الدرس الثاني والعشرون: الحديث 12 ترك ما لا يعني المسلم

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 11 ربيع الأول 1437هـ | عدد الزيارات: 2719 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيْهِ) رواه الترمذي وغيره هكذا

فالحديث أخرجه الترمذي في أبواب الزهد، باب ما جاء فيمن تكلم فيما لا يعنيه، رقم 2318 وأخرجه ابن ماجه في الفتن، باب: كف اللسان في الفتنة 3976

وقد رواه قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وصحح طرقه ثم قال في هذا الحديث هذا من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة ونحو ذلك قول أبي ذر في بعض حديثه: ومن حسب كلامه عن عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه. رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال قلت يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم الحديث، وفي آخره هذه القطعة وهو حديث طويل

وذكر مالك أنه بلغه أنه قيل للقمان: ما بلغ بك ما نرى؟ يريدون الفضل، فقال: صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني. رواه ابن أبي حاتم
وذكره ابن كثير في تفسيره من عبد الله بن وهب بسنده إلى عمر مولى عفرة في حديث طويل.

وروى عن الحسن قال: من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه

وقال أبو داود أصول السنن في كل فن أربعة أحاديث وذكر منها هذا الحديث.

المبحث اللغوي:

(مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ) خبر مقدم (وتَرْكُ) مبتدأ مؤخّر، (من حسن إسلام المرء) : من كمال إسلامه وتمامه، وعلامات صدق إيمانه، والمرء يُراد به الإنسان ، ذكراً كان أم أنثى

(ما لا يعنيه): ما لا يهمه من أمر الدين والدنيا من الأفعال أو الأقوال، يقال عناه الأمر يعنيه، إذا تعلقت عنايته به وكان من غرضه ومقصوده، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". فإنه يشابهه من بعض الوجوه.

من فوائد هذا الحديث:

أولاً: إقامة المجتمع الفاضل إذ يحرص الإسلام على سلامة المجتمع، وأن يعيش الناس في وئام ووفاق، لا منازعات بينهم ولا خصومات، كما يحرص على سلامة الفرد وأن يعيش في هذه الدنيا سعيداً، يَألف ويُؤلف، يُكرم ولا يُؤذى، ولا يتدخُّل بعضهم في شؤون بعض فيما لا يعنيهم

ثانياً: أن الإسلام جمع المحاسن، ومحاسن الإسلام كلّها تجتمع في كلمتين قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ

ثالثاً: أن ترك الإنسان ما لايهتم به ولا تتعلق به أموره وحاجاته من حسن إسلامه

رابعاً: أن من اشتغل بما لا يعنيه فإن إسلامه ليس بذلك الحسن، وهذا يقع كثيراً لبعض الناس فتجده يتكلم في أشياء لا تعنيه، أو يأتي لإنسان يسأله عن أشياء لا تعنيه ويتدخل فيما لا يعنيه، وكل هذا يدل على ضعف الإسلام

ثم إن تدخله فيما لا يعنيه، يشغله ذلك عن أداء واجباته، والقيام بمسؤولياته فكان مؤاخذاً في الدنيا ومعاقباً في الآخرة، وكان أيضاً دليل ضعف إدراكه، وعدم تمكن الخلق النبوي من نفسه، روى الترمذي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: تُوفي رجل من الصحابة، فقال رجل: أبشر بالجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أو لا تدري، فلعله تكلم فيما لا يعنيه، أو بخل بما لا ينقصه"

وروى ابن حبان في صحيحه: أنه قال لأبي ذر رضي الله عنه: "بحسب امرئ من الشر ما يجهل من نفسه، ويتكلف ما لا يعنيه".

خامساً: القلب المشغول بالله تعالى معرض عما لا يعنيه من شؤون الخَلْق

فالمسلم الذي يعبد الله عز وجل كأنه يراه، ويستحضر في نفسه أنه قريب من الله تعالى والله تعالى قريب منه، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". وهذا أعلى درجات الإيمان

يشغله ذلك عما لا يعنيه ويكون عدم اشتغاله بما لا يعنيه دليل صدقه مع الله تعالى وحضوره معه والعكس بالعكس

روي عن الحسن البصري أنه قال: من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه

ولذلك تلاحظ على بعض الناس في مجالسهم الانشغال بذكر عيوب ونقائص الناس من حكام ومحكومين

سادساً: ما يعني الإنسان من الأمور هو ما يتعلق بسلامته في معاده وآخرته، وكيف يصل إلى درجة عالية في الجنة وما يتعلق بضرورة حياته في معاشه من طعام وشراب وملبس ومسكن وكيف يرتقى بأسرته في دينهم ودنياهم وكيف يصل خيره للآخرين من أمور الدنيا والدين وخير الناس أنفعهم للناس

مما ينبغي للمسلم أن تكون همته عالية لا أن تكون في الأغراض الدنيوية الزائدة عن الضرورات والحاجيات: كالتوسع في الدنيا، والتنوع في المطاعم والمشارب، ولا سيما إذا كان فيه شيء من الممارات ويحسن بالمسلم ترك اللعب والهزل وما يخل بالمروءة لأن ذلك مضيعة للوقت النفيس في غير ما خلق من أجله والذي سيحاسب عليه كما ينبغي للمسلم البعد عن فضول الكلام فيما لا يعني إذ قد يجر المسلم إلى الكلام المحرم

ولذلك فإن من خلق المسلم عدم اللغط والثرثرة والخوض في كل قيل وقال روى الترمذي عن معاذ رضي الله عنه قال: يا رسول الله، أنؤاخذ بكل ما نتكلم به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثكلتك أمُّك يا معاذ، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم

سابعاً: يرشد الحديث إلى أن من صفات المسلم الاشتغال بمعالي الأمور والبعد عن السفاسف

ثامناً: في الحديث تأديب للنفس وتهذيب لها عن الرذائل والنقائص، وترك ما لا جدوى منه ولا نفع

تاسعاً: أنه ينبغي للإنسان أن يتطلب محاسن إسلامه فيترك ما لا يعنيه ويستريح، لأنه إذا اشتغل بأمور لا تهمه ولا تعنيه فقد أتعب نفسه

فائدة

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يعني الإنسان كما قال الله عز وجل (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) آل عمران 104

فلو رأيت إنساناً على منكر وقلت له يا أخي هذا منكر لا يجوز فليس له الحق أن يقول هذا لا يعنيك ولو قاله لم يقبل منه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني الأمة الإسلامية كلها

ومن ذلك أيضاً ما يتعلق بالأهل والأبناء والبنات فإنه يعني راعي البيت أن يدلهم على الخير ويأمرهم به ويحذرهم من الشر وينهاهم عنه قال الله عز وجل (يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) التحريم 6

والله الموفق لكل خير والصارف عن كل شر

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

وبالله التوفيق

1437/3/11 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر