الدرس 165: باب الرهن 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 26 جمادى الأولى 1439هـ | عدد الزيارات: 1413 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قول المؤلف رحمه الله (ونماء الرهن وكسبه وأرش الجناية عليه ملحق به) الرهن أي: المرهون، فهو مصدر بمعنى اسم المفعول، والمصدر بمعنى اسم المفعول يأتي كثيرا في اللغة العربية، كما في قوله تعالى (وأولات الأحمال) الطلاق: 4، الأحمال جمع حمل بمعنى محمول، وقوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود، فنماء الرهن، أي: ما يحصل منه من ثمر ودر ونسل، ملحق به، وكسبه ملحق به، وأرش الجناية عليه ملحق به، يعني أنه يكون رهنا

النماء يكون متصلاً ويكون منفصلا، فإذا رهنه شاة هزيلة، ثم سمنت، وزاد لحمها، وكبر جسمها، فهذه الزيادة لا شك أنها تدخل في الرهن، ولو كانت لا تدخل لقال الراهن للمرتهن: ليس لك إلا قيمته هزيلا، فالزيادة المتصلة تلحق

مثاله: رهنه شاة، فحملت الشاة بعد الرهن وولدت، وأولادها ولدوا، فالجميع يتبعون الرهن، لأنها نماؤه، وكذا لو رهنه نخلا، فالنماء يتبع الأصل، ولو أثمر النخل بعد أن رُهن فإن ثمرته تكون رهنا، لأنها نماء له

وقوله (وكسبه) أي: ما اكتسبه الرهن، كعبد اتجر، أي: رهن عبداً واتجر العبد، وكسب، فكسبُ العبد رهن تبعاً لأصله، وكذلك لو أذن الراهن للمرتهن أن يؤجر البيت المرهون، فأجره فأجرته تكون رهنا، لأن الفرع يتبع الأصل

وقوله (وأرش الجناية عليه ملحق به) ما يؤخذ بسبب الجناية على الرهن، يتبع الرهن

مثاله: رهن غزالاً عند إنسان ثم إن أحدا من الناس اعتدى عليها، وكسر قدمها، ونقصت قيمتها، فإن الراهن صاحب الغزال سوف يأخذ النقص من المعتدي الذي جنى، فهذا النقص الذي أخذه من الجاني يكون رهنا

فصار النماء والكسب وأرش الجناية يُلحق بالرهن، فجميع ما يتفرع من الرهن يُلحق به

قوله (ومؤونته على الراهن) يعني طعامه وشرابه على الراهن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يغلق الرهن من صاحبه له غُنمه وعليه غرمه) أخرجه أبو داود في المراسيل، فله غنمه وعليه غُرمه، فإذا كان الرهن يحتاج إلى حراسة، واستأجرنا حارساً يحرسه، فتكون الأجرة على الراهن، لأنها حراسة لملكه، لأن الغُرم بالغنم، فمن له غنم شيء فعليه غُرمه

قوله (وكفنه) كذلك كفنه لو مات، يعني لو كان المرهون عبداً فمات، فإذا مات يحتاج إلى أجرة غاسل، وقيمة ماء، وقيمة كفن، فتكون هذه على الراهن، لأنه ملكه، له غنمه وعليه غرمه

قوله (وأجرة مخزنه) أي: لو كان الرهن يحتاج إلى خزن، فأجرة المخزن على الراهن، لأن عين هذا المال للراهن فغنمه له وغرمه عليه

قوله (وهو) الضمير يعود على المرهون

قوله (أمانة في يد المرتهن) كل مال حصل بإذن من المالك، أو إذن من الشارع فهو بيد صاحبه أمانة، بإذن من المالك كالوكيل، فهو يقبض المال بإذن صاحبه فهو إذن أمين، وإذن من الشارع مثل ولي اليتيم فهو يقبض مال اليتيم، ويتصرف فيه بالتي هي أحسن بإذن من الشارع

وضد ذلك الغاصب فإن المال بيده ليس أمانة ولهذا يضمنه مطلقا، ولكن يتفرع على قوله أنه أمانة قوله (إن تلف من غير تعد منه فلا شيء عليه) إن تلف المرهون، من غير تعد منه فلا شيء عليه، وإلا فالضمان عليه أي: على المرتهن، وكذلك إذا فرط فالضمان عليه

والتفريط لم يذكره المؤلف لكن ينبغي ذكره والفرق، أن التعدي: فعل ما لا يجوز، والتفريط: ترك ما يجب

مثاله: لو أن شخصا ارتهن خيلاً من آخر، ثم لم يحطها بعناية فقضى عليها البرد، فهذا تفريط، وهو نوع من الإهمال، لأن الواجب عليه أن يجعلها في مكان دافئ، لئلا تموت، بسبب تساهله في العناية بها

مثال آخر: رجل رهن فرساً، ثم إن المرتهن صار يحمل عليه ويستخدمه في حمل أغراضه فهذا تعديا

فإن تعدى أو فرط المرتهن فهو ضامن، وإلا فلا، لأنه أمانة بيده

قوله (ولا يسقط بهلاكه) أي: الرهن

قوله (شيء من دينه) أي: من الدين الذي عليه

مثاله: رجل استدان من شخص وأرهنه سيارته، ثم احترقت السيارة، وكانت مرهونة بثلاثين ألف ريال، فلا يسقط شيء من الدين مقابل الاحتراق، إذا لم يكن بتعد أو تفريط، وإلا أسقط من الدين بمقدار ما لزم المرتهن من ضمانه

قوله (وإن تلف بعضه فباقيه رهن بجميع الدين) أي: بعض المرهون

مثاله: رجل رهن ست بقرات بألف ريال، وتلف من البقر ثلاث، وبقي ثلاث، فهذه الثلاث هن بجميع المال، لأن هذا عقد توثقة، وليس عقد معاوضة

قوله (ولا ينفك بعضه مع بقاء بعض الدين) أي: لا ينفك بعض الرهن مع بقاء بعض الدين

مثاله: رجل رهن سبع شياه بثلاثة آلاف ريال، ثم إنه أوفى ألف ريال، والمرهون سبع شياه، فيبقى الرهن بجميع الدين، ولهذا قال (لا ينفك بعضه مع بقاء بعض الدين) بل يبقى على ما هو عليه، رهنا بباقي الدين

قوله (وتجوز الزيادة فيه دون دينه) تجوز الزيادة في الرهن، لأن فيها مصلحة وهو زيادة التوثقة، وأما الزيادة في دينه فلا يجوز، لإشغال هذا الرهن بالدين الثاني، لأنه مشغول بالدين الأول، والمشغول لا يشغل

مثال الزيادة في الرهن: رجل استدان من شخص مئة ألف ريال، ورهنه سيارته بناء على طلبه، وتم العقد بينهما، وبعد فترة شعر المرتهن أن السيارة لا تكفي في الدين، فطلب أن يرهنه سيارة أخرى، فيجوز، بشرط عدم إجبار الراهن، وهو المدين على ذلك

أما الزيادة في الدين فلا يجوز

مثاله: رجل استدان من شخص مئة ألف ورهنه بيته، ثم إن المدين احتاج زيادة مال فطلب ذلك من الدائن وهو المرتهن، وقال: أقرضني، فرد عليه: أعطني رهنا آخر، فعلى قول المؤلف: لا يجوز، لأنه مشغول بالدراهم الأولى

والصواب: الجواز، إذ لا بأس بزيادة الدين، لأنه برضا الطرفين وفيه مصلحة للراهن، وأما قولهم: إن المشغول لا يشغل، فصحيح إذا كان الشاغل أجنبيا، أما إذا كان الشاغل هو الشاغل الأول ورضي بذلك فما المانع، ولهذا عمل الناس على جواز الزيادة في الدين، وإن كان خلاف المذهب، إذ لا حرج في ذلك، لذا ترى الفلاح يستدين من التاجر ويرهنه الفلاحة وهي المزرعة، ثم يستدين منه مرة ثانية، والدين الثاني داخل في الرهن الأول، والقضاة يقرون صحة ذلك

قوله (وإن رهن عند اثنين شيئا فوفى أحدهما) هذا الشيء المرهون، رهنه عند اثنين، فوفى أحدهما فإنه ينفك الرهن في نصيبه دون نصيب صاحبه

مثال ذلك: استدان زيد من عمرو مئة ألف، فكل واحد أدانه خمسين ألفا، ثم قال: هذا البيت رهن بدينكما، ثم أوفى عثمان، فيبقى هذا البيت مرهوناً نصفه فقط

قوله (أو رهناه شيئاً فاستوفى من أحدهما) المرهون شركة

مثاله: هذا بيت مشترك بين عثمان وخالد، استدان الرجلان من شخص فرهناه البيت المشترك بينهما، فاستوفى من أحدهما، يقول المؤلف (انفك في نصيبه) وذلك لأن الصفقة اشتملت على عقدين، فإذا انفك الرهن في أحد العقدين، بقي الرهن الآخر

نسأل الله الصواب في ذلك، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه، وأن يسدد على طريق الحق ولي أمرنا، وأن يوفقه في تحرير اليمن من براثن الحوثي الرافضي وأذنابه من المرتزقة

وشكر الله لكم، وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

25-05-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة