الدرس 240: صفة نزول الله إلى السماء الدنيا

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 9 رجب 1436هـ | عدد الزيارات: 2155 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

لا تعارض بين نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة مع اختلاف الأقطار وبين استوائه عز وجل على العرش؛ لأنه سبحانه لا يشبه خلقه في شيء من صفاته، ففي الإمكان أن ينزل كما يشاء نزولا يليق بجلاله في ثلث الليل الأخير بالنسبة إلى كل قطر، ولا ينافي ذلك علوه واستواءه على العرش؛ لأننا في ذلك لا نعلم كيفية النزول ولا كيفية الاستواء، بل ذلك مختص به سبحانه، بخلاف المخلوق فإنه يستحيل في حقه أن ينزل في مكان ويوجد بمكان آخر في تلك اللحظة كما هو معلوم إلا الله عز وجل فهو على كل شيء قدير، ولا يقاس ولا يمثل بهم؛ لقوله عز وجل "فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ" (النحل 74) وقوله سبحانه:" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير"(الشورى 11)

ووجود الله معلوم من الدين بالضرورة، وهو صفة لله بإجماع المسلمين، بل صفة لله عند جميع العقلاء حتى المشركين لا ينازع في ذلك إلا ملحد دهري ولا يلزم من إثبات الوجود صفة لله أن يكون له موجد؛ لأن الوجود نوعان

الأول: وجود ذاتي وهو ما كان وجوده ثابتا له في نفسه لا مكسوبا له من غيره، وهذا هو وجود الله سبحانه وصفاته، فإن وجوده لم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم: "هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (الحديد 3)

الثاني: وجود حادث وهو ما كان حادثا بعد عدم فهذا الذي لا بد له من موجد يوجده وخالق يحدثه وهو الله سبحانه، قال تعالى "اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ" (الزمر 62)وعلى هذا يوصف الله تعالى بأنه موجود ويخبر عنه بذلك في الكلام فيقال الله موجود، وليس الوجود اسما، بل صفة

وسبق أن ذكرت في درس سابق أن كل اسم لا بد له من صفة مثل السميع اسم من أسماء الله وصفته أن الله يسمع لكن كل صفة لا يلزم من وجودها اسم فنصف الإله بالعارف لكن ليس لله اسم العارف .أ.هـ، والله موجود، وليس الوجود اسما، بل صفة، لكن الواجد ليس اسماً من أسماء الله بل صفة من صفاته

ولله صفة الهرولة على نحو ما جاء في الحديث القدسي الشريف على ما يليق به قال الله تعالى "إذا تقرب إلي العبد شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني ماشيا أتيته هرولة" رواه البخاري ومسلم

ومن أطلق على الله بالعقل المدبر فقد أساء بإطلاق ذلك على الله لأن أسماء الله وصفاته توقيفية

وعقيدة أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه وتعالى في العلو فوق جميع خلقه، وأنه قد استوى على عرشه استواء يليق بجلاله، ومما يدل على ذلك قوله تعالى "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" (طه 5)ومن اعتقد أن الله جل وعلا بذاته في الأرض فهذا مخالف للكتاب والسنة والإجماع وهو مذهب الحلولية الذين يقولون إن الله حال في كل مكان فمن قال بذلك عن جهل بين له الحكم، فإن أصر أو كان يقول ذلك لا عن جهل فهو كافر بالله فلا تصح الصلاة خلفه

والله مع خلقه بعلمه كما قال تعالى "وهو معكم أينما كنتم" (الحديد 4)وحديث الجارية الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سألها "أين الله"، فقالت: في السماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدها: أعتقها فإنها مؤمنة" حديث صحيح

قول أهل السنة والجماعة : أن العرش والكرسي فوق السموات، والسموات فوق الأرض محيطة بها

لفظ الحديث الذي في البخاري ومسلم "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد" وهو يدل على إثبات صفة الضحك لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته لا يشابه خلقه في شيء، كما قال سبحانه:" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الشورى 11)

قول سبحان الله الذي عينه لا تنام أو والله الذي عينه لا تنام جائز، فهو وصف كمال، وقد ورد في القرآن الكريم "وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي" (طه 39 )وهو سبحانه لا تأخذه سنة ولا نوم بنص القرآن، وقد جاء في السنة الصحيحة أنه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام في الحديث الذي أخرجه مسلم

معنى قوله تعالى في الحديث القدسي " فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها" من حديث أنس بن مالك الذي أخرجه البخاري

إذا أدى المسلم ما فرض عليه ثم اجتهد في التقرب إلى الله تعالى بنوافل الطاعات واستمر على ذلك وسعه أحبه الله تعالى، وكان عونا له في كل ما يأتي ويذر، فإذا سمع كان مسددا من الله في سمعه فلا يستمع إلا الخير ولا يقبل إلا الحق، وينزاح عنه الباطل، وإذا أبصر بعينه أو قلبه أبصر بنور الله من الله فكان في ذلك على هدى من الله وبصيرة نافذة بتأييد الله وتوفيقه، فيرى الحق حقا والباطل باطلا، وإذا بطش بشيء بطش بقوة من الله فكان بطشه من بطش الله نصرة للحق، وإذا مشى كان مشيه في طاعة الله طلبا للعلم وجهادا في سبيل الله، وبالجملة كان عمله بجوارحه الظاهرة والباطنة بهداية من الله وقوة منه سبحانه وبهذا يتبين أنه ليس في الحديث دليل على حلول الله في خلقه أو اتحاده بأحد منهم، ويرشد إلى ذلك ما جاء في آخر الحديث من قوله تعالى "ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه" وما جاء في بعض الروايات من قوله "فبي يسمع وبي يبصر" .. إلخ

وهذا الحديث نظير الحديث القدسي الآخر يقول الله تعالى "عبدي مرضت فلم تعدني" رواه مسلم

تكملت الحديث في صحيح مسلم الذي لم تشر إليه اللجنة: فيقول العبد يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده

كتاب "الإبانة" هو لأبي الحسن الأشعري

الإمام النووي له أغلاط في الصفات سلك فيها مسلك المؤولين وأخطأ في ذلك فلا يقتدى به في ذلك، بل الواجب التمسك بقول أهل السنة وهو إثبات الأسماء والصفات الواردة في الكتاب العزيز والسنة الصحيحة المطهرة، والإيمان بذلك على الوجه اللائق بالله جل وعلا من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل؛ عملا بقوله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

عقيدة الشيخ ابن تيمية عقيدة سلف هذه الأمة، الإيمان بالله وبأسمائه وصفاته، ووصف الله بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهذا واضح في رسائله ومؤلفاته؛ كـ "العقيدة الواسطية" و"الرسالة التدمرية" وغيرها، ولكن أهل البدع كالجهمية والمعتزلة يرمون من أثبت الصفات لله على الوجه اللائق به ويسمونه مجسما ومشبها، وهكذا الأشاعرة يرمون من خالفهم فيما تأولوه من الصفات بأنه مجسم، ونظرا إلى أن التجسيم لم يرد في النصوص نفيه ولا إثباته فلا يجوز للمسلم نفيه ولا إثباته؛ لأن الصفات توقيفية

نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية يحصل بها التنعم في قبره بما أعده الله له من النعيم جزاء له على أعماله العظيمة الطيبة التي قام بها في دنياه عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، ولم تعد إليه روحه ليصير حيا كما كان في دنياه ولم تتصل به وهو في قبره اتصالا يجعله حيا كحياته يوم القيامة، بل هي حياة برزخية وسط بين حياته في الدنيا وحياته في الآخرة

وفاطمة رضي الله عنها طلبت إرثها من أبيها صلى الله عليه وسلم فأجابها أبو بكر رضي الله عنه بأن الأنبياء لا يورثون في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم

قلت: ورد في الحديث "الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" فما خلفه الأنبياء من مال يدفع إلى بيت مال المسلمين أ.هـ

أما روحه فهي في أعلى عليين لكونه أفضل الخلق وأعطاه الوسيلة وهي أعلى منزلة في الجنة عليه الصلاة والسلام

والأصل أن الأموات عموما لا يسمعون نداء الأحياء من بني آدم ولا دعاءهم كما قال تعالى "وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ" (فاطر 22)ولم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كل دعاء أو نداء من البشر حتى يكون ذلك خصوصية له وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه صلاة وسلام من يصلي ويسلم عليه فقط سواء كان من يصلي عليه عند قبره أو بعيدا عنه كلاهما سواء في ذلك

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين

1436-07-08 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي