الدرس 336 الصلاة

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 1 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1707 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

نظراً لأهمية الصلاة في حياة المسلم إذ هي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة جعلت حديثي إليكم عن الصلاة

فالصلاة سكينة للنفس وطهارة للروح ومظهر للعلاقة الحقيقية بين المخلوق والخالق والضعيف والقوي والفقير والغني فالناس يكونون في أصدق أحوالهم وأزكى أوقاتهم عندما يقفون خشوعاً بين يدي ربهم الكبير يؤدون حقه ويطلبون هداه ويبدون خضوعهم المطلق له وحاجتهم الدائمة إليه سبحانه، المؤمنون مكلفون في الغدو والآصال ومن قبل طلوع الشمس وبعد غروبها أن يترددوا على الله العظيم يتلون كتابه وقوفاً ويسبحون بحمده ركعاً وسجوداً ويحيون ويسلمون على نبيه جلوساً وهم في هذه الأعمال المباركة يشعرون بما ينبغي لله من طاعة وتوقير وما يجب أن تكون عليه نفوسهم من طهر وصفاء فإن للصلاة في الإسلام منزلة لا تعدلها منزلة فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به قال الرسول صلى الله عليه وسلم "رأسُ الأمرِ الإسلامُ ، وعمودُهُ الصَّلاةُ ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ ،" صحيح الترمذي للألباني، وهي أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات وتولى إيجابها بمخاطبة رسوله ليلة المعراج من غير واسطة قال أنس عرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به خمسين ثم خففت حتى جعلت خمساً ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي وإن لك بهذه الخمس خمسين، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله. رواه الطبراني، وهي آخر وصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عند مفارقته الدنيا جعل يقول وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" وهي آخر ما يفقد من الدين فإن ضاعت ضاع الدين كله قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة " والمتتبع لآيات القرآن الكريم يرى أن الله يذكر الصلاة ويقرنها بالذكر تارة " إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ "(العنكبوت 45) ، "قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ (15) "(سورة الأعلى)، " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي "( طه 14) وقد يقرنها بالزكاة "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ "(البقرة 43) ومرة بالصبر " وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ "( البقرة 45) ومرة بالنسك "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ "(الكوثر 2) ، " قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)" (الأنعام) وأحياناً يفتتح أعمال البر ويختتم بها كما في سورة المعارج "إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون " لذا فإن الصلاة واجبة على المسلم ما دامت روحه في جسده فلا يجوز أن يتكاسل عنها أو يفرط فيها فالمريض يتيمم إن لم يستطع الوضوء ويصلي قاعداً أو بالإيماء إن كان مستلقياً على فراشه والمقاتلون في ميادين الجهاد مكلفون كذلك لا يجوز أن ينشغلوا عنها ولا أن يضيعوا أوقاتها وقد رخص الشارع الحكيم في قصرها وأجاز في حالة الحرب القيام بأنواع الحركات خلالها قال تعالى "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)"(البقرة) وإنما كانت عناية الإسلام بالصلاة على هذا النحو لما تضمنته من الأسرار النفسية والحكم الخلقية والاجتماعية وبتتبع النصوص الواردة في الكتاب والسنة يمكن معرفة هذه الحكم والأسرار يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "إنَّ أحدَكم إذا قام يُصلِّي إنما يُناجي ربَّه ، فلْينظرْ كيف يُناجيه ؟ " (صحيح الجامع للألباني) والمناجاة هي مخاطبة الله مباشرة وهي تشعر المرء بوجود الله وجوداً حقيقياً وأنه قريب منه يسمع دعاءه ويلبي نداءه ويستجيب له وإذا واظب المصلي على هذه المناجاة خمس مراة في اليوم والليلة تيقظت قواه الروحية وأحس أن الله يمده بالقوة والعون وأنه سبحانه معه لا يتخلى عنه فتقوى عزيمته وتشتد إرادته ويمضي إلى عنايته دون تردد أو ضعف مهما اعترضته الصعاب والعقاب وإذا ظفر بمطلوبه وبلغ الذروة من الفوز والنجاح فإن ذلك لا يؤثر فيه ويداخله الغرور ولو قدر أنه لم يبلغ ما يريد فإنه لا يحزن ولا ييأس بل يعيد المحاولة من جديد واثقاً بالله ومتوكلاً عليه ومن جانب آخر فإن الصلاة انتزاع النفس من ماديات الحياة وآلامها وتوجيه لها إلى الله بالذكر والدعاء والضراعة والخضوع لكبرياءه وعظمته وهذا من شأنه أن يفضي على النفس السكينة والرضا ويجعلها تشعر بفيض من السعادة فتتجدد قواها ويحفزها ذلك على العمل الجاد والأمل في وجه الله الكريم ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوا بلالاً ليؤذن بالصلاة حين يشتد عليه الأمر فيقول "يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها " (صحيح أبي داود للألباني) وكان يقول "وجُعِلَ قرةُ عيني في الصلاةِ " (صحيح النسائي للألباني) والإنسان لا يصل إلى القرب من الله ولا يسعد برضاه إلا إذا تطهر من أدران الشرك والذنوب يقول الله تعالى "قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى" (الأعلى 14) والصلاة هي الوسيلة لهذا التطهر لأن المواظبة عليها تربي في المصلي القلب الحي الذي يبعث على الخير ويحض عليه ويمنع من الشر ويحذر منه ثم إن الله سبحانه أوجب صلاة الجماعة وأوجب صلاة الجمعة كل أِسبوع فاجتماع أهل الحي في اليوم خمس مرات مع اجتماعهم يوم الجمعة اجتماعاً أوسع مدى كل هذا يقوي الروابط الاجتماعية ويشد أواصر الصلاة بين المجتمع ويشعر كل واحد بأنه أخ لكل من في المسجد وأنه مساو له فتنموا روح المساواة الحقيقية فلا فرق بين غني ولا فقير ولا بين عظيم وحقير إلا بتقوى الله فكلهم عباد الله وبهذه الممارسة العملية للمساواة تنتفي فوارق اللون وفوارق الثراء وفوارق الدم فيشعر الفرد شعوراً حقيقياً بأنه للجماعة وتشعر الجماعة بأنها للفرد وهذه الغاية هي أسمى الغايات التي يجهد العلماء والحكماء والمربون في تحقيقها وإيجادها ليعم البشرية الأمن والسلام ولكنهم عجزوا وتعبوا ولم يصلوا إلى نتيجة ويلاحظ أن هذه الحكم لا يمكن أن تتحقق إلا إذا أقبل المصلي على صلاته وأفعالها وهذا هو المعبر عنه بالخشوع في قوله "قد أفح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون" فإذا تجردت الصلاة من هذا الوعي فهي قليلة الثمرة بل عديمة الجدوة فيجب أن نحافظ على صلاتنا لكي تنفعنا في دنيانا وآخرتنا:واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون

جعلنا الله من المحافظين على الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين في المساجد والقائمين بحقوقها لتكون صلاة حقيقية لا صورية

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1435-5-1 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 6 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي