الدرس 238: رجوع الروح في الحياة الدنيا

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 29 جمادى الآخرة 1436هـ | عدد الزيارات: 2106 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

ورد في القرآن أدلة تدل على رد أرواح بعض المخلوقات لحكم أرادها الله ومن ذلك ما جاء في قصة قتيل بني إسرائيل قال تعالى "وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى" (البقرة 27-73)

ومن ذلك رد روح عزير وحماره بعد مائة سنة قال تعالى "أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة آية 259)

ومن ذلك رده جل وعلا أرواح الطيور في قوله تعالى "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"(البقرة آية 260)

ومضلات الفتن هي الفتن التي تصيب الناس فتنحرف بهم عن سواء السبيل وتصدهم عن الصراط المستقيم كالشبه التي تضل الإنسان عن الحق وتنحرف به عن جادة الصواب وكدعاة السوء الذين يلبسون الحق بالباطل ويموهون على ضعاف النفوس فيستهوونهم بما أوتوا من فصاحة وقوة بيان وكالمرض أو الفقر الذي يتبرم به المرء ويضيق منه صدره فيسخط على قضاء الله وقدره وكالغنى الذي يغتر به كثير من الناس ويحدثهم به الشيطان فيصطفيهم ويصدهم عن الصراط السوي ونحو ذلك مما يفتن المسلم عن دينه أو يصد الكافر عن الهداية

الشيء قد يكون في ظاهره فتنة ومحنة كالفقر والمرض وتسلط الخصوم وهو في الحقيقة وواقع الأمر منحة ونعمة فقد يكون سببا للتوبة إلى الله والهداية والتوفيق وتحول الإنسان إلى خير وسعة بعدما كان ضيق الصدر متبرما بالحياة فتفضي به الشدة إلى سهولة والبلاء إلى راحة وسعادة فيجب على المسلم الصبر والرجوع إلى الله في كشف الضر عسى أن يجعل له من أمره يسرا

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "تقاتلون اليهود فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله" رواه البخاري

وعن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول " ألا إن الفتنة ها هنا ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان" المراد بالفتنة هنا: الكفر وجاء في رواية مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "رأس الكفر نحو المشرق" قوله "رأس الكفر" أي: معظمه في المشرق. انتهى

والظاهر أن الحديث يعم جميع المشرق الأدنى والأقصى والأوسط ومن ذلك فتنة مسيلمة وفتنة المرتدين من ربيعة ومضر وغيرهما في الجزيرة العربية

أشراط الساعة كثيرة منها: ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام من قوله له "إذا ولدت الأمة ربها وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان" ومنها: خروج المسيح الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء وطلوع الشمس من مغربها وخروج دابة الأرض ومنها: استفاضة المال حتى يعطى الرجل الكثير من المال فيظل ساخطا ومنها: كثرة الفتن حتى لا يبقى بيت من بيوت العرب إلا دخلته ومن علامات الساعة رفع الأمانة والإيمان

من فضائل هذه الأمة شهادتهم على الأمم يوم القيامة وعند طلوع الشمس من مغربها لا تقبل توبة عاص ولا إيمان من كافر حيث يغلق باب التوبة

أوثق كتاب عن أشراط الساعة بعد كتاب الله عز وجل: صحيح البخاري وصحيح مسلم ثم سنن أبي داود وسنن النسائي و جامع الترمذي وسنن ابن ماجه وأوسعها كتاب النهاية لابن كثير وإتحاف الجماعة في أخبار الفتن والملاحم وأشراط الساعة للشيخ حمود بن عبد الله التويجري

أما ما يختص بالمهدي فقد وردت أحاديث تدل على أنه يحكم هذه الأمة، راجع سنن أبي داود وسنن ابن ماجه وغيرهما من كتب السنة فقد ذكرت فيها هذه الأحاديث

ما ورد في نزول عيسى عليه السلام عليكم بمراجعة كتاب "التصريح فيما تواتر في نزول المسيح" عليه السلام وتفسير ابن كثير عند قوله تعالى "بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ" ولم يرد ما يدل على تحديد زمان نزول المهدي أو عيسى لكن في نزول عيسى ورد أنه ينزل إذا خرج الدجال

والأحاديث التي دلت على خروج المهدي كثيرة وردت من طرق متعددة ورواها عدد من أئمة الحديث وذكر جماعة من أهل العلم أنها متواترة معنويا منهم أبو الحسن الآجري من علماء المائة الرابعة والعلامة السفاريني في كتابه "لوامع الأنوار البهية" والعلامة الشوكاني في رسالة سماها "التوضيح في تواتر أحاديث المهدي والدجال والمسيح" وللمهدي علامات مشهورة مذكورة في الأحاديث وأهمها "أنه يملأ الأرض عدلا وقسطا بعدما ملئت جورا وظلما" ولا يجوز لأحد أن يجزم بأن فلان ابن فلان هو المهدي حتى تتوافر العلامات التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة وأهمها ما ذكرنا وهو كونه: يملأ الأرض عدلا وقسطا

والمهدي رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قبل نزول عيسى عليه السلام يدعو إلى الإسلام ويقيم الله به الحجة ويهدي به كثيرا من الناس وإن شئت التوسع في ذلك فاقرأ ما كتبه عنه ابن كثير رحمه الله في كتابه: النهاية

وأقول احذر من سماع افتراءات الرافضة وخزعبلاتهم أن المهدي موجود في سرداب

وأما عن المسيح الدجال فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المسيح الدجال سيظهر آخر الزمان وأنه يقول للسماء: أمطري فتمطر ويقول للأرض: أنبتي فتنبت وأنه يقتل رجلا مؤمنا ثم يقول له: قم فيقوم ويقول له: أنا ربك فيقول له: كذبت بل أنت الأعور الكذاب الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما ازددت فيك إلا بصيرة وأنه يريد قتله بعد ذلك فلا يسلط عليه وأنه يدعي الإلهية وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن له ثلاث علامات تدل على كذبه في دعوة الإلهية الأولى: أنه أعور العين اليمنى والله تعالى ليس بأعور الثانية: أنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ والثالثة: أنه يرى في الدنيا والله تعالى لا يراه أحد حتى يموت" يدل على ذلك ما جاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عند مسلم في باب ذكر فتنة الدجال من قوله صلى الله عليه وسلم "فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت" إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل يتهلل وجهه يضحك

والدجال: مأخوذ من دجل دجلا إذا كذب وأخرق لأنه يدعي الربوبية وهذا من أعظم الكذب وهو موجود وأما عوره فحقيقي لأن الأصل في الكلام الحقيقة وخروج المسيح الدجال مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة المتواترة وهو يخرج على الأحياء خاصة أما الأموات فلا يبعثون إلا بعد القيامة لقول الله تعالى" ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ" ( المؤمنون آية 15-16)

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين

1436-06-29هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي