الدرس 23 الاستغاثة بالأموات

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 4 محرم 1442هـ | عدد الزيارات: 590 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

* حديث " إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا بأهل القبور " ، من الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نبَّه على ذلك غير واحد من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال في مجموع الفتاوى ما نصه :" هذا الحديث كذب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثه لم يروه أحد من العلماء بذلك ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة " .

وهذا المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مضاد لما جاء به الكتاب والسنة من وجوب إخلاص العبادة لله وحده وتحريم الشرك به ، ولا ريب أن دعاء الأموات والاستغاثة بهم والفزع إليهم في النائبات والكروب من أعظم الشرك بالله عز وجل ، كما أن دعاءهم في الرخاء شرك بالله سبحانه ، قال تعالى " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " البينة 5 ، وقال تعالى " فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " غافر 14 ، وقال سبحانه " ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير " فاطر 13 ، 14 .

وهذه الآية تعمُّ جميع من يُعبد من دون الله من الأنبياء والصالحين وغيرهم ، والآيات الدالة على وجوب إخلاص العبادة لله وحده وتوجيه الدعاء إليه دون كل ما سواه وعلى تحريم عبادة غيره سبحانه من الأموات والأصنام والأشجار والأحجار ونحو ذلك كثيرة جدا يعلمها من تدبر كتاب الله وقصد الاهتداء به والله المستعان .

* لا يجوز البناء على القبور لا بصبة ولا بغيرها ولا تجوز الكتابة عليها لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن البناء عليها والكتابة عليها ، فقد روى مسلم رحمه الله من حديث جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه " كما ،" نَهَى النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، أن يُكْتَبَ عليها ، وأن توطأَ " رواه الترمذي ، وصححه الألباني

، لأن ذلك نوع من أنواع الغلو فوجب منعه ، وإنما يعاد تراب القبر عليه ويرفع قدر شبر تقريبا حتى يعرف أنه قبر ، هذه هي السنة في القبور التي درج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم .

ولا يجوز اتخاذ المساجد عليها ولا كسوتُها ولا وضعُ القباب عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لعن اللهُ اليهودَ والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " متفق على صحته

ولما روى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول " إن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلا ، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ".

لا يجوز لأحد أن يتبرك بالأموات أو قبورهم ولا أن يدعوَهم من دون الله أو يسألهم قضاء حاجة أو شفاء مريض أو نحو ذلك لأن العبادة حق الله وحده ومنه تطلب البركة وهو سبحانه الموصوف بالتبارك كما قال عز وجل في سورة الفرقان " تبارك الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا " الفرقان 1 ، وقال سبحانه " تبارك الذي بيده الملك " الملك 1 ، ومعنى ذلك أنه سبحانه بلغ النهاية في العظمة والبركة ، أما العبد فهو مُبَارك - بفتح الراء - إذا هداه الله وأصلحه ونفع به العباد ، كما قال عز وجل عن عبده ورسوله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام " قال إني عبد الله ءاتنيَ الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركاً أين ما كنت " مريم 30 ، 31 .

التوسل بجاه فلان أو ببركة فلان أو بحق فلان بدعةٌ وليست من الشرك ، فإذا قال : اللهم إني أسألك بجاه أنبيائك أو بجاه وليك فلان أو بعبدك فلان أو بحق فلان أو بركة فلان فذلك لا يجوز وهو من البدع ومن وسائل الشرك ، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة فيكون بدعة ، والله سبحانه وتعالى يقول " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " الأعراف 180 ، ولم يقل ببركة فلان أو جاه فلان ، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ" رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري .

فالتوسل يكون بأسماء الله وصفاته وبتوحيده كما جاء في الحديث الصحيح " اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " رواه أبو داود وابن ماجه ، ويكون أيضاً بالأعمال الصالحة كأن يقول : اللهم إني أسألك بمحبتي لنبيك صلى الله عليه وسلم ، أو باتباعي شرعك ، أو بعفتي عما حرَّمت عليّ ، أو نحو ذلك ، توسل شرعي وصحيح .

* كتابة الحُجُب لا تجوز لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " من تعلق تميمة فقد أشرك " رواه أحمد ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة .

والحُجُب هي التمائم فلا يجوز كتابة التمائم ولا تعليقُها والذي يعلقها ينكر عليه والذي يكتبها للناس ينكر عليه حتى لو كانت من القرآن ، كان عبد الله بن مسعود وجماعة غيره من السلف ينكرون ذلك سواء كانت من القرآن أو غيره ، لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " رواه أبو داود عن عبد الله بن مسعود، وصححه الألباني ، والمراد بالرقى الممنوعة : الرقى المجهولة أو الرقى التي فيها شرك ، أما التي تجوز فالرقى الشرعية فقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك " رواه مسلم ، ولأنه صلى الله عليه وسلم رقى ورُقي .

أما التولة فهي نوع من السحر وتسمى الصرف والعطف وهي ممنوعة ، وكذلك التمائم ممنوعة ، وهي الحُجُب وتسمى الجوامع وتسمى الحروز ، لأنها إذا علقت صارت وسيلة إلى تعلق القلوب بها ونسيان الله تعالى ، فمن حكمة الله أنه سبحانه نهى عنها حتى تكون القلوب معلقةً به سبحانه لا بغيره .

ولا يعلق شيء على المريض ولا على الصبي لا من القرآن ولا من غيره ، بل يُعلَّم الدعاءَ الشرعيَّ كالتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وقراءة آية الكرسي وقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين عند النوم وبعد الصلوات الخمس .

المحو هو أن يكتب آيات بالزعفران في صحن نظيف أو في قرطاس ثم تُغسل ويشربها المريض ، وهذا فعله كثير من السلف والخلف ولا حرج فيه إذا كان القائم بذلك من المعروفين بالعلم والفضل وحسن العقيدة .

*بالنسبة للطواف وختم القرآن للأموات من الأقارب والأصدقاء فالأفضل ترك ذلك لعدم الدليل عليه لكن يشرع لك الصدقة عن من أحببت من أقاربك وغيرهم إذا كانوا مسلمين والدعاء لهم والحج والعمرة عنهم ، أما الصلاة عنهم والطواف عنهم والقراءة لهم فالأفضل تركه لعدم الدليل عليه .

وبالله التوفيق

4 - 1 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر