الدرس 337 التحذير من الشرك

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 20 ربيع الثاني 1435هـ | عدد الزيارات: 1638 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قال ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا" أخرجه عبد الرزاق وصححه الترمذي

ابن مسعود رضي الله عنه لا يحب الحلف بالله ولا بغيره ، ولكن الحلف بالله كاذبا أهون عليه من الحلف بغيره صادقا، فالحلف كاذبا بالله محرم من وجهين:
الوجه الأول: أنه كذب، والكذب محرم لذاته
الوجه الثاني: أن هذا الكذب قُرِن باليمين، واليمين تعظيم لله عز وجل، فإذا كان على كذب صار فيه شيء من تنقص لله عز وجل ؛ حيث جعل اسمه مؤكدا لأمر كذب

وأما الحلف بغير الله صادقا فهو محرم من وجه واحد وهو الشرك، لكن سيئة الشرك أعظم من سيئة الكذب، وأعظم من سيئة الحلف بالله كاذبا، وأعظم من اليمين الغموس. وما أرسل الله الرسل وأنزل الكتب إلا لإبطال الشرك، فهو أعظم الذنوب، قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك" أخرجه البخاري ومسلم

والشرك متضمن للكذب، فإن الذي جعل غير الله شريكا لله كاذب، بل من أكذب الكاذبين; لأن الله لا شريك له

وعن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقولوا: ما شاء اللهُ وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء اللهُ، ثم شاء فلانٌ. " صحيح أبي داود للألباني.

قوله في حديث حذيفة رضي الله عنه "لا تقولوا": "لا": ناهية، ولهذا جُزم الفعل بعدها بحذف النون
قوله: "ما شاء الله وشاء فلان": والعلة في ذلك أن الواو تقتضي تسوية المعطوف بالمعطوف عليه; فيكون القائل: ما شاء الله وشئت؛ مسويا مشيئة الله بمشيئة المخلوق، وهذا شرك، ثم إن اعتقد أن المخلوق أعظم من الخالق، أو أنه مساو له فهو شرك أكبر، وإن اعتقد أنه أقل; فهو شرك أصغر
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان": لما نهى عن اللفظ المحرم بيّن اللفظ المباح; لأن "ثم" للترتيب والتراخي، فتفيد أن المعطوف أقل مرتبة من المعطوف عليه
أما بالنسبة لقوله: "ما شاء الله فشاء فلان"; فالحكم فيها أنها مرْتَبَة بين مرتبة (الواو) ومرتبة (ثم); فهي تختلف عن (ثم) بأن (ثم) للتراخي والفاء للتعقيب، وتوافق (ثم) بأنها للترتيب; فالظاهر أنها جائزة، ولكن التعبير ب (ثم) أولى; لأنه اللفظ الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أبين في إظهار الفرق بين الخالق والمخلوق

إذا الواو للتساوي وهذا شرك

ما شاء الله وشاء فلان

ثم للترتيب والتراخي ما شاء الله ثم شاء فلان وهو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم

الفاء : للترتيب والتعقيب وهذه جائزة ، ما شاء الله فشاء فلان

وثم أولى من الفاء لأنه اللفظ الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم

ويستفاد مما سبق
أولاً: إثبات المشيئة للعبد; لقوله: "ثم شاء فلان"، فيكون فيه رد على الجبرية حيث قالوا: إن العبد لا مشيئة له ولا اختيار
ثانياً: أنه ينبغي لمن سد على الناس بابا محرَّما أن يفتح لهم الباب المباح; لقوله: "ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان" ونظير ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا. ( البقرة الآية 104)، لما نهاهم عن قول راعنا; قال: {وَقُولُوا انْظُرْنَا} وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما جيء له بتمر جيد وأخبره الآتي به أنه أخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة; قال: "لا تفعل، ولكن بع الجمع بالدراهم، ثم اشتر بالدراهم جَنِيبا" أخرجه البخاري

أي: تمرا جيدا. فأرشده إلى الطريق المباح حين نهاه عن الطريق المحرم
وفي هذا فائدتان عظيمتان:
الأولى: بيان كمال الشريعة وشمولها، حيث لم تسد على الناس بابا؛ إلا فتحت لهم ما هو خير منه
والثانية: التسهيل على الناس ورفع الحرج عنهم
فعامل الناس بهذا ما استطعت، كلما سددت عليهم بابا ممنوعا; فافتح لهم من المباح ما يغني عنه، ما استطعت إلى ذلك سبيلا؛ حتى لا يقعوا في الحرج

وجاء عن إبراهيم النخعي: أنه يكره: أعوذ بالله، وبك، ويجوز أن يقول: بالله، ثم بك، ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا: لولا الله، وفلان

فائدة: إبراهيم النخعي": من فقهاء التابعين، لكنه قليل البضاعة في الحديث; كما ذكر ذلك حماد بن زيد
قول إبراهيم النخعي: "يكره أعوذ بالله وبك": العياذ: الاعتصام بالمستعاذ به عن المكروه، واللِّياذ بالشخص: هو اللجوء إليه لطلب المحبوب، قال الشاعر

يا من ألوذ به فيما أؤمله***ومن أعوذ به مما أحاذره

لا يجبر الناس عظما أنت كاسره***ولا يهيضون عظما أنت جابره

وهذان البيتان يخاطب بهما رجلا، لكن كما قال بعضهم: هذا القول لا ينبغي أن يكون إلا لله
قول إبراهيم النخعي: يكره أعوذ بالله، وبك

والصحيح أن هذا محرَّم لأنه جمع بين الله والمخلوق بحرف يقتضي التسوية، وهو الواو
ويجوز "بالله ثم بك"; لأن "ثم" تدل على الترتيب والتراخي، فإن قيل: سبق أن من الشرك الاستعاذة بغير الله وعلى هذا يكون قوله: أعوذ بالله ثم بك محرما
أجيب: أن الاستعاذة بمن يقدر على أن يعيذك جائزة

وسبق أن أشرنا إلى أن معنا العياذ الاعتصام بالمستعاذ به عن المكروه واللياذ بالشخص هو اللجوء إليه لطلب المحبوب

ولقوله صلى الله عليه وسلم في "صحيح البخاري" وغيره: "ومَن وجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعاذًا فَلْيَعُذْ بهِ." لكن لو قال: أعوذ بالله ثم بفلان. وهو ميت، فهذا شرك أكبر؛ لأنه لا يقدر على أن يعيذك

فوائد:
الأولى: أن الصحابة يفسرون الآية النازلة في الشرك الأكبر أنها تعم الأصغر: لأن قوله تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. نازلة في الأكبر; لأن المخاطب بها هم المشركون، وابن عباس فسرها بما يقتضي الشرك الأصغر; لأن الند يشمل النظير المساوي، على سبيل الإطلاق، أو في بعض الأمور
الثانية: أن الحلف بغير الله شرك: لحديث ابن عمر رضي الله عنهما

الثالثة: أنه إذا حلف بغير الله صادقا; فهو أكبر من اليمين الغموس: واليمين الغموس عند بعض العلماء - وهو الصحيح -: أن يحلف بالله كاذبا ليقتطع بها مال امرئ مسلم.
رابعاً: الفرق بين الواو وثم في اللفظ؛ لأن الواو تقتضي المساواة; فتكون شِرْكًا، وثم تقتضي الترتيب والتراخي; فلا تكون شركًا

وبالله التوفيق

1435/4/20هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 6 =

/500
روابط ذات صلة