الدرس السادس والخمسون: باب صلاة العيدين

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 8 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 1793 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله"بابُ صلاةِ العيدينِ" العيدانِ تثنيةُ عيدٍ، وهما عيدُ الأضحى وعيد الفطر، وكلاهما يقعان في مناسبة شرعية.

فعيد الفطر في مناسبة انقضاء المسلمين من صوم رمضان، وأما الأضحى فمناسبة اختتام عشر ذي الحجة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ. " رواه البخاري.

قول المصنف "وهي فرضُ كفايةٍ، إذا تركَها أهلُ بلدٍ قاتلَهُم الإمامُ. ووقتُها كصلاةٍ الضحى، وآخرُه الزوالُ، فإنْ لم يُعْلَمْ بالعيد إلا بعدَه صلَوْا من الغدِ. وتسنُّ في صحراءَ ، وتقديمُ صلاةِ الأضحى وعكْسُهُ الفِطْرُ،"

قوله:"وهي فرض كفاية"؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد حتى أنه أمر الحُيَّضَ وذواتِ الخدور أن يخرجن يشهدن الخير ودعوة المسلمين وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى فَعَن أُمِّ عَطِيَّةَ، قالَتْ:" أَمَرَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ في الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إحْدَانَا لا يَكونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِن جِلْبَابِهَا." رواه مسلم.

قوله:"إذا تركها أهل بلد قاتلهم الإمام." وإذا تركها أهل بلد فإن الإمام يقاتلهم إن لم يفعلوها فإذا علم الإمام أن هؤلاء تركوها ودعاهم إلى فعلها ولكنهم أصروا على الترك فإنه يجب عليه أن يقاتلهم حتى يصلوا.

ولا يلزم من وجوب المقاتلة أن يكون المقاتل كافراً بل قد يكون مؤمناً ويقاتل كما قال تعالى:" وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الحجرات 10،9)

فأوجب قتال الفئة الباغية مع أنها مؤمنة لا تخرج عن الإيمان بالقتال.

قوله "ووقتُها كصلاةِ الضحى " وتبدأ من ارتفاع الشمس قيد رمح وهو بمقدار خمس عشر دقيقة، وذلك لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وأن ما قبل ذلك وقت نهي.

قوله:"وآخرُه الزوالُ، فإنْ لم يُعلمْ بالعيد إلَّا بعدَه صلَّوْا من الغدِ" أي:وآخر وقت العيد زوال الشمس عن كبد السماء .وإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال فإنهم لا يصلون وإنما يصلون من الغد في وقت صلاة العيد ودليل ذلك ما رواه أبو عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قالوا:"أُغْميَ علَينا هلالُ شوَّالٍ، فأصبَحنا صيامًا، فجاءَ رَكْبٌ من آخرِ النَّهارِ، فشَهِدوا عندَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أنَّهم رأوا الهلالَ بالأمسِ، فأمرَهُم رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أن يُفطِروا، وأن يخرُجوا إلى عيدِهِم منَ الغَدِ" صحيح ابن ماجه للألباني.

قوله:"وتُسنُّ فِي صَحْرَاءَ"، أي: في الصحراء التي خارج البلد، وينبغي أن تكون قريبة لئلا يشق على الناس والدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، فعن ابنِ عُمرَ، قال:"كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَغدُو إلى المصلَّى والعَنَزةُ بين يَديه تُحمَل، وتُنصَبُ بالمصلَّى بين يديه، فيُصلِّي إليها" رواه البخاري ومسلم.

قوله"وتقديمُ صلاةِ الأضْحَى، وَعَكْسُهُ الْفِطْرُ"،أي: ويسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر لأن الناس في صلاة عيد الفطر محتاجون إلى امتداد الوقت ليتسع وقت إخراج زكاة الفطر لأن أفضل وقت تخرج فيه زكاة الفطر صباح يوم العيد قبل الصلاة فعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: "أمَر رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بزكاةِ الفِطرِ أن تُؤدَّى قبل خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاةِ " أخرجه البخاري ومسلم

ومعلوم أنه إذا امتدت الصلاة وتأخرت صار هذا أوسع للناس

وأما عيد الأضحى فإن المشروع المبادرة بالتضحية لأن التضحية من شعائر الإٍسلام وقد قرنها الله عز وجل في كتابه بالصلاة فقال " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ " (الكوثر 2)، وقال " قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " (الأنعام 162)، ففعلها مبادراً بها في هذا اليوم أفضل وهذا إنما يحصل إذا قدمت الصلاة لأنه لا يمكن أن يذبح الأضحية قبل الصلاة.

قال المصنف: "وأكلُه قبلَها، وعكسُه في الأضحى إنْ ضحَّى، وتُكْرَهُ في الجامع بلا عذرٍ، ويسنُّ تبكيرُ مأمومٍ إليها ماشيًا بعدَ الصُّبْحِ، وتأخرُ إمامٍ إلى وقت الصلاة، على أحسن هَيْئة إلا المعتكف ففي ثياب اعتكافه، ومن شرطها: استيطانٌ، وعددُ الجمعة، لا إذنُ إمامٍ، ويسنُّ أن يرجعَ من طريقٍ آخرَ."

قوله:"وَأَكْلُهُ قَبْلَهَا" ويسنُّ للإنسان أن يأكل قبل أن يخرج إلى صلاة عيد الفطر؛ إقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَغْدُو يَومَ الفِطْرِ حتَّى يَأْكُلَ تَمَراتٍ ويَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا." أخرجه البخاري.

قوله:"وعكسُهُ في الأضْحَى إنْ ضَحَّىوالأفضل في عيد الأضحى التبكير حتى يضحي الناس لحديث بريدة رضي الله عنه قال : "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان لا يَخرُجُ يومَ الفِطرِ حتى يَطعَمَ، وكان لا يَأكُلُ يومَ النَّحْرِ شيئًا حتى يَرجِعَ فيَأكُلَ من أُضحيَتِه." حسنه شعيب الأرناؤط في في تخريج سنن الدارقطني.

قوله:"وتكرُه في الجامع بلا عُذرٍ" وتكره في جامع البلد بلا عذر، والعذر مثل: المطر، والرياح الشديدة، والخوف.

أما في مكة فلا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من الذين تولوا مكة كانوا يخرجون عن المسجد الحرام ولعل الحكمة في ذلك أن المسجد الحرام فيه الكعبة والصلاة فيه خير من مائة ألف صلاة فيما سواه والصحراء في مكة صعبة لأنها جبال وأودية فيشق على الناس أن يخرجوا فلهذا كانت صلاة العيد في نفس المسجد الحرام.

قوله:"ويسنُّ تبكيرُ مأمومٍ إليها ماشيًا بعدَ الصّبُحِ" أي: يسن أن يبكر المأموم إلى صلاة العيد ماشيا من بعد صلاة الفجر؛ فعن أبي رافع مولى الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"كان يأتي العيدَ ماشيًا ويرجعُ في غيرِ الطَّريقِ الَّذي ابتدأ فيه " صحيح ابن ماجه للألباني.

قوله:"وتأخر إمامٍ إلى وقتِ الصلاةِ"، أي: ويسن أن يتأخر الإمام إلى وقت الصلاة فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:" كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْرُجُ يَومَ الفِطْرِ والأضْحَى إلى المُصَلَّى، فأوَّلُ شَيءٍ يَبْدَأُ به الصَّلَاةُ، " صحيح البخاري.

قوله:"على أحسن هيئة "أي: ويسن أن يخرج على أحسن هيئة، وهذا يشمل الإمام والمأموم في لباسه وفي هيئته كأن يحف الشارب ويقلم الأظفار إذا كان في عيد الفطر أو لم يكن مضحيًا، ويتنظف ويلبس أحسن ثيابه.

قوله:"إلا المعتكفَ ففي ثيابِ اعتكافِه"أي:ينبغي أن يخرج المعتكف في ثياب اعتكافه ولو كانت غير نظيفة، قالوا: لأن هذه الثياب أثر عبادة فينبغي أن يبقى أثر العبادة عليه، والصحيح أن المعتكف كغيره يخرج إلى صلاة العيد متنظفا لابسًا أحسنَ ثيابه.

قوله:"ومن شرطِها: استيطانٌ"ومن شروط صلاة العيد أن تكون من قوم مستوطنين والمستوطن من كان في بلده، على هذا إذا جاء العيد ونحن في سفرنا فإنه لا يشرع لنا أن نصلي صلاة العيد.

والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم صلاة العيد إلا في المدينة وسافر إلى مكة عام الفتح وبقي فيها إلى أول شوال وأتاه العيد ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العيد.

وفي حجة الوداع وافقه العيد وهو في منى ولم يقم صلاة العيد لأنه مسافر كما أنه لم يقم صلاة الجمعة في عرفة لأنه مسافر

قوله:"وعددُ الجمعةِ "أي: ومن شروطها عددُ الجمعة والقول الراجح في عدد الجمعة ثلاثة.

قوله:"لا إذنُ إمامٍ" أي: ولا ينبغي إذن الإمام لتعدد مصلى العيد والراجح أنه لا بد من إذن الإمام أو نائب الإمام حتى لا يحصل فوضى بين الناس ويصير كل واحد منهم يقيم مصلى عيد .

قوله:"ويسنُّ أن يرجع من طريق آخر"، أي يسن إذا خرج من طريق لصلاة العيد أن يرجع من طريق آخر، فعن جابر رضي الله عنه قال :"كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. " أخرجه البخاري.

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/5/6 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر