الدرس الرابع والأربعون : الأولى بالإمامة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 7 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 2459 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله "وساكن البيت وإمام المسجد أحق إلا من ذي سلطان" أي ساكن البيت أحق بالإمامة من الضيف لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لَا تَؤُمَّنَّ الرَّجُلَ في أَهْلِهِ، وَلَا في سُلْطَانِهِ" أخرجه مسلم

قوله"وإمام المسجد أحق" من غيره حتى وإن وجد من هو أقرأ فلو أن إمام المسجد كان قارئاً يقرأ القرآن على وجه تحصل به براءة الذمة وحضر رجل عالم قارئ فقيه فالأولى إمام المسجد لقول النبي ﷺ "لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ" رواه مسلم وإمام المسجد في مسجده سلطان فيه ولهذا لا تقام الصلاة إلا بحضوره وإذنه

قوله "إلا ذي سلطان" لا يستثنى في ذلك إلا الإمام الأعظم فلو أن الإمام الأعظم حضر إلى المسجد فهو أولى من إمام المسجد بالإمامة واستدلوا بعموم قول النبي ﷺ "لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ"

قوله "وحر" الحر أولى من العبد الرقيق الذي يباع ويشترى وإنما كان الحر أولى من العبد لأن الحر غالباً أعلم بالأحكام من العبد ولأن العبد مملوك فلا يؤمن أن يطلبه سيده في أي ساعة من ليل أو نهار بخلاف الحر ولأنه إن كان العبد عبده فمرتبته أعلى من مرتبة العبد وهو سيده فلا ينبغي أن يكون مأموماً له وهو أرفع منه

قوله "وحاضر" الذي يسكن الحاضرة أولى بالإمامة من الذي يسكن البادية لأن البدو غالباً يكونون جفاة جهالاً كما قال تعالى "الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" التوبة (97)

قوله "ومقيم" المقيم أولى من المسافر

قوله "وبصير" البصير أولى من الأعمى لأن البصير يتحرز من النجاسات وغيرها ويدرك استقبال القبلة أكثر من الأعمى وأيضاً البصير لو أن بعض أعضائه في الوضوء لم يصبه الماء لعلم به بخلاف الأعمى وذلك بعد اتفاقهما فيما سبق

قوله "ومختون" المختون أولى من الأقلف والمختون هو مقطوع القلفة والأقلف ضده لأن الإنسان يولد وعلى رأس ذكره قلفة أي جلدة تغطي الحشفة وهذه الجلدة يجب ازالتها لأنها لو بقيت لاحتقن فيها البول وصارت سبباً للنجاسة وربما تتولد جراثيم بين جلدة القلفة والحشفة فيتأثر غير المختتن بأمراض صعبة

قوله "ومن له ثياب" ومن عليه ثياب سترها أكمل أولى ممن عليه ثياب يستر بها قدر الواجب مثاله: شخص عليه إزار فقط وآخر عليه إزار ورداء فكل منهما صلاته صحيحة لكن الثاني أكمل ستراً من الأول فيكون هو الأولى بالإمامة

قوله "أولى من ضدهم" وهؤلاء المذكورين الستة تصح إمامتهم وهم الحر والحاضر والمقيم والبصير والمختون ومن له ثياب لأن الأولى تدل على الاختيار وعلى هذا فيصح أن يؤم العبد حراً ولو كان العبد عبده لكن الأولى الحر وكذلك أيضاً المقيم وضده المسافر فلو صلى المسافر بالمقيم فإن صلاته تصح وأيضاً لو صلى بدوي بحاضر لصحت صلاته لكن على خلاف الأولى ولو صلى الأعمى بالبصير صحت صلاته ولكن الأولى العكس وكذلك لو صلى أقلف بمختون فصلاته صحيحة لكن الأولى العكس ولو صلى من له ثياب قليلة بمن له ثياب كثيرة لصحت الصلاة ولكن الأولى العكس

قوله "ولا تصح خلف فاسق" والصحيح أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة ولو كان ظاهر الفسق وذلك بدليلين أثري ونظري أما الأثري

أولاً : عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله

ثانياً : خصوص قوله صلى الله عليه وسلم في أئمة الجور الذين يصلون الصلاة لغير وقتها "صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فإنْ أَدْرَكْتَهَا معهُمْ، فَصَلِّ، فإنَّهَا لكَ نَافِلَةٌ" أخرجه مسلم

ثالثاً : قوله صلى الله عليه وسلم "يُصَلُّونَ لَكُمْ، فإنْ أصَابُوا فَلَكُمْ، وإنْ أخْطَؤُوا فَلَكُمْ وعليهم" أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه

رابعاً : أن الصحابة رضي الله عنهم ومنهم ابن عمر كانوا يصلون خلف الحجَّاجّْ وابن عمر رضي الله عنه من أشد الناس تحرياً لاتباع السنة واحتياطاً لها والحجَّاجّْ معروف

أما الدليل النظري

فنقول كل من صحت صلاته صحت إمامته ولا دليل على التفريق بين صحة الصلاة وصحة الإمامة فما دام هذا يصلي صلاة صحيحة فكيف لا أصلي وراءه لأنه إذا كان يفعل معصية فمعصيته على نفسه فالرجل إذا صلى خلف شخص حالق لحيته أو شارب الدخان أو آكل الربا أو زانٍ أو سارق فصلاته صحيحة لكن يقدم أخف الفاسقين على أشدهما فيقدم من يقصر من لحيته على حالقها

قوله "ككافر" أي كما لا تصح خلف الكافر و الصحيح أن الصلاة تصح خلف الفاسق ولا تصح خلف الكافر فالكافر لا تصح الصلاة خلفه مطلقا سواء كان كفره بالاعتقاد أو بالقول أو بالفعل أو بالترك وتصح الصلاة خلف المخالف في الفروع ولو فعل ما تعتقده حراماً وهذا من نعمة الله لأنه لو كان القول أنها لا تصح الصلاة خلف المخالف في الفروع للحق بذلك حرج ومشقة

قوله "ولا امرأة" أي ولا تصح صلاة الرجل خلف امرأة لقول النبي ﷺ "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ ولَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأَةً" أخرجه البخاري ودليل آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "... خَيْرُ صُفُوفِ النِّساءِ آخِرُها" أخرجه مسلم وهذا دليل على أنه لا موقع لهن في الأمام والإمام لا يكون إلا في الأمام فلو كان القول بصحة إمامتهن بالرجال لانقلب الوضع فصارت هي المتقدمة على الرجال وهذا لا تؤيده الشريعة

قوله "وخنثى للرجال" أي ولا تصح الصلاة خلف الخنثى للرجال والخنثى هو الذي لا يعلم أذكر هو أم أنثى فيشمل من له ذكر وفرج يبول منهما جميعاً ويشمل من ليس له ذكر ولا فرج لكن له دبر والخنثى سواء كان على هذه الصورة أو الصور الأخرى لا يصح أن يكون إماماً للرجال لاحتمال أن يكون أنثى وإذا احتمل أن يكون أنثى فإن الصلاة خلفه تكون مشكوكاً فيها فلا تصح وذكر الموفق ابن قدامة رحمه الله أنه حُدث عن أشخاص ثلاثة ، أحدهم له مخرج واحد بين القبل والدبر يخرج منه البول والغائط ، والثاني ليس له فرج ولا ذكر وإنما له شيء نابي يخرج منه البول رشحاً مثل العرق وهذا أيضاً خنثى ، والثالث ليس له دبر ولا فرج ولا ذكر وإنما يتقيأ الطعام إذا بقي في معدته شيئاً من الوقت فإذا امتصت المعدة المنافع التي فيه تقياه فيكون خروج هذا الشيء من فمه والله على كل شيء قدير ولا يصح أن تكون المرأة إماماً لخنثى لاحتمال أن يكون ذكراً

قوله "ولا صبي لبالغ" أي لا تصح إمامة من صبي لبالغ والصبي من دون البلوغ والصحيح أن صلاة البالغ خلف الصبي صحيحة ودليل ذلك أن عمرو بن سلمة الجرمي قال "... لَمَّا كانَتْ وقْعَةُ أهْلِ الفَتْحِ، بادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بإسْلامِهِمْ، وبَدَرَ أبِي قَوْمِي بإسْلامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: جِئْتُكُمْ واللَّهِ مِن عِندِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقًّا، فقالَ: صَلُّوا صَلاةَ كَذا في حِينِ كَذا، وصَلُّوا صَلاةَ كَذا في حِينِ كَذا، فإذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أحَدُكُمْ، ولْيَؤُمَّكُمْ أكْثَرُكُمْ قُرْآنًا فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ أكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي؛ لِما كُنْتُ أتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبانِ، فَقَدَّمُونِي بيْنَ أيْدِيهِمْ وأنا ابنُ سِتٍّ أوْ سَبْعِ سِنِينَ، وكانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إذا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقالتِ امْرَأَةٌ مِنَ الحَيِّ: ألَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قارِئِكُمْ؟ فاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لي قَمِيصًا، فَما فَرِحْتُ بشَيءٍ فَرَحِي بذلكَ القَمِيصِ" رواه البخاري

قوله "ولا أخرس" أي لا تصح إمامة الأخرس والأخرس هو الذي لا يستطيع النطق وهو نوعان

النوع لأول : خرس لازم

النوع الثاني : خرس عارض

فاللازم أن يكون ملازماً للمرء من صغره ، والعارض هو الذي يحدث للمرء إما بحادث أو بمرض أو بغير ذلك

وإذا كان لازماً فالغالب أنه لا يسمع وانتفاء السمع سابق على الخرس لأنه إذا كان لا يسمع لا يمكن أن يتكلم إذ لا يسمع شيئاً يقلده حتى يتكلم مثله ولهذا إذا ولد الصبي أصم ولم يفتح الله أذنيه فإنه يبقى أخرساً أما الطارئ فقد يكون الأخرس سميعاً لكن طرأ عليه علة منعته من الكلام ولهذا تصح إمامة الأخرس بمثله وبمن ليس بأخرس لأن القاعدة أن كل من صحت صلاته صحت إمامته لكن مع ذلك لا ينبغي أن يكون إماماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول "يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ" رواه مسلم وهذا لا يقرأ لكن بالنسبة للصحة فهي تصح

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/4/7 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر