الدرس الثالث والستون: كتاب الجنائز4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 12 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 1579 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله:" وإنْ سقطَ عن دابته أو وُجِدَ ميتاً ولا أثرَ به أو حُمل فأُكل أو طال بقاؤه عرفاً غُسل وصلي عليه ".

قوله :"وإن سقط عن دابته" إن كان سقوطه بفعل العدو فهو شهيد لا يغسل ولا يصلى عليه، وإن كان سقوطه بغير فعل العدو فإنه يغسل ويصلى عليه.

قوله:"أو وجد ميتاً ولا أثر به" أي : ليس به أثر جُرْح ولا خنق ولا ضرب، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه.

قوله:"أو حُمل فأُكل " إذا أكل سواء حُمِلَ أو لم يُحْمَلْ فإن أكله دليل على أن فيه حياة مستقرة فإنه يغسل ويصلى عليه.

قوله:"أو طال بقاؤه عُرفاً غُسل وصلي عليه" العُرف ليس مقدرًا بزمان شرعا، بل إذا طال بقاؤه وعرف أنه ليس في سياق الموت فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، لما روي من قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه فإنه جرح في أكحله عام الأحزاب، ولكنه سأل الله أن لا يميته حتى يقر عينه ببني قريظة فاستجاب الله دعاءه وبقى الجرح ملتئما حتى حكم في بني قريظة بنفسه لأنه هو حليفهم وحكم بهم بالحكم الذي شهد النبي صلى الله عليه وسلم بأنه حكم الله من فوق سبع سموات. ولما حكم فيهم انبعث الدم ومات رضي الله عنه . ففي صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة :"أُصِيبَ سَعْدٌ يَومَ الخَنْدَقِ؛ رَمَاهُ رَجُلٌ مِن قُرَيْشٍ يُقَالُ له: حِبَّانُ بنُ العَرِقَةِ، رَمَاهُ في الأكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْمَةً في المَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِن قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الخَنْدَقِ وضَعَ السِّلَاحَ واغْتَسَلَ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ وهو يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الغُبَارِ، فَقَالَ: قدْ وضَعْتَ السِّلَاحَ؟ واللَّهِ ما وضَعْتُهُ، اخْرُجْ إليهِم، قَالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فأيْنَ؟ فأشَارَ إلى بَنِي قُرَيْظَةَ، فأتَاهُمْ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَنَزَلُوا علَى حُكْمِهِ، فَرَدَّ الحُكْمَ إلى سَعْدٍ، قَالَ: فإنِّي أحْكُمُ فيهم: أنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ والذُّرِّيَّةُ، وأَنْ تُقْسَمَ أمْوَالُهُمْ. [وفي رِوايةٍ]: أنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أنَّه ليسَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ أنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، مِن قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسولَكَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فإنِّي أظُنُّ أنَّكَ قدْ وضَعْتَ الحَرْبَ بيْنَنَا وبيْنَهُمْ، فإنْ كانَ بَقِيَ مِن حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيءٌ فأبْقِنِي له؛ حتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، وإنْ كُنْتَ وضَعْتَ الحَرْبَ، فَافْجُرْهَا واجْعَلْ مَوْتَتي فِيهَا، فَانْفَجَرَتْ مِن لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ -وفي المَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِن بَنِي غِفَارٍ- إلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إليهِم، فَقالوا: يا أهْلَ الخَيْمَةِ، ما هذا الذي يَأْتِينَا مِن قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ منها رَضِيَ اللَّهُ عنْه."

قوله:"والسقط إذا بلغ أربعة أشهر غسل وصلي عليه "الحمل إذا سقط من بطن أمه وقد بلغ أربعة أشهر من بدء الحمل غسل وصلي عليه ؛ لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:"حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، قال: إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ،... رواه البخاري ومسلم، واللفظ للأول.

قوله:"ومن تعذر غسله يمم" أي: من امتنع تغسيله فإنه ييمم، والتعذر.إما بعدم الماء وإما بتعذر استعماله في هذا الميت بأن يكون محترقا أو ممزقا ، وكيفية التيمم أن يضرب الحي يديه على الأرض ثم يمسح بهما وجه الميت وكفيه.

قوله:"وعلى الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسناً" إما من الناحية الجسدية كالبرص أو المعنوية فقد يرى والعياذ بالله وجهاً مظلماً متغيراً عن حياته.

وقد يكون وجهاً مسفرا حتى إن بعضهم يرى بعد موته مبتسماً فهذا لا يستره

قال العلماء إلا إذا كان صاحب بدعة وداعية إلى بدعته ورأى على وجهه مكروهاً فإنه ينبغي أن يبين ذلك حتى يحذر الناس من دعوته لبدعته.

قوله:" يجب تكفينه في ماله مقدما على دين وغيره، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته إلا الزوج لا يلزمه كفنُ امراته".

قوله :"يجب تكفينه في مالهلقوله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته " كفنوه في ثوبيه " والأصل الوجوب.

قوله:"مقدما على دين وغيره" قيمة الكفن تؤخذ من ماله، وذلك مقدم على الدين وغيره كالوصية والإرث.

قوله:"فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته" والذين تلزمهم نفقته الأصول والفروع، أما غير الأصول والفروع فلا تجب النفقة إلا على من كان وارثاً بفرض أو تعصيب مثاله: الأخ يجب أن ينفق على أخيه إذا لم يكن لأخيه أولاد فإن كان له أولاد فإنه لا يلزمه أن ينفق عليه لأنه محجوب بهم.

قوله:"إلا الزوجَ لا يلزمه كفنُ امراته" الراجح أن الزوج ملزم بكفن امرأته إذا كان موسراً؛ لأن هذا من العشرة بالمعروف ومن المكافأة بالجميل ولأن علائق الزوجية لم تنقطع.

قوله:"ويستحب تكفين رجل في ثلاث لفائف بيض، تُجَمَّر، "؛ لقول عائشة رضي الله عنها :"أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ في ثلاثِ أثوابٍ بيضٍ سَحُوليَّة ليس فيها قميصٌ ولا عِمامةٌ " أخرجه البخاري.

قوله : "ثم تُجَمَّر" أي تبخر.فعن جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إذا أَجْمَرْتُم المَيِّتَ، فأجْمِرُوه ثلاثًا " صحيح الجامع للألباني.

قوله :"ثم تبسط بعضها فوق بعض، ويجعل الحنوط فيما بينها، ثم يوضع عليها مستلقيا، ويجعل منه في قطن بين أليتيه ، ويشد فوقها خرقة مشقوقة الطرف كالتُّبَّان تجمع أليتيه ومثانتَه ويجعل الباقي على منافذ وجهه، ومواضع سجوده، وإن طيب كله فحسن، ثم يرد طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن، ويرد طرفها الآخر من فوقه، ثم الثانية والثالثة كذلك، ويجعل أكثر الفاضل عند رأسه ثم يعقدها وتحل في القبر".

قوله:"ثم تبسط بعضها فوق بعض،" أي تمد الأولى على الأرض ثم الثانية ثم الثالثة.

قوله :"ويجعل الحنوط فيما بينها"والحنوط أخلاط من الطيب تصنع للأموات.

قوله:"ثم يوضع عليها مستلقيا"ثم يوضع على اللفائف مستلقياً.

قوله:"ويجعل منه في قطن بين أليتيه" أي من الحنوط؛ لئلا يخرج شيء من دبره والغالب أنه إذا خرج شيء من دبره أن تكون رائحته كريهة وهذا الحنوط يبعد هذه الرائحة الكريهة.

قوله:"ويشد فوقها خرقة مشقوقة الطرف كالتُّبَّان" أي فوق الحنوط الذي يوضع في القطن، والتبان هو السروال القصير الذي ليس له أكمام.

قوله : " تجمع أليتيه ومثانتَه " أي الخرقة المشقوقة، فيؤتى بخرقة مشقوقة الطرف من أجل أن يمكن إدارتها على الفخذين، جميعا ثم تشد، ومعنى تشد أي تربط لتجمع بين أليتيه ومثانته.

قوله: "ويجعل الباقي على منافذ وجهه، ومواضع سجوده،" الباقي من الحنوط الذي وضع في القطن يجعل على منافذ وجهه وهي العينان والمنخران والشفتان من أجل أن تمنع دخول الهوام من هذه المنافذ.

ويجعل على مواضع السجود وهي الجبهة والأنف والكفان والركبتان وأطراف القدمين، وعللوا ذلك بأن هذا من باب التشريف لها وكل هذا على سبيل الاستحباب من العلماء ،

قوله:"وإن طُيِّبَ كلُّه فحسن"، لكن ينبغي أن يطيب بطيب ليس حارا؛ لأن الحار ربما يمزق الجسم بل يكون بارداً

وهذا لم يعرف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لكن فعله بعض الصحابة .

قوله:"ثم يرد طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ويرد طرفها الآخر من فوقه ثم الثانية والثالثة كذلك " أي يرد طرف اللفافة العليا وهي التي تلي الميت على شقه الأيمن ثم يرد طرفها من الجانب الأيسر على اللفافة التي جاءت من قبل اليمين، يفعل ذلك بالثانية ثم الثالثة على نفس الطريقة.

قوله:"ويجعل أكثر الفاضل على رأسه"أي إذا كان الكفن طويلاً فليجعل الفاضل من جهة رأسه يرده على رأسه وإذا كان يتحمل الرأس والرجلين فلا حرج ويكون هذا أيضاً أثبت للكفن

قوله :"ثم يعقدها"أي اللفائف لئلا تنتشر وتتفرق .

قوله:"وتحل في القبر"؛ لِأَنَّ عَقْدَهَا كَانَ لِلْخَوْفِ مِنْ انْتِشَارِ الكفن، وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ بِدَفْنِهِ .

قوله:" وإن كفن في قميص ومئز ولفافة جاز"أي إذا كفن في هذه فلا بأس، والقميص ما كان له أكمام ، والمئزر ما يؤتزربه ، ويكون في أسفل البدن، واللفافة عامة .

قوله:"وتكفن المرأة في خمسة أثواب : إزار، وخمار، وقميص، ولِفَافَتَيْن "الإزار: ما يؤتزر به، والخمار: ما يغطى به الرأس، والقميص : ذو الأكمام، واللفافتان : يعمان جميع الجسد. إلا أن بعض العلماء قال بأن المرأة تكفن فيما يكفن به الرجل ، أي في ثلاثة أثواب ، يلف بعضها على بعض، وهو الصحيح ، لأن الأصل تساوى الرجال والنساء في الأحكام الشرعية إلا ما دل الدليل عليه.

قوله :"والواجب ثوب يستر جميعه " أي الواجب في الكفن ثوب واحد يستر جميع الميت وإن رؤي من وراءه البشرة فإنه لا يكفي ، فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: "هاجَرْنا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَبْتَغِي وجْهَ اللَّهِ، ووَجَبَ أجْرُنا علَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَن مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِن أجْرِهِ شيئًا، منهمْ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَومَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ شيئًا نُكَفِّنُهُ فيه إلَّا نَمِرَةً، كُنَّا إذا غَطَّيْنا بها رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاهُ، فإذا غَطَّيْنا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فأمَرَنا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ بها، ونَجْعَلَ علَى رِجْلَيْهِ مِن إذْخِرٍ ومِنَّا مَن أيْنَعَتْ له ثَمَرَتُهُ فَهو يَهْدِبُها." أخرجه البخاري

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/5/10 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر