ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس335 الصيام

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 1 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1680 القسم: الفوائد الكتابية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الصيام له أهمية في حياة المسلم فهو الركن الرابع من أركان الإسلام فرضه الله على هذه الأمة كما فرضه على الأمم السابقة قال سبحانه في كتابه الكريم":يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة 183)

أحبتي؛

هذه الآية الكريمة تقرر أمراً سماوياً بفرض الصيام على المؤمنين كما سبق أن فرض على الأمم الأخرى ثم تقرن الآية الفريضة بأثرها الذي يتوقع من القيام بها وهو التقوى، وهو أثر يحدث في قلب المؤمن متى أدَّى فريضة الصيام على وجهها والتزم شروطها وآدابها، فكأن الصيام على ما تقرره الآية وسيلة تربوية تتحقق بها تقوى القلب وخشوع الجوارح وهذا هو المقصود الأول من الفريضة

ومن حكمة الخالق جل وعلا أن يتحدث إلى عباده مبيناً لهم الحكمة من أوامره والفائدة التي تعود عليهم من الإذعان لها برغم أنه هو الإله الخالق المقتدر ونحن عباده الضعفاء الفقراء إليه وهو القائل "إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز" ومع ذلك نجد الله سبحانه يعبر دائماً في كتابه عن الحكمة التي رتبها على فرائضه

فالصلاة عون للمؤمن على احتمال صروف الدهر "واستعينوا بالصبر والصلاة "(البقرة45) والزكاة طهر للمؤمن ودرء لمفاسد الحياة الاجتماعية "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " والحج موسم لنفع العباد دينا ودنيا " ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله " وكذلك الصوم أعظم ما يتوقع منه أن يتقى المرء ربه "ولباس التقوى ذلك خير" وحسبنا من الصيام أنه يثبت في قلوبنا تقوى الله وهي جماع كل خير وأساس كل فضل في حياة الناس فلم يترك القرآن عملاً يكلف به المؤمن أو خلقاً يؤمر به إلا جعله أثراً لهذا المعنى النفسي العميق "التقوى" وامتداداً لمنازع الكمال التي تصدر عنه ومن هنا كان من حقيقة التقوى ما جاء من أمر المؤمنين بالصدق أو بالأمانة أو بالشجاعة أو بالصبر أو بالعفة أو بالعدل أو بالعفو أو بالرحمة أو بضبط النفس فإن الإٍسلام يقرن ممارسة هذه الأخلاق بالتقوى كشرط في أخلاق المؤمنين وكأثر ناتج عن سلوكهم الطيب النزيه ولذلك لا غرابة أن يكون الأثر الناشئ عن الصيام هو التقوى أليس الصيام الصبر عن الحرمان من ضرورات الحياة وشهواتها والصبر نصف الإيمان على ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم والصابرون ينالون ثواب الله بلا حدود "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"

أخي

يمتاز الصيام عن جميع الفرائض الدينية بأمر جوهري هو أنها جميعاً أعمال أو حركات إيجابية أما هو فامتناع باطني لأنه ترك وكف للنفس عن بعض ما تعودته فإذا كانت الصلاة قياماً وركوعاً وسجوداً فإن الوسيلة إلى ذلك أن تتحرك الجوارح لأداء هذه الحركات الإيجابية في جماعة مشهودة يحرص عليها المؤمن لأنها أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة وكذلك الزكاة عطاء إيجابي لحق الله وتوصيله إلى يد مستحقيه سائلاً كان أو محروماً وكذلك الحج سفر وسعي وتضحية بالوقت والمال وتعب يتحمله البدن ومتعة يتذوقها المؤمن بكل جوارحه أما الصوم فهو في الحقيقة إيقاف لبعض الوظائف العضوية في جسم الإنسان وتعطيل لها إلى فترة محدودة

سواء أكان صياماً اختيارياً على سبيل التطوع أم إجبارياً على وجه الفريضة فإذا كانت المعدة قد تعودت أن تعمل ثلاث مرات بانتظام كل يوم فإنها في حال الصيام تعمل مرتين في موعد مختلف تشعر معه بالفراغ ويحس معه المرء بإحساس الجوع والعطش طول النهار وحسبنا من فراغ المعدة راحتها من التخمة وعسر الهضم وما يترتب على فراغها من صفاء الذهن وسلامة التفكير وحسبنا من كف الجوارح تأديب المرء عن كثير من الرذائل التي ألفها وتعود الولوغ فيها فلن يعد الصائم صائماً حتى يكف عن النظر إلى العورات وحتى يحفظ لسانه عن التحدث بالباطل فلا يكذب ولا يغتاب ولا يسير بين الناس بالنميمة ولا يشتم عرضاً ولا يتعلق بلغو الحديث وقد قال تعالى "قد أفلح المؤمنون الذي هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون" فجعل الإعراض عن اللغو هو الصفة الثانية من صفات المؤمنين بعد الصلاة وربما كان المراد بها الصوم لأن المطلوب في هذه الصفة هو الإمساك عن اللغو وهو جوهر الصيام وحقيقته ولأنه جاء بعدها بقوله " والذين هم للزكاة فاعلون" فقد وصفهم القرآن إذاً بأداء الصلاة والصيام والزكاة وقد جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " وإذا ظن بعض الناس أن الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والشهوة وما عدى ذلك فهو مباح فإن الأئمة من السلف الصالح كانوا يعدون الانحراف عن آداب الدين في أثناء الصيام من دواعي الأفطار

جعلنا الله من الصائمين القائمين

1435/1/5 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 3 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي