الدرس الثامن والخمسون: باب صلاة الكسوف

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 9 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 1845 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

قوله:"باب صلاة الكسوف "، الكسوف هو ذهاب ضوء أحد النيرين أو بعضه .

والسبب الشرعي هو تخويف الله لعباده كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا، وادْعُوا اللَّهَ." صحيح البخاري عن المغيرة بن شعبة، ولهذا أمرنا بالصلاة والدعاء والذكر فهذا السبب الشرعي هو الذي يفيد العباد؛ ليرجعوا إلى الله.

وفي صحيح مسلم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : "كَسَفَتِ الشَّمْسُ علَى عَهْدِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَفَزِعَ فأخْطَأَ بدِرْعٍ حتَّى أُدْرِكَ برِدَائِهِ بَعْدَ ذلكَ، قالَتْ: فَقَضَيْتُ حَاجَتِي، ثُمَّ جِئْتُ وَدَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَرَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَائِمًا، فَقُمْتُ معهُ، فأطَالَ القِيَامَ، حتَّى رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ أَجْلِسَ، ثُمَّ أَلْتَفِتُ إلى المَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ، فأقُولُ هذِه أَضْعَفُ مِنِّي، فأقُومُ، فَرَكَعَ فأطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فأطَالَ القِيَامَ، حتَّى لو أنَّ رَجُلًا جَاءَ خُيِّلَ إلَيْهِ أنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ.".

قوله:"تُسَنُّ جماعة وفُرَادَى" المشهور عند العلماء أن صلاة الكسوف سُنَّةٌ، والسُنَّةُ ما أثيب فاعله ولم يعاقب تاركه فهذا تعريف السنة عند الفقهاء.

والدليل على أنها سُنَّةٌ ما روي عن طلحة بن عبيد الله "جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ ولَا يُفْقَهُ ما يقولُ، حتَّى دَنَا، فَإِذَا هو يَسْأَلُ عَنِ الإسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ في اليَومِ واللَّيْلَةِ. فَقالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قالَ: لَا، إلَّا أنْ تَطَوَّعَ." صحيح البخاري

فتسن جماعةً وفرادى، فالجماعة ليست شرطاً لهاً بل يسنُّ للناس في البيوت أن يصلوها،

ودليل ذلك عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:" فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذلك فَصَلُّوا " صحيح البخاري، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم فصلوا في مساجدكم مثلا فدل ذلك على أنه يؤمر حتى الفرد ولكن لا شك أن اجتماع الناس أولى بل الأفضل أن يصلوها في الجوامع لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في مسجد واحد ودعا الناس إليها لأن الكثرة في الغالب تكون أدعى للخشوع وحضور القلب ولأن الكثرة أقرب إلى إجابة الدعاء.

فهي تسن في المساجد والبيوت لكن الأفضل في المساجد وأفضل من ذلك في الجوامع من أجل الكثرة.

قوله:"إذا كسف أحد النيرين ركعتين يقرأ في الأولى جهرا بعد الفاتحة سورة طويلة، ثم يركع طويلا ثم يرفع، ويسمع ويحمد ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى، ثم يركع فيطيل وهودون الأولى، ثم يرفع ثم يسجد سجدتين طويلتين،ثم يصلي الثانية كالأولى لكن دونها في كل ما يفعل، ثم يتشهد ويسلم "، فتسن إذا كسف أحد النيرين الشمس أو القمر صلاةُ ركعتين بلا زيادة، لكن هاتين الركعتين كلُّ واحدةٍ فيها رُكُوعان.

يقرأ في الأولى جهراً بعد الفاتحة سورة طويلة ثم يركع طويلاً من غير تقدير فيطيل بقدر الإمكان يكرر التسبيح سبحان ربي العظيم ، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم :" فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فيه الرَّبَّ عزَّ وجلَّ، " صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه، فكل ما حصل من تعظيم في الركوع فهذا المشروع ثم يرفع رأسه من الركوع ويقول سمع الله لمن حمده ويقول ربنا ولك الحمد بعد أن يعتدل كسائر الصلوات وهذا في حق الإمام والمنفرد، أما المأموم فلا يقول:سمع الله لمن حمده، ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى وليس دونها بكثير ثم يركع فيطيل وهو دون الأول ثم يرفع ويقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ويطيل هذا القيام بحيث يكون قريباً من الركوع ، ثم يسجد سجدتين طويلتين بقدر الركوع ويجلس بينهما بقدر السجود ثم يصلي الثانية كالأولى لكن دونها في كل ما يفعل ، لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه :"انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَصَلَّى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِن قِرَاءَةِ سُورَةِ البَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وهو دُونَ القِيَامِ الأوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وهو دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وهو دُونَ القِيَامِ الأوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وهو دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وهو دُونَ القِيَامِ الأوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وهو دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ" صحيح البخاري.

قوله:"فإن تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة " أتمها خفيفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "صلوا حتى ينكشف ما بكم" رواه البخاري.

قوله:"وإن غابت الشمس كاسفة "وإذا لم يعلم بالكسوف إلا بعد زواله فلا يقضي لأن القاعدة أن كل عبادة مقرونة بسبب إذا زال السبب زالت مشروعيتها.

فالكسوف مثلاً إذا تجلت الشمس أو تجلى القمر فإنها لا تعاد لأنها مطلوبة لسبب وقد زال ويعبر الفقهاء رحمهم الله عن هذه القاعدة بقولهم سنة فات محلها.

ولا تدرك الركعة إلا بالركوع الأول ، فعلى هذا لو دخل مسبوق مع الإمام بعد أن رفع رأسه من الركوع الأول فإن هذه الركعة تعتبر قد فاتته فيقضيها.

قوله:"أو طلعتْ والقمرُ خاسفٌ" أي إذا طلعت الشمس، والقمر خاسفٌ، فإنه لا يصلي؛لأنه ذهب سلطانه ، فإن سلطان القمر الليل.

قوله:"أو كانت آيةً غير الزَّلْزَلَةِ لَمْ يُصَلِ" أي إذا وجدت آية تخويف كالصواعق والرياح الشديدة وبياض الليل وسواد النهار، والحِمَم ، وغير ذلك فإنه لا تُصلى جماعةً صلاةٌ على صفة صلاة الكسوف إلا الزلزلة، فإنه إذا زلزلت الأرض فإنهم يصلونها حتى تتوقف.

والراجح مشروعية الصلاة جماعةً على صفة صلاة الكسوف عند كل آية من الآيات العظيمة التي يخوف الله بها عباده، قال بذلك أبو حنيفة ، وأحمد – في رواية عنه-، و إسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وابن حزم، وشيخ الإسلام ابن تيمية.

قوله:" وإن أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع أو خمس جاز" والصحيح ما ثبت في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان.

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/5/9 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر