الدرس119 باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قول المصنف:باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله

مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد أن الصبر على أقدار الله من مكملات التوحيد ، وعدم الصبر من منقصات التوحيد.

فقوله :(باب)مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هذا باب

قوله :(من الإيمان بالله) أي من خصال الإيمان بالله قوله (الصبر على أقدار الله)أي أن ذلك يدخل في الإيمان بالله ، والإيمان كما عرفه أهل السنة والجماعة : قول باللسان وعمل بالأركان أي الجوارح، واعتقاد بالجنان.

قوله (الصبر على أقدار الله)

الصبر في اللغة: الحبس، قال الله تعالى لنبيه :"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم "،(الكهف 28)
وفي الشرع :الصبر هو حبس النفس على طاعة الله وترك معصيته
وهو ثلاثة أقسام:
الأول: الصبر على طاعة الله كما قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا،(طه 132) ، وهذا من الصبر على الأوامر لأنه ما نزل عليه القرآن إلا ليبلغه فيكون مأمورا بالصبر على الطاعة.
الثاني: الصبر عن معصية الله كصبر يوسف عليه السلام عن إجابة امرأة العزيز حيث دعته إلى نفسها في مكانة لها فيها العزة والقوة والسلطان عليه، ومع ذلك صبر : قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ،(يوسف 33) .
الثالث: الصبر على أقدار الله، قال تعالى:فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ،(الإنسان: 24)، فيدخل في هذه الآية حكم الله القدري، ومنه قوله تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُم، (الأحقاف: 35) لأن هذا صبر على تبليغ الرسالة وعلى أذى قومه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لرسول إحدى بناته: إنَّ لِلَّهِ ما أخَذَ وما أعْطَى، وكُلُّ شَيءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى، فَلْتَحْتَسِبْ ولْتَصْبِرْ.. أخرجه البخاري

ثم ذكر المصنف قوله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (التغابن: 11)
(مَنْ): اسم شرط جازم، وفعل الشرط "يؤمن"، وجوابه "يهد"، والمراد بالإيمان بالله هنا الإيمان بقدره.
قوله تعالى: يَهْدِ قَلْبَهُ: يرزقه الطمأنينة، وهذا يدل على أن الإيمان يتعلق بالقلب، فإذا اهتدى القلب اهتدت الجوارح لقوله صلى الله عليه وسلم: ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ. أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير.

قول المصنف:" قال علقمة :هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم"، هذا الأثر رواه ابن جرير في تفسيره، وابن أبي حاتم عن علقمة، وهو صحيح، وعلقمة هو: ابن قيس النَّخعي، واسمه كاملاً أبو شبل علقمة بن قيس بن عبد اللَّه بن مالك بن علقمة بن سلامان النخعي الكوفي، فقيه الكوفة وعالمها ومقرؤها، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، سمع من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وعائشة وغيرهم، رضي الله عنهم ، وهو من كبار التابعين وأجلائهم وعلمائهم وثقاتهم، مات بعد الستين، وصفه الذهبي بأنّه: «الإمام الحافظ المجوّد المجتهد الكبير». وتفسير علقمة من لازم الإيمان لأن مَنْ آمن بالله علم أن التقدير من الله، فيرضى ويسلم، فإذا علم أن المصيبة من الله اطمأن القلب وارتاح، ولهذا كان من أكبر الراحة والطمأنينة الإيمان بالقضاء والقدر.

قول المصنف :وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت. أخرجه مسلم

قوله صلى الله عليه وسلم "كفر" أي: هاتان الخصلتان كفر ولا يلزم من وجود خصلتين من الكفر في المؤمن أن يكون كافرا، كما لا يلزم من وجود خصلتين في الكافر من خصال الإيمان كالحياء، والشجاعة، أن يكون مؤمنا.

قوله صلى الله عليه وسلم: "الطعن في النسب": أي: العيب فيه ، فهذا عمل من أعمال الكفر
قوله صلى الله عليه وسلم "والنياحة على الميت" أمر زائدٌ على البكاء، فيُرَفع الصوت بتعديد شمائل الميت، ومَحاسن أفعاله، وهو من أمر الجاهلية، كما أخبر بهذا خير البرية صلى الله عليه وسلم.

فهو مناف للصبر الواجب، وهذه الجملة هي الشاهد للباب؛ لأن الباب عنوانه : من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله.

وبالله التوفيق

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1443/4/17هـ