الدرس 225 قصة خروج المصطفى إلى الشام

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 5 جمادى الآخرة 1437هـ | عدد الزيارات: 1467 القسم: الفوائد الكتابية


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال ابن إسحاق: إن أبا طالب خرج في ركب تاجرا إلى الشام فلما تهيأ للرحيل ، وأجمع السير صب به رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يزعمون - فرق له أبو طالب ، وقال والله لأخرجن به معي ولا أفارقه ولا يفارقني أبدا ، أو كما قال فخرج به فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام ، وبها راهب يقال له بَحِيرى في صومعة له وكان إليه علم أهل النصرانية ، ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب فيها إليه يصير علمهم عن كتاب - فيما يزعمون - يتوارثونه كابرا عن كابر فلما نزلوا ذلك العام ببَحِيرى كانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام فلما نزلوا قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا ، وذلك - فيما يزعمون - عن شيء رآه وهو في صومعته يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركب حين أقبلوا ، وغَمامة تُظله من بين القوم ، ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغَمامة حين أظلت الشجرة ، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها فلما رأى ذلك بَحِيرى نزل من صومعته وقد أمر بطعام فصنع ثم أرسل إليهم فقال إني صنعت لكم طعاما يا معشر قريش فأنا أحب أن تحضروا كلكم كبيركم ، وصغيركم وعبدكم وحركم.

فقال له رجل منهم والله يا بَحِيرى إن لك لشأنا اليوم ! ما كنت تصنع هذا بنا وقد كنا نمر بك كثيرا فما شأنك اليوم ؟ قال له بَحِيرى صدقت قد كان ما تقول ، ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم ، وأصنع لكم طعاما فتأكلون منه كلكم فاجتمعوا إليه ، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة فلما رآهم بَحِيرى لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده فقال يا معشر قريش ، لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي قالوا يا بَحِيرى ما تخلف أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدثنا سنا فتخلف في رحالنا قال لا تفعلوا ! ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم قال فقال رجل من قريش مع القوم واللات والعزى إن كان للؤما بنا أن يتخلف محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا ، ثم قام إليه فاحتضنه ، وأجلسه مع القوم فلما رأى بَحِيرى جعل يلحظه لحظا شديدا ، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام إليه بَحِيرى .

وقال له يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه ، وإنما قال له بَحِيرى ذلك; لأنه سمع قومه يحلفون بهما فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لا تسألني باللات والعزى فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما فقال له بَحِيرى فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه فقال له سلني عما بدا لك فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فوافق ذلك ما عند بَحِيرى من صفته ، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال ما هذا الغلام منك ؟ قال ابني قال بَحِيرى ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا قال فإنه ابن أخي قال فما فعل أبوه ؟ قال مات وأمه حبلى به قال صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده ، واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ، ليبغنه شرا فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام .

قال ابن إسحاق فزعموا - فيما روى الناس - أن زريرا وتماما ودريسا - وهم نفر من أهل الكتاب - قد كانوا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما رأى بَحِيرى في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب فأرادوه فردهم عنه بَحِيرى فذكرهم بالله وما يجدون في الكتاب من ذكره ، وصفته ، وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا به لن يخلصوا إليه حتى عرفوا ما قال لهم ، وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا عنه

روى الواقدي عن داود بن الحصين قالوا لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة ، خرج به عمه أبو طالب إلى الشام في العير التي خرج فيها للتجارة ، ونزلوا بالراهب بَحِيرى فقال لأبي طالب في السر ما قال ، وأمره أن يحتفظ به فرده معه أبو طالب إلى مكة

وشب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي طالب ، يكلؤه الله ويحفظه ويحوطه من أمور الجاهلية ، ومعائبها لما يريد من كرامته حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة ، وأحسنهم خلقا وأكرمهم مخالطة وأحسنهم جوارا ، وأعظمهم حلما وأمانة وأصدقهم حديثا ، وأبعدهم من الفحش والأذى ما رئي ملاحيا ولا مماريا أحدا حتى سماه قومه الأمين; لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة فكان أبو طالب يحفظه ويحوطه وينصره ويعضده حتى مات.

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وصحبه أجمعين

1437/6/5 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 7 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي