الدرس الرابع والستون: كتاب الجنائز 5

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 12 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 2009 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

قوله :" فَصْلٌ في الصلاة على الميِّتِ:

السُّنَّةُ أن يقوم الإمام عند صدره، وعند وسطها، ويكبر أربعًا يقرأ في الأولى بعد التعوذ الفاتحة ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية".

يقوم الإمام عند رأس الرجل وعند وسط المرأة؛ لما روى سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "صَلَّيْتُ ورَاءَ النبيِّ ،صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، علَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ في نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا وسَطَهَا." . أخرجه البخاري

وروى أبو غالب الخياط قال: " شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه فلما رفع أتى بجنازة امرأة من قريش أو من الأنصار فقيل له يا أبا حمزة هذه جنازة فلانة ابنة فلان فصلى عليها فقام وسطها وفينا العلاء بن زياد العدوي فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة قال يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حيث قمتَ ومن المرأة حيث قمتَ قال: نعم، قال: فالتفت إلينا العلاء فقال: أحفظوا. " أخرجه أحمد وصححه الألباني.

قوله :" ويكبر أربعًا" كل تكبيرات صلاة الجنازة الأربعة كلها أركان.

قوله:" يقرأ في الأولى بعد التعوذ الفاتحة" التعوذ سُنَّةٌ؛ لعموم قوله تعالى :{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [النحل:98]، وصيغ التعوذ ثلاثة: : الأولى: أن يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . الثانية: أن يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، وهي أفضل من الأولى، الصيغة الثالثة : أن يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه، ونفثه،، وهذه أكمل . والفاتحة في صلاة الجنائز ركن، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"لَا صَلَاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ. " رواه البخاري.

قوله:" ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية كالتشهد " وأكملها هي: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ؛ إنك حميد مجيد. وإن اقتصر على قول اللهم صل على محمد أجزأ كما يجزئ ذلك في التشهد الأخير.

قوله :"ويدعو في الثالثة فيقول: اللَّهُمَّ اغفِر لحيِّنا وميِّتِنا وشاهدِنا وغائبِنا وصغيرِنا وَكبيرِنا وذَكَرِنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا ، وأنت على كل شيء قدير اللَّهُمَّ مَن أحييتَه منَّا فأحيِهِ علَى الإسلام والسنة، ومَن تَوفَّيتَه مِنَّا فتوفَّهُ علهما، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوبُ الأبيضُ من الدنس، وأبدلْه دارًا خيرًا من داره، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخلْهُ الجنَّةَ، وأعذه من عذابِ القبرِ، وعذابِ النَّارِ، وافسح له في قبره، ونور له فيه، وإن كان صغيرا قال: اللهم اجعله ذخرا لوالديه، وفرطا وأجرًا، وشفيعًا مجابًا، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقِهِ برحمتك عذابَ الجحيمِ ".

الدُّعاءُ للميِّت رُكنٌ في صلاةِ الجِنازة فعن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "إذا صليتُم على الميِّتِ، فأخْلِصوا له الدُّعاءَ" صحيح أبي داود للألباني ، كما أن القصدَ من هذه الصَّلاةِ الدُّعاءُ للميِّت؛ فلا يجوزُ الإخلالُ بالمقصودِ.

قوله :"ويدعو في الثالثة فيقول: اللَّهُمَّ اغفِر لحيِّنا وميِّتِنا وشاهدِنا وغائبِنا وصغيرِنا وَكبيرِنا وذَكَرِنا وأنثانا" .

قد ورد ما ذكره المصنف رحمه الله من دعاء للميت في صحيح أبي داود للألباني بلفظ " اللَّهُمَّ اغفِر لحيِّنا وميِّتِنا وصغيرِنا وَكبيرِنا وذَكَرِنا وأنثانا وشاهدِنا وغائبِنا ".

قوله :" إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير"(منقلبنا) ما ننقلب إليه، (ومثوانا): أي ما نصير إليه .

قوله:"وأنت على كل شيء قدير" أي القادر على كل شيء.

قوله:" اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما"، الوارد في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :" اللَّهُمَّ مَن أحييتَه منَّا فأحيِهِ علَى الإيمانِ ومَن تَوفَّيتَه مِنَّا فتوفَّهُ على الإسلامِ" صحيح أبي داود للألباني.

والدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه أَوْلَى بالمحافظة عليه من الدعاء غير الوارد.

قوله:"اللهم اغفر له وارحمه،" المغفرة محو آثار الذنوب وسترها، ولهذا يجمع بين المغفرة والرحمة كثيرا؛ لأن المغفرة نجاة مما يرهب، وبالرحمة يُحصِّل ما يرغب.

قوله:"وعافه واعف عنه" العفو هو التسامح، والتجاوز عن الذنوب، والمعافاة : السلامة من آثام المحرم.

قوله:"وأكرم نزله" أي الإكرام الذي يقدم للضيف.فتسأل الله أن يكرم ضيافته.

قوله :"ووسع مدخله" أي أوسعْ مكانَ دخوله، وهو القبر.

قوله:"واغسله بالماء والثلج والبرد"أي غسل آثار الذنوب ، والغسل هنا ليس على حقيقته وإنما هو مجاز يراد به المبالغة في محو الخطايا .

قوله:"ونقِّه من الذنوب والخطايا كما يُنقَى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنسِ " الحديث الوارد عن عوف بن مالك الأشجعي جاء بلفظ "وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ" (صحيح مسلم)، دون لفظة (الذنوب). والخطايا : جمع خطيئة ، وهو ما خالف فيها الصواب، سواء كان فعلا للمحظورأو تركًا للمأمور، وهي تشمل الصغائر والكبائر.

وقوله صلى الله عليه وسلم:"كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ" هذا تشبيه لقوة التنقية ، أي نقه نقاء كاملا، وخُصَّ الأبيض؛ لأن ظهور الدنس على الأبيض أبين من ظهوره على غيره .

قوله:"وأبدلْه دارًا خيرًا من داره" أي: عَوِّضْه في الآخرة ما هوَ خيرٌ مِن دارِه في الدُّنيا الفانِيَةِ.

قوله:"وزوجًا خيرًا من زوجه،" خيرية الزوج هنا ليست خيرية في العين بل خيرية في الوصف وهذا يتضمن أن يجمع الله بينهما في الجنة لأن أهل الجنة ينزع الله ما في صدورهم من غل ويبقون على أصفى ما يكون والتبديل كما يكون بالعين يكون بالصفة ومنه قوله تعالى:" يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ" (إبراهيم 48) فالأرض هي الأرض بعينها لكنها اختلفت.

قوله:"وأدخله الجنة" وهي دار المتقين.

قوله:"وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار" القبر فيه عذاب لكن الله قد يقي الإنسانَ عذابَه إذا ألحَّ على الله بالدعاء، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال :"تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ" صحيح مسلم.

قوله :"وعذاب النار" الإنسان قد يدخل الجنة بعد أن يعذب في النار، فأنت تسأل الله دخول الجنة نقيًّا دونَ عذاب.

قوله:"وافسح له في قبره" أي وسع له؛ لأن الفسحة السعة.

قوله:"ونوّرْ له فيه" أي اجعل له في قبره نورًا.

قوله: وإن كان صغيرا" ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:" والسِّقطُ يصلَّى علَيهِ ، ويُدعى لوالديهِ بالمغفِرةِ والرَّحمةِ " صحيح أبي داود للألباني.

قوله:"اللهم اجعله ذخرا لوالديه،"

أي مذخورا لوالديه يرجعان إليه وقت الشدة، وهو يوم القيامة؛ لقوله صلى الله عليه ولم:"صِغارُكُم دَعَامِيصُ الجنةِ ، يَتَلَقَّى أحدُهم أباهُ ، فيأخذُ بثوبِه فلَا ينتهِي حتى يُدخِلَه اللهُ و أباهُ الجنةَ " صحيح الجامع للألباني.

قوله :"وفرطًا" الفرط: هو السابق، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : " أنا فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ" صحيح البحاري، فالفرط: هو السابق؛ ففرطه على الجنة بمعنى: أنه يسبق والديه إلى الجنة.

قوله:"وأجرا" أي :اجعله لهما أجرًا .

قوله:"وشفيعًا مجابًا" هو الذي يتوسط لغيره لجلب منفعة ، أو دفع مضرة، والشفيع قد يجاب وقد لا يجاب، فسأل الله أن يكون شفيعًا مجابًا.

قوله:" اللهم ثقل به موازينهما " أي موازين الأعمال.

قوله:" وأعظم به أجورهما "أي : اجعل أجورهما عظيمة.

قوله:"وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم " أي بصغار المؤمنين الذين سلفوا ففي صحيح البخاري " ... فَقُلتُ: ما هذا؟ قالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حتَّى انْتَهَيْنَا إلى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وفي أصْلِهَا شيخٌ وصِبْيَانٌ، وإذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا، فَصَعِدَا بي في الشَّجَرَةِ، وأَدْخَلَانِي دَارًا لَمْ أرَ قَطُّ أحْسَنَ منها، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وشَبَابٌ، ونِسَاءٌ، وصِبْيَانٌ،" وفيه "... والشَّيْخُ في أصْلِ الشَّجَرَةِ إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ، والصِّبْيَانُ، حَوْلَهُ، فأوْلَادُ النَّاسِ "، وفي صحيح الجامع عن أبي هريرة رضي الله عنهقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: :"أطفالُ المؤمنينَ في جبلٍ في الجنةِ ، يكفلُهم إبراهيمُ و سارَّةُ ، حتى يردَّهم إلى آبائِهم يومَ القيامةِ "

قوله:"وقه برحمتك عذاب الجحيم " أي: اجعله سالما من عذاب الجحيم.وهذا من باب التوسل بصفة الله. وهي رحمته، فيكون هذا الدعاء لهذا الصبي أن يقيه الله عذاب الجحيم إذا عرض عليها يوم القيامة.

قوله:"ويقف بعد الرابعة قليلاً" ؛ ليتميز التكبير عن السلام

قوله:" ويسلم واحدة عن يمينه" لما روي عن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عنهما، أنَّه: (سَلَّمَ تسليمةً خفيفةً على الجِنازة) ؛ ولأنَّ صلاةَ الجِنازة مبنيَّةٌ على التَّخفيفِ ، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من السلف.

قوله:"ويرفع يديه مع كل تكبيرة " حتى يكونا حذو منكبيه أو حذو فروع أذنيه.

قوله:" وواجبُها: قيامٌ، وتكبيراتٌ، والفاتحةُ، والصلاةُ على النبي، صلى الله عليه وسلم، ودعوة للميت ، والسلام ".

قوله "وواجبُها:" المراد من واجبها هنا أي : أركانها .

قوله:" قيامٌ،"، قيامُ القادرِ لصلاةِ الجِنازة رُكنٌ، فعن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: " كَانَتْ بي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ، فَقالَ: صَلِّ قَائِمًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ." رواه البخاري، ووجه الدلالة: أنَّ هذا الأمرَ عامٌّ في كلِّ الصَّلواتِ، فيشمَلُ صلاةَ الجِنازة؛ لأنَّها صلاةٌ من الصَّلواتِ.

قوله:"وتكبيراتٌ "أي: أربع تكبيرات؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:" نعى النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، إلى أصحابه النجاشيَّ ثُمَّ تقدَّمَ فصفوا خلفَه فكبَّر أربعاً ." أخرجه البخاري.

قوله:"والفَاتِحَةُ"؛ وقراءة الفاتحة ركنٌ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم :" لَا صَلَاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ.. " (صحيح البخاري).

قوله:"والصلاةُ على النبي، صلى الله عليه وسلم،" والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن من أركان الصلاة على الميت، فعن أبي أُمامةَ بنِ سَهلٍ، أنَّه أخبرَه رجلٌ من أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:" أنَّ السُّنَّة في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يُكبِّرَ الإمامُ، ثم يقرأَ بفاتحةِ الكتابِ- بعدَ التكبيرة الأولى- سِرًّا في نفْسِه، ثم يُصلِّيَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُخلِصَ الدُّعاءَ للجِنازةِ في التكبيراتِ،." قال الألباني في (أحكام الجنائز) (155): "صحيحٌ على شرط الشيخين"

قوله:"والدعوة للميت "الدعاءُ للميت ركنٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :" إذا صلَّيتُم على الميِّتِ فأخلِصوا لَه الدُّعاءَ " صحيح أبي داود للألباني.

قوله:"والسلام " السَّلامُ ركنٌ في الصلاة على الميت؛ لعموم فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد " ...كانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بالتَّسْلِيمِ" صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

قوله:"ومن فاته شيء من التكبير قضاه على صفته، ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر ، وعلى غائب عن البلد بالنية إلى شهر، ولا يصلي الإمام على الغالّ،ولا على قاتل نفسه، ولا بأس بالصلاة عليه في المسجد".

قوله:"ومن فاته شيء من التكبير قضاه على صفته،" أي على صفة ما فاته، وصفة القضاء: أن يعتبر ما أدركه هو أول صلاته وما يقضيه هو آخرها؛ لقوله ﷺ: في الصحيحين " فما أدركتمم فصلوا وما فاتكم فأتموا" فإذا أدرك الإمام في التكبيرة الثالثة كبر وقرأ الفاتحة، وإذا كبر الإمام الرابعة كبر بعده وصلى على النبي ﷺ، فإذا سلم الإمام كبر المأموم المسبوق ودعا للميت دعاءً موجزًا، ثم يُكبِّر الرابعةَ ويسلم.

قوله:"ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر" ويدل على ذلك : ما رواه البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ قَدْ دُفِنَ لَيْلا ، فَقَالَ : مَتَى دُفِنَ هَذَا ؟ قَالُوا : الْبَارِحَةَ . قَالَ : أَفَلا آذَنْتُمُونِي !؟ قَالُوا : دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ . فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَا فِيهِمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ ".

قوله:"وعلى غائب عن البلد بالنية إلى شهر،" تجوز صلاة الجنازة على الميت الغائب عن البلد؛ إن كان ذا شأن لخدمته للإسلام ؛ وذلك لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: (نَعَى لنا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النَّجاشِيَّ صاحِبَ الحَبَشَةِ، يَومَ الذي ماتَ فِيهِ، فقالَ: اسْتَغْفِرُوا لأخِيكُمْ. وعَنِ ابْنِ شِهابٍ، قالَ: حدَّثَني سَعِيدُ بنُ المُسَيِّبِ: أنَّ أبا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، قالَ: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَفَّ بهِمْ بالمُصَلَّى فَكَبَّرَ عليه أرْبَعًا.)اللفظ للبخاري.

قوله:" بالنية إلى شهر" الصلاة عليه بعد مدة تصل إلى شهر ليس هذا فعلَ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد صلى على النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، والاستدلال بحديث :" أنَّ النبيَّ صلَّى على أمِّ سعدِ بنِ عبادةَ بعدَ شهرٍ " فهو ضعيف، ضعفه الألباني في إرواء الغليل.وعليه فالصلاة على الغائب تكون في اليوم الذي يموت فيه الميت أو ما قرب منه، لا ما إذا طالت المدة، حكاه ابن عبد البر.

قوله: "ولا يصلي الإمام على الغَالِّ ولا على قاتل نفسه."

قوله:"ولا يصلي الإمام على الغَالِّ" الغلول : الخيانة والسرقة، أي لا يصلي وليُّ الأمر على الغال، وهو من كتم شيئاً مِمَّا غنمه في الجهاد قال تعالى:" وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. " (آل عمران 161)

قوله:"ولا على قاتل نفسه"ولا يصلي ولي الأمر على قاتل نفسه نكالاً لمن بقى بعده لأن قاتل نفسه والعياذ بالله أتى بكبيرة من كبائر الذنوب وسوف يعذب في جهنم بما قتل به نفسه ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. "

لكن يصلي عليه بقية الناس لأنه مسلم لا يكفر، وإن كان يخلد في النار إلى أن يشاء الله

قوله:"ولا بأس في الصلاة عليه في المسجد" ثبت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على الجنائز في مكان خاص يقال له: مصلى الجنائز، وكان خارج المسجد النبوي من جهة الشرق، وثبت أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الجنائز داخل المسجد النبوي فكلا الأمرين جائز ولا بأس به . ومما يدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد، فعن أبي هريرة قال:" نعى لنا رسول الله ﷺ النجاشي صاحب الحبشة، اليوم الذي مات فيه، فقال: (استغفروا لأخيكم). وعن ابن شهاب قال: حدثني سعيد بن المسيب:" أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي ﷺ صف بهم بالمصلى، فكبر عليه أربعا. ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:" أن اليهود جاؤوا إلى النبي ﷺ برجل منهم وامرأة قد زنيا، فأمر بهما فرجما، قريبا من موضع الجنائز عند المسجد."

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/5/12 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر