الدرس الثاني والستون: كتاب الجنائز 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 10 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 1794 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله :" ثمَّ يوضِّيه ندبًا"يوضئ المغسلُ الميتَ ندباً؛ لقوله ، صلى الله عليه وسلم، للنساء اللاتي يغسلْنَ ابنتَه:" ابدأْنَ بميامنها ومواضع الوضوء مِنْهَا ". أخرجه البخاري ومسلم، وليس على سبيل الوجوب بدليل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسل الرجل الذي وقصته ناقته بعرفه فمات فقال : اغسلوه بماء وسدر . أخرجه البخاري ولم يقل وضئوه، فدل على أن الوضوء ليس على سبيل الوجوب بل على سبيل الاستحباب.

قول المصنف : "ولا يُدْخِلُ الماءَ في فِيهِ ولا في أنفه، ويدخل إصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه، فيمسح أسنانه، وفي منخريه فينظفهما، ولا يدخلهما الماء، ثم ينوي غسله ويسمي " ولا يدخل الماء في فيه بدلَ المضمضة ولا في أنفه بدلاً من الاستنشاق؛ لأن الحي إذا دخل الماءُ تمضمض به ومجَّهُ وخرج، والميتُ لو صببنا الماءَ في فمه لانْحدرَ لبطنه وربما يحرك ساكنا بل يدخل إصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما وهذا يقوم مقام المضمضة والاستنشاق يدخل إصبعيه ملفوفاً عليهما خرقة وهي الخرقة التي كان يمس بشرته بها فيدخل إصبعيه في فمه ويمسح أسنانه ويكون ذلك برفق وكذلك يدخلهما في منخريه فينظفهما برفق أيضاً.

قوله:"ولا يدخلهما الماء"، لأنه لو أدخل فمه الماء نزل إلى بطنه ، وكذلك لو أدخل الماء إلى منخريه ، فيحرك ما كان ساكنا.

قوله"ثم ينوي غَسْلَه"، النية تتقدم الفعل ؛ لقول النبي :"الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى،" صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.ولعل هذه نية أخرى، ينوي بها عموم الغسل؛ لأن ما سبق لابد أن يكون بنية.

قوله:"وَيُسَمّي " أي يقول باسم الله، وهذا فيه نظر؛ لأن التسمية تكون بعد الاستنجاء.

قوله:"ويغسل برغوة السدر رأسه ولحيته فقط، ثم يغسل شقة الأيمن ثم الأيسر ثم كله ثلاثًا، يمر في كل مرة يده على بطنه فإن لم ينق بثلاث زيد حتى ينقى ولو جاوز السبع ، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورًا، والماء الحار والإشنان والخلال، يستعمل إذا احتيج إليه" فلا بد أن يعد الغاسل سدراً يدقه ويضعه في إناء فيه ماء ثم يضربه بيديه حتى يكون له رغوة وهذه الرغوة يغسل بها رأسه ولحيته والدليل قوله صلى الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر. أخرجه البخاري.

قوله:"ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر" لقول النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهنَّ في غَسْلِ ابْنَتِهِ:" ابْدَأْنَ بمَيَامِنِهَا ومَوَاضِعِ الوُضُوءِ منها. " صحيح ابخاري عن أم عطية نسيبة بنت كعب رضي الله عنها.

فيغسل الشق الأيمن ثم الأيسر ثم كله ثلاثاً لقوله صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته زينبَ رضي الله عنها :" اغسلْنَها ثلاثاً " رواه البخاري.

قوله:"يمر في كل مرة يده على بطنه" من أجل أن يخرج ما كان متهيئاً للخروج

قوله:" فإن لم ينق بثلاث زيد حتى ينقى، ولو جاوز السبع " لأن المقصود بذلك تطهيره وعدم النقاء يكون في الغالب إذا كان الرجل صاحب حرفة بالطين والجبس وما أشبه ذلك و كان مريضاً مرضاً طويلاً فإن الأوساخ تتراكم عليه فإذا غسلوه ثلاث مرات ولم ينق فإنه يزاد عليه حتى ينقى ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته :" اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتُنَّ ذلك "وهذا يرجع إلى رأي الغاسل ولكن ليس مجرد رأي ولكن الرأي تقتضيه المصلحة

قوله:" ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً"؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:" اجعلْنَ في الغسلة الآخرة كافورًا ". أخرجه البخاري والكافور طيب معروف أبيض يشبه الشب يدق ويجعل في الإناء الذي يغسل به آخر غسلة، وإنما اختير الكافور من بين سائر الأطياب؛ لفائدتين:

أولاً: أنه بارد

ثانياً أن من خصائصه أنه يطرد الهوام عن الميت لأن الميت في القبر تأتيه الهوام فرائحته تطرد الهوام عنه.

قوله:"والماء الحار والإشنان والخلال يستعمل إذا احتيج إليه "

الأفضل أن نغسل الميت بماء بارد ولكن إذا احتجنا إلى الماء الحار مثل أن تكون عليه أوساخ كثيرة متراكمة فإننا نستعمله ولكن ليس الحار الشديد الحرارة الذي يؤثر على الجلد برخاوة بالغة ولكنه حار ليكون أنقى من البارد.

قوله:"والإشنان" شجر ينبت في البر يؤخذ وييبس ويدق ويكون من جنس الرمل حبيبات تغسل به الثياب ويغسل الإنسان به جلده من أجل النظافة والإشنان يستعمل عند الحاجة للتنظيف لأنه قد يكون على الجلد أوساخ أو دهون لا يزيلها الماء وحده فيزيلها الإشنان وإن لم يحتج إليه فلا يستعمله

والصابون أقوى منه تنظيفاً فإذا استعمل الصابون من أجل إزالة الأوساخ فلا حرج عليه

ولا يستعمل مع الصابون ليفة لأن الليفة تشطب الجلد

قوله:"والخلال يستعمل إذا احتيج إليه"، أي: خلال الأسنان، إذا كان بأسنانه طعام فإنه يستعمل؛ لأن في ذلك تنظيفاً لأسنانه.

قوله:"ويقص شاربه ويقلم أظفاره ولا يسرح شعره ثم ينشف بثوب " الشارب والأظافر تؤخذ إذا طالت فإن كانت عادية أو كان الميت أخذها عن قرب فإنها لا تؤخذ بل تبقى على ما هي عليه .

قوله:"ولا يسرح شعره" ، لا يُسرَّحُ شعرُ الميت؛ لأن هذا يؤدي إلى تقطع الشعر بالتسريح والمشط.

قوله :"ثم ينشف بثوب"بعد أن يغسل يستحب أن ينشف لأنه إذا بقي رطباً عند التكفين أثر ذلك في الكفن فالأفضل أن ينشف بثوب.

قوله:"ويُضفَرُ شعرُها ثلاثةَ قرون ويُسدلُ وراءها "، ويجعل شعر المرأة ضفائر ثلاثاً ويسدل من ورائها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته :"... فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فألْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ، فَضَفَرْنَا شَعَرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا." صحيح البخاري.

قوله:"وإن خرج منه شيء بعد سبع حشي بقطن ، فإن لم يستمسك فبطين حر، ثم يغسل المحل، ويُوَضَأ ، وإن خرج بعد تكفينه لم يُعِد الغسل"وإن خرج من الميت شيء من بول أو غائط أو دم أو ما أشبه ذلك حشي بقطن أي سد بالقطن من أجل أن يتوقف فإن لم يستمسك فبطين حر والطين الحر الذي ليس مخلوطاً بالرمل أي بطين قوي واختاروا الطين لأنه أقرب إلى طبيعة الإنسان حيث إن الإنسان خلق منه وسيعاد إليه ثم يغسل المحل الذي أصابه ما خرج فيغسل للتنظيف وإزالة النجاسة، ثم يوضأ وإن خرج بعد تكفينه لم يعد الغسل لأن في ذلك مشقه إذ أننا لو أزلنا الكفن ثم نظفناه ثم كفناه مرة أخرى ربما يخرج شيء وحينئذ يكون فيه مشقه فإذا خرج بعد التكفين تركناه قال الفقهاء رحمهم الله إذا خرج قبل السبع وجب غسل المحل وإعادة الغسل وإن خرج بعد السبع وجب غسل المحل والوضوء وإن خرج بعد التكفين لم يجب غسل المحل ولا إعادة الوضوء فله ثلاث حالات.

قوله:"ومٌحْرم ميت كحي يغسل بماء وسدرولا يقرب طيبا ولا يَلْبِس ذكر مخيطا ولا يغطى رأسه، ولا وجه أنثى " أي: في أحكامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي أوقصته دابته وهو محرم :" فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً " (صحيح مسلم)، فدل ذلك على أنه باق على إحرامه وإذا كان كذلك فهو كالحي يغسل بماء وسدر لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته: اغسلوه بماء وسدر لأن استعمال السدر للمحرم ليس بحرام بل هو جائز .

قوله:"ولا يقرّب طيباً "؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:" ولا تحنطوه " (صحيح البخاري) ؛ولأن المحْرم ممنوع من الطيب.

قوله:" ولا يلبس ذكرٌ مخيطاً" أي قميصاً أو سراويل أو عمامة أو غيرها مما يحرم على الحي ودليل ذلك قوله النبي صلى الله عليه وسلم: فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً . رواه البخاري

قوله:"ولا يغطى رأسُه" بل يبقى مكشوفاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" ولا تخمروا رأسه ". البخاري.

قوله: " ولا وجه أنثى" ولو ماتت أنثى محرمة فإن وجهها لا يغطى ، إلا أن يمر بها حول رجال أجانب وكل هذا قبل التحلل لأن المحرم بعد التحلل الأول لا يحرم عليه إلا النساء فقط.

قوله:"ولا يُغَسَّلُ شهيدٌ ومقتولٌ ظلمًا" أي: يحرم تغسيل شهيد المعركة ؛ فعن جابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَرَ في قتلى أُحُدٍ بِدَفْنِهم بدمائِهم، ولم يُصَلَّ عليهم ولم يُغَسَّلُوا". أخرجه البخاري.

قوله:"ومقتولٌ ظلمًا "المقتولُ ظُلْمًا الصحيح أنه يُغَسَّل، فعن أنسٍ رَضِيَ الله عنه، "أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صعِدَ أُحُدًا، وأبو بكرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ، فَرَجَفَ بهم، فقال: اثبُتْ أُحُدُ؛ فإنَّما عليكَ نبيٌّ، وصِدِّيقٌ، وشَهيدانِ" (صحيح البخاري)، ومعلوم أنَّ عُمرَ وعثمانَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما غُسِّلا وصُلِّي عليهما بالاتِّفاقِ، مع كونِهما شهداءَ بالاتِّفاقِ، كما أنَّ المقتولَ ظُلمًا داخِلٌ في عموماتِ الأدلَّة الدالَّةِ على وجوبِ الغُسْلِ، وهذه العموماتُ لا يُمكِنُ أن يخرُجَ منها شيءٌ إلَّا ما دلَّ الدليلُ عليه، وهو شهيدُ المعركة.

قوله:"إلا أن يكون جنبا" الصحيح أن الشهيد لا يغسل سواء أكان جنباً أم غير جنب ؛لعموم الأدلة؛ وأما ما ورد عن عبد الله بن الزبير من أن عبد الله بن حنظلة قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم :"غسلته الملائكة " (حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، وصححه شعيب الأرنؤوط في صحيح ابن حبان بلفظ" إنَّ صاحبَكم حَنْظلةَ تغسِلُه الملائكةُ " ) ، فهو من باب الكرامة وليس من باب التكليف.

قوله:"ويدفن في ثيابه بعد نزع السلاح، والجلودِ عنه وإن سُلبها كُفِّنَ بغيرها ولا يُصلى عليه ".

الشهيد يدفن في ثيابه التي قتل فيها لأنه يبعث يوم القيامة على ما مات عليه من القتل ولذلك يبعث " وجُرْحُهُ يَثْعَبُ، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، والرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ." (صحيح مسلم)، يدفن في ثيابه بعد نزع السلاح والجلود عنه لأن هذا لا يدخل في الثياب ولا يصلى على الشهيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد. ولأن الحكمة من الصلاة الشفاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه ". أخرجه مسلم.

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/5/9 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر