الدرس 259 سلامة الصدر من الحقد

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 4 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 2023 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله وبعد

أخي الفاضل: إذا أردت أن تكون محبوبًا عند الله وعند الناس فاجتهد أن يكون صدرك نقيًا من البغض لغيرك، سليمًا من الحقد وهو إضمار السوء والتحفز للإيذاء لسواك وإياك والحسد وهو تمني زوال النعمة عن الغير، وليس أروح للنفس ولا أطرد لهمومها ولا أقر للعينين من أن يعيش المرء في دنياه سليم الصدر والقلب، مبرأ من وساوس الضغينة وثوران الحقد، إذا رأى نعمةً تنساق لأحد رضي عنها وأحس فضل الله فيها وفقر عباده إليها، وذكر قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم "اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكرك " (هذا الحديث قال عنه النَّووي: "إسناده جيدٌ"، وحسَّنه الحافظ ابن حجر -رحمه الله-، وضعَّفه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحم الله الجميع.) وإذا رأى أحداً يلحقه أذى رثى له ورجا أن يفرج الله كربه ويغفر ذنبه ، فصاحب الصدر السليم يأسى ويحزن لآلام غيره، ويرجو العافية لمن أصيب بها وبذلك يحي سليم الصدر أبيض الصحيفة راضيًا عن الله وراضيًا عن الحياة مستريح النفس من نزعات الحقد فإن فساد القلب بالضغائن داء عياء
وما أسرع تسرب الإيمان من القلب السقيم كما تتسرب السوائل من الإناء المثلوم المكسور من أعلاه، ولنتدبر متأملين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في القلب لنعلم مبلغ وجوب العناية به والحرص على صلاحه وإصلاحه، قال عليه الصلاة والسلام " ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ. " (صحيح مسلم )فالقلب الأسود يفسد صالح الأعمال، ويطمس بهجة الأفعال، ويعكر صفو الخصال. والقلب المشرق يبارك الله تعالى في قليل عمله، وهو تبارك وتعالى إليه بكل خير أسرع، " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أيُّ النَّاسِ أَفضَلُ؟ قالَ كلُّ مخْمومِ القلبِ ، صدُوق اللسانِ . قالُوا : صدُوقُ اللَِّسانِ نعرفُه ، فما مخمومُ القلبِ ؟ قال : هو التقيُّ النقيُّ ، لا إِثمَ فِيه ، ولا بَغْيَ ، ولا غِلَّ ، ولا حَسَدَ " (صحيح الترغيب للألباني.)

ياقوم إن سلامة الصدر تفرض على المسلم وتلزمه أن يتمنى الخير للناس إن عجز عن سوقه إليهم بيده، فهو من غير شك لا يغتاب غيره ولا يسعى لشر، ومن انتحل الشر انتحالاً للناس وزوره عليهم تزويرًا فهو أفاك أثيم، قال الله عز وجل "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "( النور19)

وكان فضلاً من الله عظيمًا أن استحب ستر عيوب الخلق ولو كانوا بها متصفين حقًا، فلا يجوز التشنيع على المسلم تشفيًا فيه ولو كان بذكره بما فيه فإن سرد الفضائح وإفشاءها وكشف المستور وإظهار العورات عمل على إشاعة السيئات وتفشيها بين الناس، وليس ذلك مسلك المسلم حقاً

ولا شك أن تلمس عيوب الناس أو الصاقها بهم عن تعمد فإن ذلك قصد خبيث دنيء

وفي الاتهام بالزنا قال تعالى " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " (النور4- 5)

وكما رتب الإسلام هذه العقوبة العاجلة لهذه الجريمة من جرائم الافتراء أعد في الآخرة لمرتكبيها وأمثالها ما هو أشد وأنكى قال صلى الله عليه وسلم : " مَن قالَ في مؤمنٍ ما ليسَ فيهِ أسكنَهُ اللَّهُ رَدغةَ الخبالِ حتَّى يخرجَ مِمَّا قالَ" (صحيح أبي داود للألباني) ،فالإفتراء على الأبرياء جريمة شنيعة

ولما كان أثرها شديداً في تشويه الحقائق وفضيحة المستور عدها الإسلام من أقبح الزور

اللهم طهر قلوبنا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا

وصلى الله على نبينا محمد

1435-5-4 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500