الدرس 338 قول الله تعالى:فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 20 ربيع الثاني 1435هـ | عدد الزيارات: 1669 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

لما ذكر سبحانه ما يقر به الكفار من أفعاله التي لم يفعلها غيره: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ، (البقرة 21، 22) فكل من أقر بذلك لزمه أن لا يعبد إلا المقر له; لأنه لا يستحق العبادة من لا يفعل ذلك، ولا ينبغي أن يُعبَد إلا من فعل ذلك، ولذلك أتى بالفاء الدالة على التفريع والسببية، أي فبسبب ذلك لا تجعلوا لله أندادا
و"لا" هذه ناهية; أي: فلا تجعلوا له أندادا في العبادة، كما أنكم لم تجعلوا له أندادا في الربوبية، وأيضا لا تجعلوا له أندادا في أسمائه وصفاته; لأنهم قد يصفون غير الله بأوصاف الله عز وجل، كاشتقاق العزى من العزيز، وتسميتهم رحمن اليمامة كما أنكر سهيل بن عمرو كتابتها في صلح الحديبية
قوله: "أندادا": جمع ند، وهو الشبيه والنظير، والمراد هنا: أندادا في العبادة
قوله: "وأنتم تعلمون ": الجملة في موضع نصب حال من فاعل "تجعلوا" ; أي: والحال أنكم تعلمون، والمعنى: وأنتم تعلمون أنه لا أنداد له-يعني في الربوبية-; لأن هذا محط التقبيح من هؤلاء، أنهم يجعلون له أندادا إذاً هم في قرارة أنفسهم يعلمون أنه لا أنداد لله في العبادة أي لا شبيه له ولا نظير في العبادة ومع ذلك يجعلون له أنداد في العبادة فأفعالهم تخالف ما في قلوبهم أفعالهم تخالف قناعات قلوبهم وهم يعلمون أنه لا أنداد له في الربوبية، أما في الألوهية; فيجعلون له أندادا

قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:"أَجَعَلَ الْألِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ،" (ص 5) ويقولون في تلبيتهم: "لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك"، وهذا من سفههم; فإنه إذا صار مملوكا; فكيف يكون شريكا، ولهذا أنكر الله عليهم في قوله:" فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ،" إذ الأنداد بالمعنى العام- بقطع النظر عن كونه يخاطب أقواما يقرون بالربوبية- يشمل الأنداد في الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات.

وقال ابن عباس في تفسير قوله تعالى:" فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ "

الأنداد هو الشرك، أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله، وحياتك يا فلان، وحياتي، وتقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص

وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان لا تجعل فيها فلانا، هذا كله به شرك"، رواه ابن أبي حاتم

يقول ابن عباس رضي الله عنه :"الأنداد هو الشرك فإذا الند هو الشريك المشارك لله سبحانه وتعالى فيما يختص به "

قول ابن عباس :"أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل "

قوله :"دبيب" أي: أثر دبيب النمل، وليس فعل النمل
وقوله: "على صفاة": هي الصخرة الملساء
وقوله: "سوداء": وليس على بيضاء; إذ لو كان على بيضاء; لبان أثر السير أكثر
وقوله: "في ظلمة الليل": وهذا أبلغ ما يكون في الخفاء
فإذا كان الشرك في قلوب بني آدم أخفى من هذا; فنسأل الله أن يعين على التخلص منه، ولهذا قال بعض السلف: "ما عالجت نفسي معالجتها على الإخلاص"

وقوله: "والله وحياتك": فيها نوعان من الشرك
الأول: الحلف بغير الله
الثاني: الإشراك مع الله بقوله: والله! وحياتك!
فضمها إلى الله بالواو المقتضية للتسوية؛ فيه نوع من الشرك
والقسم بغير الله إن اعتقد الحالف أن المقسم به بمنزلة الله في العظمة; فهو شرك أكبر، وإلا; فهو شرك أصغر
وقوله: "وحياتي": فيه حلف بغير الله; فهو شرك
وقوله: "لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص": كليبة تصغير كلب، والكلب ينتفع به للصيد وحراسة الماشية، والحرث
فقوله: "لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص" يكون فيه شرك إذا نظر إلى السبب دون المسبِّب، وهو الله عز وجل أما الاعتماد على السبب الشرعي، أو الحسي المعلوم; فقد تقدم أنه لا بأس به بشرط أن لا يعتقد أن السبب مؤثر بنفسه وأن لا يتناسى المنعم بذلك ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عمه أبي طالب: "لولا أنا; لكان في الدرك الأسفل من النار" أخرجه البخاري ومسلم من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، لكن قد يقع في قلب الإنسان إذا قال: لولا كذا لحصل كذا أو ما كان كذا، قد يقع في قلبه شيء من الشرك؛ بالاعتماد على السبب بدون نظر إلى المسبب، وهو الله عز وجل
وقوله: "لولا البط في الدار لأتى اللصوص": البط طائر معروف، وإذا دخل اللص البيت وفيه بط، فإنه يصرخ، فينتبه أهل البيت ثم يجتنبه اللصوص

وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت: فيه شرك لأنه شرك غير الله مع الله بالواو، فإن اعتقد أنه يساوي الله عز وجل في التدبير والمشيئة فهو شرك أكبر، وإن لم يعتقد ذلك واعتقد أن الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء فهو شرك أصغر،

وكذلك قوله:لولا الله وفلان

هذا كله به شرك: المشار إليه ما سبق، وهو شرك أكبر أو أصغر حسب ما يكون في قلب الشخص من نوع هذا التشريك

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"، رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم ، وصححه الألباني في إرواء الغليل.
من: شرطية فتكون للعموم
قوله: أو أشرك: شك من الراوي، والظاهر أن صواب الحديث أشرك. فيكون نص الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من حلف بغير الله فقد أشرك"وقوله صلى الله عليه وسلم : " من حلف بغير الله فقد أشرك": يشمل كل محلوف به سوى الله، سواء بالكعبة أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو السماء أو غير ذلك، ولا يشمل الحلف بصفات الله; لأن الصفة تابعة للموصوف وعلى هذا; فيجوز أن تقول: وعزة الله; لأفعلن كذا
وقوله صلى الله عليه وسلم: "بغير الله": ليس المراد بغير هذا الاسم، بل المراد بغير المسمى بهذا الاسم، فإذا حلف بالله أو بالرحمن أو بالسميع; فهو حلف بالله
والحلف: تأكيد الشيء بذكر معظم بصيغة مخصوصة؛ بالباء، أو التاء، أو الواو، وحروف القسم ثلاثة: الباء، والتاء، والواو
والباء: أعمها; لأنها تدخل على الظاهر والمضمَر وعلى اسم الله وغيره، ويذكر معها فعل القسم ويحذف، فيذكر معها فعل القسم; كقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ (الأنعام 109)
ويحذف مثل قولك: بالله لأفعلن; وتدخل على المضمر مثل قولك: الله عظيم أحلف به لأفعلن، وعلى الظاهر كما في الآية وعلى غير لفظ الجلالة، مثل قولك: بالسميع لأفعلن، وأما الواو; فإنه لا يذكر معها فعل القسم، ولا تدخل على الضمير، ويحلف بها مع كل اسم، وأما التاء; فإنه لا يذكر معها فعل القسم، وتختص بالله ورب، قال ابن مالك والتاء لله ورب
والحلف بغير الله شرك أكبر؛ إن اعتقد أن المحلوف به مساو لله تعالى في التعظيم والعظمة، وإلا فهو شرك أصغر

وبالله التوفيق

1435/4/20 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 7 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي