الدرس 192: الذبائح

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 12 ربيع الثاني 1435هـ | عدد الزيارات: 2402 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

توجيه الذبيحة إلى القبلة وقت الذبح ليس من شروط صحة الذكاة وإنما هو سنة والسنة ذبح الغنم والبقر في الحلق ونحر الإبل في اللبة ولا بد من قطع المريء والحلقوم لحل الذبيحة وإن قطع معهما الودجين أو أحدهما فهو أكمل وأحوط

إذا ذبحت البهيمة ووجد في بطنها جنين حي ومات بذبح أمه أو إذا خرج حيا وذبح جاز أكله والأصل في ذلك حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الجنين "ذكاته ذكاة أمه" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه

إمرار اليد على ظهر الذبيحة قبل ذبحها وقول "اللهم اجعلها صدقة عني تدفع البلاء عني وعن أبنائي" كل ذلك بدعة لا أصل لها من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيجب ترك ذلك والاقتصار على ما ورد فالسنة إذا كانت الذبيحة أضحية أو هديا أن يقول حين يحرك يده بالنحر أو الذبح "بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك" ولا بأس أن يقول اللهم تقبل من فلان أو تقبلها مني إن كان المهدي أو المضحي هو المتولي للذبح وإن كانت ذبيحة مطلقة أي ليست أضحية ولا هديا أو عقيقة فيقتصر على قول بسم الله والله أكبر لقول الله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ

وعليك أن تذبح المريضة محافظة على المال ولا تتركها حتى تموت لما في ذلك من ضياع المال وأطعم لحمها من تطيب نفسه من الناس أن يأكلها وإلا فأطعمها ما يأكلها من الكلاب والهرر ونحوهما

ما ند من الأنعام ونحوها من مأكول اللحم وعجزنا عن إمساكه جاز لنا أن نذكيه رميا بما ينفذ فيه سهام ورصاص ونحو ذلك ثم إن أدركناه حيا ذكيناه وإن وجدناه مقتولا أكلناه

ويجوز أيضا إرسال الكلب المعلم ونحوه مما اتخذ للصيد على الغزال ونحوه من الحيوانات الوحشية ثم إن قتله أكلناه وإن وجدناه حيا ذكيناه وأكلناه كما دل على ذلك حديث أبي ثعلبة وحديث عدي بن حاتم

وإذا كان الحيوان لا يستطاع تذكيته الذكاة الشرعية إلا بضربه في رأسه بالمطرقة الحديدية جاز ضربه بها ليتمكن من تذكيته ثم إذا أدرك حيا بعد سقوطه وجبت تذكيته على الطريقة الشرعية المعهودة وجاز أكله ما دامت تذكيته قد تمت وبه حياة وإن لم تدرك ذكاته وهو حي لم يؤكل لأنه موقوذة وقد حرمها الله بقوله "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ" وإن أمكن تذكيته بلا ضرب بالمطرقة ونحوها لم يجز ضربه بها لما فيه من تعذيب الحيوان

وما عجز عن ذبحه في الحلق لهربه أو سقوطه في حفرة أو بئر فذكاته بجرحه في أي موضع من بدنه إلا إذا كان رأسه في الماء ونحوه مما يموت بسببه غالبا لاحتمال أن يكون موته بسبب ذلك لا بجرحه "فعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فند بعير من إبل القوم ولم يكن معهم خيل فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما فعل منها هذا فافعلوا به هكذا" رواه الخمسة

التسمية واجبة على كل ذبيحة بمفردها ولا تجزئ التسمية الجماعية لأن حكم كل ذبيحة مستقل عن الأخرى قال تعالى "فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل

وتكفي تسمية واحدة عند ذبح الجميع إذا كانت الآلة المستخدمة للذبح يحصل بها ذبح الجميع عند تحريكها أما إن كانت الآلة تذبح عددا بعد عدد فإنه يسمى عند كل تحريكة للذبح

لا بد أن تكون التسمية من الذابح لا من الجهاز يقول بسم الله والله أكبر

يجوز الأكل من الذبيحة إذا نسي الذابح التسمية على المشهور من مذهب أحمد وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة وعطاء وطاووس وسعيد بن المسيب والحسن وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجعفر بن محمد وربيعة لأنه قول ابن عباس ولم يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم وأما قوله تعالى "وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ" فمحمول على ما تركت التسمية عمدا بدليل قوله في الآية "وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ" والأكل مما نسيت التسمية عليه ليس بفسق

ولا يجوز الأكل مما أهل به لغير الله كالذبائح التي يتقرب بها أصحاب المشاهد لأصحاب القبور لأنها في حكم الميتة ولكن من أكل منها لا يكفر بذلك إذا لم يستحل ذلك وإنما حمله على الأكل الجهل في الحكم الشرعي أو التساهل

ولا يجوز الأكل مما ذبح إحياء لذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه من جنس ما أهل به لغير الله ومن هذا الجنس ما ذبح بمكان يذبح فيه لغير الله وكذا ما ذبح ببلد عند مرور ملك أو وجيه بطيارة مثلا في سمائها تكريما لمروره

لا يجوز أكل ما قطع من الحيوان المأكول وهي حية كالخصى والإلية ونحوهما لأن ذلك في حكم الميتة لقوله صلى الله عليه وسلم "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة" رواه أحمد

وكذا إذا رمي الصيد وسقط منه جزء كيد أو رجل أو قطعة لحم ونحو ذلك وبقي الحيوان بعدها حيا حياة مستقرة فإن هذا الجزء ميتة لا يباح أكله

وإذا رمي الصيد بالبندقية وذكر اسم الله فأصابت الرمية الصيد فإن أدركه حيا فإنه يذكيه وإن مات من الرمية فهو حلال يباح أكله ومثله إذا كان صاحب الكلب هو الذي أرسل الكلب وذكر اسم الله فلا حرج في أكل ما صاده إذا أدركه وقد مات أما إذا أدركه حياً فيجب تذكيته ولا حرج في أكل ما عضه ذلك الكلب من لحمه لورود السنة الصحيحة بحل ذلك

ويجوز اتخاذ الكلب لحراسة البيت أو الماشية أو الزراعة لما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم "من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط" رواه البخاري ومسلم

والضبع والضب حلال وأما الثعلب فحرام

لا يجوز قتل ما أحل الله إلا بالذبح أو النحر أو الصيد بالطريقة الشرعية ليؤكل أو يباع أو يهدى لمن يأكله أما قتله لمجرد اللعب واللهو فممنوع لما فيه من ضياع المال مع تعذيب الحيوان

إذا مات الطير بالرش أكل وإلا فلا

حكم صيد الكافر كحكم ذبيحته في الحل والتحريم وذلك من حيث توليه الصيد أو الذبح فإن كان كتابيا يهوديا أو نصرانيا فذكر اسم الله عليه أكل وإن كان غير كتابي لم تؤكل ذبيحته ولا صيده ولو ذكر اسم الله عليه

أخذ الطيور الصغار المأكولة اللحم من أعشاشها لتذبح وتؤكل بعد أن صلحت للانتفاع بأكلها فلا بأس به وأما أخذها للعبث واللهو بها فغير جائز

وكذا لا يجوز قتل أمهاتها أو أخذها حية وأولادها صغار تحتاج إلى رعاية أمهاتها

إذا صاد غير المحرم حماما أو غزالا أو غيرهما من غير أرض الحرم من جدة أو أبها أو نحوهما ثم دخل به مكة المكرمة أو دخل به من اشتراه مكة أو غيرها من أرض الحرم جاز له بيعه وذبحه وأكله وجاز لغيره أن يأكل منه على القول الصحيح وبه قال مالك والشافعي وداود لما ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه كان له أخ صغير يقال له أبو عمير وكان له نغر يلعب به فمات النغر فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول "يا أبا عمير ما فعل النغير" رواه البخاري ومسلم وموضع الدلالة منه أن النغر من جملة الصيد وكان مع أبي عمير في حرم المدينة ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وأيضا المنهي عنه صيد المحرم وصيد ما في الحرم وهذا ليس بصيد حرم ولا بصيد محرم

ومراد اللجنة بذلك أنه من حرم المدينة وليس من حرم مكة

وبالله التوفيق

وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين

1435-4-12هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي