الدرس 251 تفسير سورة الكوثر

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 2 ربيع الأول 1436هـ | عدد الزيارات: 2157 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

بسم الله الرحمن الرحيم

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}

هي سورة مكية أي نزلت في مكة، وهذه السورة خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كسورة الضحى وسورة الشرح يسرى عنه ربه فيها ويعده بالخير ويوعد أعدائه بالبتر ويوجهه إلى طريق الشكر ومن ثم فهي تمثل سورة من حيث الدعوة وحياة الداعية في أول العهد بمكة صورة من الكيد والأذى للنبي صلى الله عليه وسلم ودعوة الله التي يبشر بها وصورة من رعاية الله المباشرة لعبده وللقلة المؤمنة معه ومن تثبيت الله وتطمينه وجميل وعده لنبيه ومرهوب وعيده بشانئه كذلك تمثل حقيقة الهدى والخير والإيمان وحقيقة الضلال والشر والكفران الأولى كثرة وفيض وامتداد والثانية قلة وانحسار وانبتار وإن ظن الغافلون غير هذا وذاك وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ممتنا عليه {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} أي: الخير الكثير، والفضل الغزير من شرف النبوة الجامعة لخير الدارين المستتبعة لسعادة الدنيا والدين، الذي من جملته، ما يعطيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من نهر في الجنة ففي صحيح البخاري عن أنس قال: لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال "أتيت نهر حافتاه قباب اللؤلو مجوف فقلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر" وذكر ابن كثير هذه الأحاديث وغيرها عن أحمد رحمه الله ومنها بسند أحمد إلى أنس بن مالك قال: أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رأسه متبسماً إما قال لهم وإما قالوا له لما ضحكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنه نزلت عليا آنفاً سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ" حتى ختمها فقال هل تدرون ما الكوثر قالوا الله ورسول أعلم قال نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنية عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي فيقال أنك لا تدري ما أحدثوا بعيدك" فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها فقال أتدرون ما الكوثر، إنه نهر في الجنة وعدني ربي فيه خيراً كثيراً، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفته أن طوله شهر، وعرضه شهر، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل

آنيته عدد نجوم السماء في كثرتها، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا

ولما ذكر منته عليه، أمره بشكرها فقال "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" خص هاتين العبادتين بالذكر، لأنهما من أفضل العبادات وأجل القربات

ولأن الصلاة تتضمن الخضوع في القلب والجوارح لله، وتنقلها في أنواع العبودية

وفي النحر تقرب إلى الله بأفضل ما عند العبد من الأضاحي وغيرها، وإخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته والشح به

{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}

إِنَّ شَانِئَكَ أي: مبغضك وذامك ومنتقصك "هُوَ الْأَبْتَرُ" أي: المقطوع من كل خير، مقطوع العمل، مقطوع الذكر.
ورد أن سفهاء قريش ممن كانوا يتابعون الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته بالكيد والمكر وإظهار السخرية والاستهزاء ليصرفوا جمهرة الناس عن الاستماع إلى الحق الذي جاءهم به من عند الله من أمثال العاص بن وائل وعقبة بن أبي معيط وأبي لهب وأبي جهل وغيرهم كانوا يقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه أبتر يشيرون بهذا إلى موت الذكور من أولاده فقال أحدهم والذي يترجح عندي أنه العاص بن وائل وهو المشهور في كتب التفسير دعوه فإنه سيموت بلا عقب وينتهي أمره وكان هذا اللون من الكيد اللئيم الصغير يجد له في النفوس التي تتكاثر بالأبناء صدى ووقعا وتجد هذه الوخزة الهابطة من يهش لها من أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم وشانئيه، ومن الممكن أنها أوجعت قلبه الشريف ومسته بالغم فنزلت هذه السورة تمسح على قلبه صلى الله عليه وسلم بالروح والندى وتقرر حقيقة الخير الباقي الممتد الذي اختاره له ربه وحقيقة الإنقطاع والبتر المقدر لأعدائه وقد جاء مصداقها بالفعل في قوله تعالى في غزوة بدر "ويريد الله أن يحق الحق بكلامته ويقطع دابر الكافرين" فقتل صناديد قريش وصدق الوعيد فيهم

وأما محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الكامل حقًا، الذي له الكمال الممكن للمخلوق، من رفع الذكر، وكثرة الأنصار، والأتباع فذكره باقي إلى قيام الساعة قرن الله اسمه مع اسمه في التشهد الأول وفي الأذان والإقامة وأوجب ذكر اسمه في التشهد الأخير وجعل إجابة الدعاء مربوطة بالصلاة على نبيه وحث على الصلاة على نبيه في كل موعظة وفي كل حديث.

وإن من فضل الله أن أتباعه ذكرهم باقي فهل أحد ينسى الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين ومن برز في خدمة الإسلام والمسلمين أمثال ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأئمة المذاهب الأربعة وطلابهم وأهل الحديث كأصحاب الكتب الستة والمسانيد والمصنفات وأمثال المجددين مثل محمد بن عبد الوهاب والمتميزين في الإفتاء مثل مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز بن باز وطلابه وغيرهم، أما الكفار والمشركين والملحدين من علمانيين وغيرهم فهم مقطوعي الذكر

وفقنا الله لخدمة هذا الدين وجعلنا من أنفع الناس للناس

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1436/3/1 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 2 =

/500