشام بن عمار: جرثوم بن عمرو، وقال ابن سميع: اسمه جرثوم، وقال الحافظ عبد الغني الأزدي: جرثوم بن ناشر، وقال البخاري: اسمه جرهم ويقال: جرثوم بن ناشم، ويقال: ابن ناشب، ويقال: ابن عمرو، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: اسمه لاشر بن حمير، واعتمده الدولابي، وقال بقية بن الوليد: شومة بن جرثومة، وقال خليفة بن خياط: اسمه لاشق بن جرهم، قال ويقال: جرثومة بن ناشج، ويقال: جرهم، وقال البردنجي في (الأسماء المفردة): اسمه: جرثومة، وقيل غير ذلك، ولا يكاد يعرف إلا بكنيته، وقال الدارقطني وغيره، هو من أهل بيعة الرضوان، وأسهم له النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، وأرسله إلى قومه، وأخوه عمرو بن جرهم، ويبدو لي أن أقرب الأسماء إلى الصحة ما قاله خليفة بن خياط أن اسمه لاشق بن جرهم وهو المطابق لاسم أخيه عمرو بن جرهم، أسلم على عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم

قال أبو حسان الزيادي وأبو عبيد: توفي سنة خمس وسبعين

أهمية الحديث

هذا الحديث من جوامع الكلم التي اختص الله تعالى بها نبينا صلى الله عليه وسلم فهو وجيز بليغ بل قال بعضهم: ليس في الأحاديث حديث واحد أجمع بانفراده لأصول الدين وفروعه منه، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسَّم أحكام الله إلى أربعة أقسام: فرائض، ومحارم وحدود ومسكوت عنه، قال ابن السمعاني: من عمل به فقد حاز الثواب وأمن العقاب؛ لأن من أدى الفرائض، واجتنب المحارم، ووقف عند الحدود، وترك البحث عما غاب عنه، فقد استوفى أقسام الفضل، وأوفى حقوق الدين؛ لأن الشرائع لا تخرج عن هذه الأنواع المذكورة في هذا الحديث.

الشرح:

قوله صلى الله عليه وسلم (فَرَضَ فَرَائِضَ) أي أوجبها وحتم العمل بها، أي ألزم، فقوله صلى الله عليه وسلم (فَرَضَ) أي أوجب قطعاً، لأنه من الفرض وهو القطع، فقوله صلى الله عليه وسلم (فَرَائِضَ) لا نقول (فرائضاً) لأنها اسم لا ينصرف من أجل صيغة منتهى الجموع، مثال الصلوات الخمس، والزكاة، والصيام، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ومالا يحصى

قوله صلى الله عليه وسلم ( فَلا تُضَيِّعُوهَا) أي تهملوها فتضيع، بل حافظوا عليها

قوله صلى الله عليه وسلم (وَحَدَّ حُدودَاً فَلا تَعتَدوها) الحد في اللغة المنع، ومنه الحد بين الأراضين لمنعه من دخول أحد الجارين على أحد، وفي الاصطلاح محارم الله عزّ وجل الواجبات والمحرمات فلا تتعدى الواجب ولا تقرب المحرم، ولذلك لما حرم الله الأكل والشرب على الصائم قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقرَبُوهَا) ولما ذكر العدة وما يجب فيها قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا) ولا تزيدوا عليها عما أمر به الشرع، ولا تتجاوزوها وقفوا عندها

قوله صلى الله عليه وسلم (وَحَرَّمَ أَشيَاء) (أشياء) منصوبة بدون تنوين لوجود ألف التأنيث الممدودة

قوله صلى الله عليه وسلم (فَلا تَنتَهِكوهَا) أي لا تفعلوها، مثل: الزنا، وشرب الخمر، والقذف، وشهادة الزور وقتل العمد وغير ذلك.

قوله صلى الله عليه وسلم (وَسَكَتَ عَنْ أَشيَاء رَحمَةً لَكُمْ غَيرَ نسيَان فَلا تَبحَثوا عَنهَا) أي لم يحكم فيها بوجوب أو حرمة، فهي شرعاً على الإباحة

قوله صلى الله عليه وسلم (غَيْرَ نسيَان) أي أنه عزّ وجل لم يتركها ناسياً قال تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) مريم: الآية64، ولكن رحمة بالخلق حتى لا يضيق عليهم

قوله صلى الله عليه وسلم (فَلا تَبحَثوا عَنهَا) أي لا تسألوا، مأخوذ من بحث الطائر في الأرض، أي لا تُنَقِّبُوا عنها، بل دعوها

فالنهي عن البحث عما سكت الله عنه موافق لقوله صلى الله عليه وسلم ( ذروني ما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) رواه مسلم

قال بعض العلماء كانت بنو إسرائيل يسألون فيجابون ويُعطون ما طلبوا حتى كان ذلك فتنة لهم وأدى ذلك إلى هلاكهم، لذا كان الصحابة رضي الله عنهم فهموا ذلك وكفوا عن السؤال إلا فيما لا بد منه، وكان يعجبهم أن يجيء الأعراب يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعون ويعون

من فوائد الحديث:

أولاً: إثبات أن الأمر لله عزّ وجل وحده، فهو الذي يفرض، ويوجب، والفرض والواجب بمعنى واحد، وهو الذي يحرم ولا يستطيع أحد أن يحرم غيره

ثانياً: الدين الإسلامي ينقسم إلى فرائض ومحرمات

ثالثا: وجوب المحافظة على فرائض الله عزّ وجل، وهذا مأخوذ من النهي عن إضاعتها

رابعاً: أن الله عزّ وجل حد حدوداً، بمعنى أنه جعل الواجب بيناً والحرام بيناً، كالحد الفاصل بين أراضي الناس

خامساً: تحريم تعدي حدود الله، لقوله (فَلاَ تَعتَدوهَا) مثال ذلك: حدود الله في الطلاق فلا يطلقها في طهر جامعها فيه، أو وهي حائض، عند ذلك لا يقع الطلاق، ومن حدود الله في ذلك لو قال أنت طالق بالثلاث تعتبر واحدة، أو طلقها قبل الدخول لا عدة لها، أو طلقها وهي حامل عدتها تنتهي بالوضع

سادساً: لا يجوز تجاوز الحد في العقوبات، فالزاني البكر يجلد مائة جلدة فقط، مع تغريب عاماً، ويقوم مقام التغريب اليوم السجن فلا يجوز قتل الزاني البكر لأن هذا تجاوز للحد

ومثله حد القذف ثمانون جلدة، لا يجوز تجاوزه، أما شرب الخمر فهو تعزير لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بجلد شارب الخمر بأربعين جلدة، وتشاور عمر مع الصحابة لما كثر شربه وجعلوه ثمانين فلو كان حداً ما جاز لعمر زيادته

سابعاً: وصْف الله بالسكوت، لقوله صلى الله عليه وسلم (وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ ) وهذا من تمام كماله عزّ وجل، إذ أنه إذا شاء تكلم وإذا شاء سكت

ثامناً: أنه يحرم على الإنسان أن ينتهك محارم الله عزّ وجل، لقوله صلى الله عليه وسلم (وحَرَّمَ أَشيَاء فَلا تَنتَهِكُوهَا) مثل السرقة وقطع الطريق والسحر والتولي يوم الزحف والخيانة بأنواعها

تاسعاً: أن ما سكت الله عنه فلم يفرضه، ولم يحده، ولم ينه عنه فهو مباح وهذا في غير العبادات لأن أمور العبادة توقيفية فمن ابتدع في دين الله ما ليس منه من عقيدة أو قول أو عمل فقد انتهك حرمات الله وما أكثر بدع الصوفية في ذلك

مسألة إزالة الشعر من جسم الإنسان، هل يجوز إزلته مثل شعر الساق للرجل
الجواب: الشعور ثلاثة أقسام

الأول: ما أمر بإزالته

الثاني: ما نهي عن إزالته

الثالث: ما سكت عنه

أما الأول وهو ما أمر بإزالته كالعانة والإبط للرجال والنساء فلا يجوز تركه أكثر من أربعين يوماً لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه في النهي عن ذلك، الشارب للرجال مأمور بحفه لا حلقه لقوله صلى الله عليه وسلم (احفوا الشوارب) أخرجه البخاري ومسلم، فلا يزال الشارب نهائياً كالحلق، إذ أن الإمام مالك رحمه الله قال: ينبغي أن يؤدب من حلق شاربه

الثاني: ما نهي عن إزالته كشعر اللحية بالنسبة للرجال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفائها وقال (خَالِفُوا المَجوسَ) أخرجه مسلم، والمجوس الآن في إيران يعفون لحاهم هل نخالفهم ونحلق لحانا لا نحن الأصل وهم قلدونا كما قلدنا رهبان اليهود فرهبان اليهود والنصارى والمجوس يقلدونا ونحن على الحق وهم على باطل ونستمر على مبدئنا

الثالث: بقية الشعور للرجال والنساء ليس فيها أمر ولا نهي، مثل شعر الساق واليدين

عاشراً: لا ينبغي البحث عما سكت الله عنه ورسوله، إلا إذا كان المراد بالبحث الاتساع في العلم كما يفعله طلبة العلم، ومن ذلك: البحث عن اللحوم التي تردنا من بلاد النصارى هل ذبحت بالطريقة الشرعية أم لا، إلا إذا كان الشخص مورد فيتوثق فربما ذبحت بالصعق عندها لا يجوز استيرادها من هذه الشركة وكذلك الأجبان الواردة إلينا من بلاد الكفر فلا تبحث عنها وتقول هل هذه حلال أو حرام وكذلك لا تبحث عن مسائل الغيب وتتعمق فيها ولا في صفات الله عز وجل عن كيفيتها

الحادية عشرة: إثبات رحمة الله عزّ وجل في شرعه، لقوله صلى الله عليه وسلم (رَحمَةً بِكُم) وكل الشرع رحمة، لأن جزاءه أكثر بكثير من العمل، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة

الثانية عشرة: انتفاء النسيان عن الله عزّ وجل، لقوله صلى الله عليه وسلم (غَيرَ نسيَان) وقد جاء ذلك في القرآن (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) أما قول الله تعالى (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) فالمراد بالنسيان هنا نسيان الترك، يعني تركوا الله فتركهم فهؤلاء تعمدوا الشرك (نَسُوا اللَّهَ) أي تركوا دين الله (فَنَسِيَهُمْ) أي فتركهم، أما النسيان الذي هو الذهول عن شيء معلوم فهذا لا يمكن في حق الله

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وصحبه أجمعين

1437/6/17 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر