الدرس 121: شروط البيع 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 27 ربيع الثاني 1438هـ | عدد الزيارات: 1428 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الشرط الرابع: أن يكون العقد من مالك للمعقود عليه أو من يقوم مقامه وهم: 1. الوكيل، 2. الولي، 3. الوصي، 4. الناظر. لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء: 29، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام (لا تبع ما ليس عندك) رواه الترمذي وقال حديث حسن وصححه ابن حزم

فنهاه صلى الله عليه وسلم أن يبيع ما ليس في حوزته

لأنه لو جاز أن يبيع الإنسان ما لا يملك لكان في ذلك من العدوان والفوضى ما لا تستقيم معه حياة البشر

والوكيل: هو من أذن له بالتصرف في حال الحياة، كرجل أعطى شخصاً بضاعة، وقال بعها، لحديث عروة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل في البيع والشراء. أخرجه البخاري
والولي: هو من يتصرف لغيره بإذن الشارع

والولاية نوعان: عامة وخاصة

فالعامة ولاية الحكام، كالقضاة مثلاً، فإن لهم ولاية عامة على الأموال المجهول مالكها، وعلى أموال اليتامى إذا لم يكن لهم ولي خاص، وعلى غير ذلك

والولاية الخاصة ولاية على اليتيم من شخص خاص، كولاية الأخ على أخته

والوصي: هو من أمر له بالتصرف بعد الموت، مثل أن يوصي شخص بشيء من ماله إلى زيد، فهذا الموصى إليه يجوز أن يتصرف فيما وصي فيه بما يراه أصلح، وهو قائم مقام المالك

والناظر: هو الذي جُعل على الوقف، أي: وكُل على الوقف، مثل أن يقول رجل هذا البيت وقف على الفقراء، والناظر عليه فلان بن فلان، فهذا أيضاً يصح تصرفه لأنه قائم مقام المالك، ويسمي هذا ناظراً، وقد وقف عمر رضي الله عنه ما ملكه في خيبر، وقال: تليه حفصة، ثم ذوو الرأي من آله. أخرجه أبو داود وإسناده صحيح كما في الإرواء للألباني

فحفصة جعلها عمر رضي الله عنهما ناظرة على وقفه

فالوصي والناظر عن الطريق الخاص بالمالك، أما الولي فولايته مستفادة من الشرع

فإن باع ملك غيره بغير إذنه لم يصح، ولو مع حضوره وسكوته، لأنه ليس المالك لفوات الشرط وهو الملك إذ لو باع ملك أبيه أو ابنه لم يصح، وحديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) أخرجه ابن ماجه وصححه البوصيري على شرط البخاري

أنه إذا أراد الأب أن يبيع ملك ابنه فليتملكه أولاً ثم يبيعه ثانياً؛ لأنه قبل تملكه ملك ابنه، لا يملك بيعه بدون إذنه

قوله (أو اشترى بعين ماله بلا إذنه لم يصح) مثاله: إنسان أعطاك دراهم، وقال: أوصلها إلى فلان، فاشتريت بها سلعة فلا يصح هذا الشراء، إلا إذا أجازك على هذا الشراء

والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عروة بن الجعد رضي الله عنه أن يشتري له أضحية وأعطاه ديناراً، فاشترى أضحيتين بدينار واحد، ثم باع إحداهما بدينار، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بديناره وشاة فقال صلى الله عليه وسلم (اللهم بارك له في بيعه)، فكان لا يتجر في شيء إلا ربح فيه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقره على فعله

قول المؤلف رحمه الله (إن اشترى له) أي للغير، (في ذمته) أي: لا بعين ماله، بلا إذنه ولم يسمه في العقد صح له بالإجازة ولزم المشتري بعدمها ملكاً

وصورة المسألة: تعلم أن فلان يريد أن يشتري ساعة فوقفت على صاحب الساعات واشتريت له ساعة وهو لم يوكلك، فقلت له: اشتريت لك ساعة، فإن أجازك فالساعة له، وإن رفض فالساعة لك

والأولى أن يقبل، من شريت له، إذا علمنا أن هذا المشتري إنما اشتراها اجتهاداً لا تغريماً وإخساراً، فإنه لا ينبغي أن يجازى المحسن بالإساءة؛ لأنه ربما يكون ثمن السلعة باهظاً، وهذا المشتري ليس عنده مال، فالأولى للمشترى له أن يقبل ولو كان عليه بعض الغضاضة

قوله (ولا يباع غير المساكن مما فتح عنوة كأرض الشام ومصر والعراق) قول المؤلف هو قول عمر وعلي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، لأن عمر رضي الله عنه وقفها على المسلمين

فقوله (المساكن) إذا باعها بأرضها فالبيع غير صحيح، وإذا باع المساكن فالبيع صحيح في الأراضي التي فتحت عنوة. أي: قهراً وقوة، فالمساكن يصح بيعها لأن الصحابة اقتطعوا الخطط في الكوفة، والبصرة، في زمن عمر، وبنوها مساكن، وتبايعوها من غير أن ينكر عليهم

قوله (كأرض الشام ومصر والعراق) إذا قيل: الشام عند العلماء فإنه يشمل سوريا وفلسطين والأردن ولبنان

وكل ما كان شمال الجزيرة العربية، فأرض الشام ومصر والعراق لا يباع فيها إلا المساكن، وأما الأرض نفسها فإنها لا تباع؛ لأن عمر رضي الله عنه وقفها، والوقف لا يباع، فعمر رضي الله عنه لما فتح هذه الأمصار، رأى إن قسمها بين الغانمين يحرم الأجيال المستقبلة من أجيال المسلمين، فرأى أن يوقفها، ويضرب عليها خراجاً، أي: كالأجرة يؤخذ منها كل سنة فصارت وقفاً، والوقف لا يجوز بيعه، وهذا الذي مشى عليه المؤلف

وأما المساكن في هذه الأرضين فتباع؛ لأن المساكن ملك للساكن فهو الذي أقام البناء حتى استقام، فله ثمن هذا البناء الذي أقامه فيصح العقد عليه، أما الأرض فلا

قول المؤلف (بل تؤجر) أجاز تأجيرها، ولم يجز بيعها، وهذا القول ضعيف جداً وهو الذهب

والصواب: أن بيعها حلال جائز وصحيح، وسواء المساكن أو الأرضين، وينزل المشتري منزلة البائع في أداء الخراج المضروب على الأرض، وكان هذا فيما مضى، أما الآن فلا خراج ولا وقف، فلا بد أن نفهم الحكم الشرعي

والأمر الواقع أن الناس يتبايعون الأرضين والمساكن والبساتين من غير نكير، بل هو شبه إجماع، ثم هذا الوقف ليس وقفاً خاصاً، حتى نقول: إن الأوقاف الخاصة لا تباع إلا أن تتعطل منافعها، فهذا وقف عام على المسلمين عموماً، فليس له مستحق خاص، فكان منع المسلمين من تداوله بالبيع من أشق ما يكون على الناس، ورفع الحرج معلوم في الشريعة الإسلامية

مسألة: لم يذكر الماتن بيوت مكة، لكن ذكرها الشارح للزاد منصور البهوتي في كتابه الروض المربع؛ فبيوت مكة لا يجوز بيعها ولا إجارتها، فهي أضيق مما فتح عنوة، ودليلهم حديث (رباع مكة حرام بيعها، حرام إجارتها) ولكنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة، ضعفه البيهقي والذهبي والدارقطني

والصحيح: جواز البيع والإجارة في بيوت مكة، والعمل على هذا القول، وأما القول بأنه لا يجوز بيعها ولا إجارتها فهو قول ضعيف

قوله (ولا يصح بيع نقع البئر) نقع البئر: هو ماء البئر الذي نبع من الأرض، فلا يجوز بيع هذا الماء؛ ولأن هذا الماء لم يخرج بقدرة الإنسان؛ بل بقدرة الله عز وجل، فهو ليس من كده ولا فعله، فهو لا يملكه، فلا يصح بيعه، وكذا ماء العيون لأن ماءها لا يملك غير أن رب الأرض أحق به من غيره لأنه في ملكه، ومن ملكه وحازه وأخرجه ووضعه في البركة فإنه يجوز بيعه لأنه صار ملكاً له بالحيازة

قوله (ولا يصح بيع ما نبت في أرضه من كلأ وشوك) الكلأ: هو العشب، والشوك الشجر، فما ينبت في الأرض بفعل الله عز وجل فإنه لا يجوز لي أن أبيعه؛ فإن كنت أحتاجه لرعي إبلي أو بقري أو غنمي فأنا أحق به، وإلا فلا إلا أن يلحقني في ذلك ضرر فلي أن أمنعه؛ لأنه لا يمكن أن يرتكب الضرر لمصلحة الغير وصاحب الأرض أحق به

أما ما أنبته الإنسان في أرضه فله بيعه، مثل الغرس والزرع

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

27-04-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي